د. فايز أبو شمالة
عندما ترسل فرنسا العظمى “فرقاطة” تحمل طائرات مروحية إلى منطقة الشرق الأوسط لمراقبة سواحل قطاع غزة، بهدف منع تهريب الأسلحة، وبالتعاون مع كل من مصر وإسرائيل، أدرك أن قطاع غزة قد صار دولة عظمى، ولاسيما عندما يدعو البيان الصادر عن مكتب الرئيس الفرنسي” ساركوزي” إلى التعاون الوثيق بين الإدارة الأمريكية، والشركاء الأوروبيين، لإجراءات تكميلية للتصدي لتهريب الأسلحة إلى غزة براً، وبحراً.
ما أعرفه، هو أن قطاع غزة مزدحم بالسكان اللاجئين، تكاد لا تجد فيه مكاناً خالياً من البشر، وهو بلا إمكانيات اقتصادية، وبلا موارد طبيعيه، وسكانه بلا عمل، مئات الألوف ينتظرون فرصة عمل ولو في الأنفاق، ويعج بعشرات آلاف الخريجين الجامعين المنتظرين فرصة عمل بطالة، وتحاصره أقوى قوة في الشرق، وتسد عنه منافذ الحياة حتى صار أهل غزة يتندرون، قائلين: أن الأسماك إذا تلاقت في عرض البحر تحذر بعضها من شواطئ غزة، فإن نجت وأفلتت من شباك الصياد فلن تنجو من الرصاص الإسرائيلي. ومع ذلك، تجيء الدولة الغربية بما امتلكت من تكنولوجيا، وأسلحة، ونووي، وخبرات عسكرية، مع أمريكا العظمى لمساعدة إسرائيل في حصار غزة. حقاً لقد أضحت غزة دولة عظمى تجيش عليها سفن الدول العظمى، وتحاصرها.
لقد أدرك الشهيد “ياسر عرفات” هذه الحقيقة بخبرته السياسية، وعرف أن فلسطين لب الكون المنقسم على مصالحة، فقدر قيمة نفسه من خلال قيمة القضية التي يمثلها، وكما روى الدكتور “نبيل شعث” وكان قد شارك في لقاء باريس الذي عقد بعد فشل كامب ديفيد الثاني، قال: سعت الإدارة الأمريكية إلى تقديم مقترحات سلام جديدة باسم الرئيس “كلنتتون” رفضها “أبو عمار” في حينه، ولكن وزيرة الخارجية الأمريكية لحقت فيه إلى فرنسا لمناقشة المقترحات، وعندما سجل عليها بعض التعديلات الجوهرية، رفضتها وزيرة الخارجية، فغضب “أبو عمار” وغادر قاعة الاجتماع، فما كان من “مادلين أولبرايت” إلا أن لحقت فيه داخل ردهات القصر الفرنسي، ولكنه لم يلتفت لها، وركب سيارته، فلحقت فيه، وصعدت إلى جواره، فما كان من الرئيس الفلسطيني إلا أن تركها في سيارته، ونزل من الباب الثاني، ولكنها لم تتركه، ونجحت في أعادته إلى الاجتماع.
لقد أدرك “أبو عمار” أنه لا يمثل شخص “أبو عمار” وإنما يمثل شعباً، وقضية لها مركزيتها، وحضورها السياسي، والمعنوي في عقل، ووجدان الشرق، والعالم كله.
لقد أصبحت غزة بالمقاومة لب القضية الفلسطينية، وأضحت بصمودها نبض العالم العربي، وأمست بنصرها وهج الشرق الملتهب، إنها دولة غزة العظمى المحاصرة، والحاضرة في كل لقاء دولي رغم أنف الجميع، ورغم غيابها، وعدم الاعتراف بشرعيتها.