في ذكرى رحيله.. جورج حبش يناشدنا الوحدة
بقلم : زياد ابوشاويش
يوافق اليوم الإثنين 26 كانون ثاني يناير الذكرى الأولى لرحيل القائد الوطني الكبير وابن فلسطين البار الدكتور جورج حبش مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة القوميين العرب.
الرجل الذي قدم النموذج الفريد لطليعية القائد إقداماً وشجاعة وفكراً متقداً بقناعة الوحدة لأمته العربية والعمل من أجل كرامتها وعزتها وحريتها الناجزة كما تحرير فلسطين كاملة دون مساومة على الحقوق ومقدماً مصلحة شعبه وقضيته الوطنية على أي شأن شخصي أو تجاه جبهته الشعبية التي قدمت الكثير من تجارب الكفاح البطولية في طول الوطن وعرضه وكانت طليعة اليسار الفلسطيني قولاً ومسلكاً تحت قيادته الفذة. لقد تمتع الحكيم جورج حبش باحترام وثقة رفاقه ومحبتهم بالقدوة الحسنة التي مثلها لهم سلوكاً وكرم أخلاق قل نظيرها في أي قائد سبقه أو لحقه. الرجل الذي كان ينحاز كلما اشتدت الخطوب على شعبه إلى الوحدة الوطنية معلياً إياها عن أي خلاف مهما كانت أسبابه ما أحوجنا اليوم له فيما نحن نعالج آثار العدوان الهمجي على غزة الجريحة حيث تتعرقل جهود البناء والتعمير لإعادة ما هدمه العدوان الغاشم بسبب انقسام الصف الفلسطيني والتباعد في الرؤى السياسية بين فصائل العمل الوطني الفلسطيني وخاصة فتح وحماس.
إن قلوبنا التي تهفو كلما سمعت إسم الدكتور جورج حبش تتمنى لو اتعظ قادتنا اليوم بما كان الحكيم يقدمه في ظروف شبيهة للعلاج والخروج بالحل الذي يرضي جماهير شعبنا الفلسطيني حين يكون نزيف الدم كبيراً كما يحدث اليوم في قطاع غزة وما يتم تحضيره من حصار وعدوان لا زال يتربص به، وفي هذا المجال فإن المطلوب كظم الغيظ والعض على الجروح لتقديم ما يريده الناس، ولو كان جورج حبش حياً وسمع ذلك الرجل الذي هدم بيته بالكامل يرد على مراسل قناة الجزيرة بالقول ” يصطلحوا وبدناش بيوت ” لبكى كما هي عادته حين يتعلق الأمر بهموم الناس وآلامها، فما بالكم والجرح هو في قلب كل مواطن فلسطيني سواء في غزة أو في أي مكان آخر يرى فرقة الناس وتشتت جمع جماهيره بين هذا الفصيل وذاك هذه الجماهير التواقة لرأب الصدع من أجل مقاومة عدو يتربص بنا جميعاً بعد أن أمعن في لحمنا الحي تقطيعاً وقتلاً وحرقاً بكل أنواع الأسلحة.
الحكيم يمضي في سباته الجسدي لكن روحه الطاهرة تحوم حولنا وتناشدنا ليس فقط شد الهمم والصبر على المكاره بل والنضال بلا هوادة ضد كل الداعين للفتنة من أقلام مأجورة أو حتى من يشعل النار بحسن نية، ذلك أن جورج حبش كان يؤمن إيماناً قاطعاً بأن سلاح الوحدة الوطنية هو الحاسم في نجاح مشروعنا الوطني وبدونه لا مجال لتحقيق أي هدف مهما حسنت النوايا أو صدقت مقاصدنا وإخلاصنا لقضيتنا، ومن هنا وجدناه يقدم في تجربة الوحدة نماذج كبيرة لتفكير رجل يتمتع بأفق واسع من الفهم الدقيق لمرحلة التحرر الوطني والقانون الذي يحكمها في موضوع الصراع الداخلي بين فصائل العمل الوطني المختلفة، كما كان يقدم الحلول المناسبة لمعضلات التجاذب الخطيرة حين تعصف بنا ضغوط ومؤامرات القوى الخارجية وإغراءات الانفلات من ربقة القرارات الجماعية كما كانت تصيغها أطرنا الوطنية كاللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أو مجالسنا الوطنية.
لقد مثل الدكتور جورج حبش كداعية للوحدة الوطنية على أسس برنامجية تلحظ ميزان القوى وإمكانياتنا وتحدد سمات المرحلة وأهدافها التكتيكية، مثل القائد الذي يركن لحكمته ويقظة ضميره وبديهته تجاه مصالح شعبه الفلسطيني وأمته العربية، ويشهد له القريب والبعيد بصفات النزاهة والإيثار في كل ما يتعلق بالمصلحة العامة وما ينفع الناس في كل مكان من الوطن العربي الذي آمن حتى النفس الأخير من عمره بحقه ليس في الحرية فقط بل وفي الوحدة.
نفتقده اليوم وقد ترك لنا ما نعتز به وما نبني عليه لمستقبل قضيتنا وشعبنا لو أخلصنا النوايا وكنا نقتدي به وأخلصنا للقيم التي مثلها كما عاهدناه يوم الفراق الأليم الذي ما زال يسكن أفئدتنا وعقولنا حزناً وتأسياً.
أيها القائد والرفيق والأب والحكيم كم نحن اليوم في حاجة لسعة صدرك وحلمك وحكمتك
لعلاج الحال الصعب الذي يعيشه شعب المحرومين الذي ما خذلته في أي يوم، كم نحن في حاجة لحبك الكبير لوطنك ولكل من حمل بندقية أو قلم دفاعاً عن قضيتنا العادلة. كم نحن في حاجة لصراحتك ووضوحك في تحديد معالم الطريق، وبوصلتك الدائمة حبك الكبير لشعبك وحرصك على مصلحته لتحديد طريق الخلاص وتحرير الوطن المغتصب، وكم كنت تتكلم بقوة وبمنتهى العنفوان وأنت تتناول قناعتك الراسخة بحتمية زوال الكيان الصهيوني.
جورج حبش يا ابن فلسطين ورمزها الكبير نستمطر اليوم على روحك الرحمات ونعلن كما في كل يوم مر على غيابك الحزين محبتنا لك ولكل ما مثلت في حياتك وإخلاصنا للقيم التي جهدت لترسيخها من أجل غد أفضل للأمة العربية ومن أجل تحرير فلسطين.
زياد ابوشاويش