د. محمد احمد النابلسي
رئيس المركز العربي للدراسات المستقبلية
يعدنا الرئيس الاميركي المنتخب أوباما بجملة خطوات اعتذارية غير قابلة للصرف حتى في المصارف الاميركية المفلسة. بدون الاضطرار لتقديم أية تعويضات او محاكمة المسؤولين عن إرهاب فعلي وجرائم حرب حقيقية. فهو يعدنا بتغييرات من نوع حسن النية منها اغلاق معتقل غوانتانامو ومعتقلات التعذيب الاميركية . كما يعدنا بالإقلاع عن سياسة أفضلية الخيارات العسكرية ومعها حسن نوايا الحوار. حيث سيدخل أوباما في حوارات غير مؤكدة وغير محددة مع ايران وسوريا ودول أخرى.
مجمل هذه التغييرات معدة لإعلان احتفالي ودعائي يهدف لتحسين صورة اميركا في العالم ولتشجيع إعادة التجمع حول الرئيس الجديد بصفته عقلاً مغايراً لعقل بوش.
ولكن ماذا عن استراتيجية اوباما في مواجهة التحديات؟. والإستحقاقات أمامه كثيرة ومتفجرة. فهل يقف أوباما عند حدود التخلي عن استراتيجية الفوضى البناءة الفاشلة في دول القوقاز وفي اوروبا الشرقية حيث عادت الاحزاب الشيوعية للحكم وفي الدول العربية حيث خلفت دولاً فاشلة في العراق ولبنان وفلسطين. وهو ما يعني العودة الى الفوضى التقليدية والتهديد بها كبديل للتهديد بالتدخل العسكري الاميركي. حيث يمكن اعتبار حرب اسرائيل على غزة نموذجاً لفوضى أوباما الجديدة. فهنالك انقسام فلسطيني يصل الى حدود الحرب الأهلية. في تكرار للمشهد اللبناني لجهة تحالف فريق لبناني مع اسرائيل والاستعانة بها لتحقيق اجتياح لبنان العام 1982 جاءت محاولة اجتياح غزة محاولة لإختبار تكرار تجربة الاجتياح اللبنانية. وهذه الفوضى التقليدية يمكنها تهديد الداخل في قائمة طويلة من الدول العربية وغير العربية بدون أي تدخل عسكري اميركي. بل انها تحول هذا التدخل الى تدخل انساني تطلبه الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية على غرار تدخل المارينز في لبنان العام 1981 فهل هذا فعلاً ما يمكن توقعه من بشرى الرئيس الاسود الاول في اميركا المطروح كصحوة ضمير اميركية؟.
ولنستعرض معاً بعض التقارير الموضوعة على طاولة أوباما وأولها تقرير يتوقع تغيير ملك سعودي مرة كل عام. حيث يضم التقارير ملفات صحية لولاة العهد السعودي. وهي تشير الى ان وصولهم بالتراتبية المعهودة ستتيح لكل منهم ان يحكم لأقل من سنة واحدة. ومعلوم ان صحة ولي العهد الحالي متدهورة بما لا يضمن بقاءه حياً لتسلم الحكم. وهو يعني ان الدولة المتصدرة وصاحبة الميل للهيمنة على القرار العربي هي دولة غير مستقرة وغير قادرة على مواجهة الاستحقاقات الصعبة للمرحلة. وذلك على حساب الدول العربية الأخرى وبعضها يملك مقومات تجنيب المنطقة لحالة عدم الاستقرار واخراجها من حروبها الكلامية والثأرية والإستعراضية المميتة.
اما التقرير الثاني على مائدة الرئيس فهو يتعلق بفعالية القيادات العربية الصديقة لاميركا سواء منها الحليفة تقليدياً أو المصنعة وفق وصفة لحوم الهمبرغر التي تحتوي على غير اللحم. ويشير التقرير لانعدام فعالية قائمة من هذه القيادات لغاية تفضيل عدم الاستمرار في دعمها ولا نقول التخلص منها احتراماً منا لبراءة وعود أوباما الرسولية برأي بعضهم.
وبالانتقال الى الوقائع الميدانية نجد ان ادارة بوش فخخت كل ملفات السياسة الخارجية قبل رحيلها من غزة حتى جورجيا مروراً بالبلقان. ولنا ان نستشف من غياب اوباما عن السمع وصمته على جرائم الحرب في غزة ومن ثم تغاضيه عن الاتفاقية الامنية بين رايس وليفني ان اوباما لا يمانع اللجوء الى الحلول المفروضة بالقوة على العرب والدول العربية. خاصة في ظل ضعف هذه الدول وعدم استقرار معظمها. وهو ما أكدته الحرب على غزة التي بينت ان نسبة 80% من المواطنين العرب يعيشون في ظل حكومات لا تعبر عنهم وعن عواطفهم وضمائرهم وعقلهم الجمعي الذي أدمته غـزة. وان كانت حكومة لبنان قد إلتفت على ذلك مستندة لتجربة حرب تموز حمالة الأوجه ما بين الشاي والإستدانة على المعونات. وهي خبرة نعتقد ان الرئيس الفلسطيني المنتهية ولايته يحتاجها. وربما احتاج لزيارة قريبة الى لبنان لتلقي الدروس في التعامل مع مرحلة مابعد الدمار والدماء.
نهاية فان بوش كان يهددنا بتغيير خارطة الوطن العربي وتقسيم دوله بدءاً من السعودية نفسها لمن يذكر تهديداته. أما أوباما فهو يعدنا بترك دولنا لحالة عدم الاستقرار المتأصل في بعضها كما يترك لنا حرية التعامل مع فوضى وحشية وغير بناءة كتلك التي قادها بوش عبر مصنعه الخاص بقيادات تليق بغباء سياساته. وإنشغال أوباما بالاقتصاد والعلاقات مع روسيا والصين قد يجعله يمدد لنا فوضى هذه القيادات لفترة قادمة. وبذلك يضعنا المنقذ أوباما امام الفوضى غير المنظمة تحت حكم أغبياء بوش. فإستعدوا لمعركة النزاع على سرقة أموال اعادة اعمار غزة… للمزيد راجع الهيئة اللبنانية العليا للإغاثة…