فايز أبو راس
العدوان الصهيوني على غزة بكل ما فيه من القسوة والوحشية والنصر الذي تحقق شكل منعطفاً هاماً في حياة الشعب الفلسطيني ومستقبل الأمة, ولم يعد ممكناً أن تدار القضية الفلسطينية بعد الحرب كما كانت تدار قبل الحرب والنصر, لأول مرة بعد نكبة فلسطين يخوض الشعب الفلسطيني معركة حقيقية على أرضه وينتصر فيها, مما أعطى الثقة بالنفس بأن هذا النصر قابل للتحقيق ويمكن له أن يتكرر في أماكن أخرى وفي أوقات لاحقة أيضاً, وبذلك فإن باب الهزائم والخسارات أمام الشعب الفلسطيني وأمام الأمة قد أُغلق شرط توفر أسباب النصر التي تحققت في غزة, وأهمها إسقاط الرهانات على خيارات التسوية واعتماد المقاومة كخيار أساسي في عملية مواجهة الاحتلال وإنجاز مهمة التحرير.
الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة الذين واجهوا آلة العدوان الضخمة وأسلحته المدمرة والفتاكة المحرمة دولياً والتي بعضها يستخدم لأول مرة بحيث تحول قطاع غزة وأهله الى حقل تجارب للأسلحة الأمريكية والصهيونية الجديدة هؤلاء الذين تحملوا نتائج هذه الحرب وقدموا في سبيل ذلك أرواحهم وفلذات أكبادهم وجنى عمرهم من بيوتهم وممتلكاتهم التي تحول بعضها أثراً بعد عين هم أصحاب النصر وهم الأمناء على القضية والحقوق الوطنية وهم من يقرر الخيارات التي تحمي وتكفل حقهم وليس أولئك الطامحين الى المحافظة منصب أو زعامة على حساب الوطن وشعبه.
العدو الصهيوني أراد إرسال رسالة قوية للشعب الفلسطيني عبر الدم والرعب والتدمير بأن هذه عينة مما أعده له من الذي ينتظره على يديه حتى يستسلم, فردت عليه غزة بوحدتها وصبرها وصمودها وتضحيات أبنائها بما أفشل سعيه وأفسد خطته وفضح الشركاء المتواطئين الداخليين والخارجيين على السواء ورد العدو عن غزة مدحوراً مهزوماً, لكن المشوار لم ينته بعد والمعركة لا زالت قائمة والنصر الذي أُنجز في غزة ليس إلاّ الجهاد الأصغر (الجانب العسكري العنيف) رغم كل ثقله الضاغط على الشعب والخسائر التي حصدها, وبقي أمام غزة مهمة إنجاز العمل الأصعب والأعقد (الجهاد الأكبر) وهو كيف نمنع العدو من تحقيق أهدافه التي عجز عن تحقيقها بالقوة – وهذا ليس بالأمر اليسير- وكيف نستطيع إنجاز مطالب أهل غزة الملحة المتمثلة في رفع الحصار وفتح المعابر وعلى رأسها معبر رفح كونه بوابة التواصل الوحيدة لأهل غزة مع العالم الخارجي وإعمار غزة وكلها مطالب ليست سهلة بل متعسرة مع أنه كان من الممكن أن لا تكون موجودة لولا التواطؤ العربي مع الاحتلال وعلى وجه الخصوص النظام في مصر وأيضاً الغطاء الفلسطيني الذي تقدمه سلطة رام الله.
المطالبات الدولية والعربية بفك الحصار وفتح المعابر كثيرة وكذلك صناديق اعمار غزة والأموال المرصودة فيها, لكن غالبية هذه الدعوات والصناديق مشروطة بتحقيق نتائج العدوان بصراحة أو بمواربة, لأنها تستهدف إلغاء الطرف السياسي الشرعي وقائد النصر في غزة وبدلاً عنه استحضار أدوات المشروع الصهيوني عبر الحصار والمعابر وبرامج الاعمار بعد أن فشلوا في إحضارهم على ظهور الدبابات الصهيونية , وهذا ما يقولونه في وسائل الإعلام صبح مساء من (أوباما) مروراً بممثلي الاتحاد الأوروبي والكيان الصهيوني وصولاً الى الغيورين على وحدة الشعب الفلسطيني من أنظمة الاعتدال العربي , وبدون أن ننسى ممثل الرباعية الدولية الذي يريد فرض الاعتراف (بإسرائيل) سلفا على كل الأطراف الفلسطينية, لكي لا ننسى أن جذر مصائب الشعب الفلسطيني إنجليزي.
فك الحصار الموعود عن غزة تحول اليوم الى تشديد الحصار على غزة فقد أضيف إليه حصار دولي من حلف الناتو تحت عنوان منع تهريب السلاح الى غزة وبدأت الدول الأوروبية إرسال قطع من بحريتها الى قبالة سواحل غزة وسيناء بعد اللقاء ألتشاوري الذي دعا إليه الرئيس المصري حسني مبارك عدد من قادة دول الناتو في شرم الشيخ قبل قمة الكويت وبعد قمة الدوحة, واليوم فإن تشديد الحصار مضمون بمعاهدة (ليفني رايس) حول الأنفاق والتهريب كذلك باتفاقية مصرية أمريكية إسرائيلية فضحها المبعوث الصهيوني الى مصر جلعاد شاليط , والمطلوب اليوم هو ابتزاز حماس وقطاع غزة بهذا الحصار المشدد وبهذه الجلبة الدولية.
إغلاق المعابر هو عقاب جماعي ومنع لحرية الأفراد في الحركة والتنقل وهو مخالف للقانون الدولي وعدم فتح المعابر هو في حقيقته ابتزاز سياسي وعلى الرغم من أهمية فتح جميع المعابر فان فتح معبر رفح يحرم العدو من استخدامها لابتزاز الفلسطينيين بوجود البديل, والواضح من سلوك القيادة المصرية في موضوع معبر رفح أنها تريد أن تجعل منه مفتاح تصفية حساب ومكسر لإرادة المقاومة وحماس وأهل غزة, وأن ليس لديها الرغبة في فتح المعبر بدون ثمن يستحضر رجالات دايتون مرة أخرى الى المعبر كي يبقوا مسمار جحا المصري, خاصة بعد انفضاح أمر تواطؤ النظام مع العدو في الهجوم على غزة وضعف القدرة الشعبية في مصر على الضغط عليه.
الإعمار معركة أكثر تعقيداً من جميع النقاط السابقة وتتجمع فيه كل عناصر معركة تحقيق البرنامج المعادي ولذلك لن يسمح التحالف المعادي لبرنامج الإعمار أن يمر إلاّ إذا ضمنوا استجلاب أدواتهم ونجاح خطتهم, وهذا التحدي يفرض على قوى المقاومة مواجهته ومنعه من النجاح بدون أن تتأثر عملية الإعمار والتعويضات لأهالي غزة وهذه معادلة معقدة لكنها غير مستحيلة ويمكن تحقيقها مع شيء من الوعي والمرونة, ويجب أن تكون الدروس المستخلصة من صمود ونصر غزة هي الدليل والمرشد في العمل حتى يتم تحقيق ذلك وأن يتم تغليب المصالح الوطنية العامة على المصالح الفئوية الخاصة وأن ترتقي قيادة المقاومة في غزة الى المقام الذي أصعدتها إليه معركة غزة.
حماس بعد النصر في غزة والدور الذي لعبته في المقاومة انتقلت من موقع التنظيم الكبير الى موقع التنظيم القائد وعليها أن تتحمل مسؤولية هذا الوضع بكل التزاماته, كما أنها انتقلت بفعل التأييد والجماهيرية التي حصّلتها خارج الدائرة الفلسطينية والإسلامية ووصولها الى الدائرة العالمية والإنسانية وعليها أن تفي بشروط هذا الوضع الجديد الذي نقلها من حامل لراية المقاومة الإسلامية في فلسطين الى حامل لراية الثورة العالمية ضد الاحتلال والظلم والاضطهاد ومن أجل الحرية, والأيام القادمة ستظهر بوضوح وعلى ضوء دروس الانتصار في معركة غزة قدرة حماس على الانطلاق الى الأمام في صنع شراكة حقيقية مع كل الشركاء في صنع الانتصار بغض النظر عن أحجامهم وأدوارهم للدفاع عن غزة وحماية المقاومة وتوحيد الجهود لفك الحصار وفتح المعابر وإنجاح مهمة الإعمار بصفوف متراصة والحيلولة دون عودة رموز الفساد .
المطلوب وحدة وطنية وقيادة وطنية على مستوى غزة إذا كان متعذراً قيام ذلك على المستوى الوطني وهو كذلك في الوقت الحاضر, وعلى من يتصدى لهذه المهمة أن يُؤثر على نفسه ولا يستأثر, يُوحد ولا يُفرق, يحرص على المختلفين معه حرصه على المتفقين , السلاح يُستخدم ضد العدو الأساسي فقط , بذلك يمكن لغزة أن تثق وتطمئن بأن النصر آتٍ آتِ.