المقاومة الفلسطينية بين التكتيك والاستراتيجية
منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية في عام 1965 عجزت تلك الثورة من تحديد المراحل التكتيكية للوصول للغاية أو الهدف الاستراتيجي وتاهت الثورة الفلسطينية بين التجاذبات العربية والدولية وبين ما طرح دولياً وما طرح اقليمياً لحل النزاع والصراع العربي الصهيوني وأخرها خارطة الطريق والمبادرة العربية والتي كانت مقدماتها أن أعلنت حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح عن طريق زعيمها وقائدها أبو عمار في عام 1986 وفي القاهرة عن نبذ العنف .
مازالت الفصائل الفلسطينية المقاتلة والتي تتبنى قضية تحرير الوطن الفلسطيني من النهر إلى النهر ومن البحر إلى البحر مازالت عاجزة عن وضع مراحل تكتيكية واضحة ومدروسة للوصول إلى المواجهة الاستراتيجية مع العدو الصهيوني وللوصول للغاية نفسها في التحرير والعودة .
حركة فتح التي حسمت أمرها وتنازلت عن الكفاح المسلح في عملية رفض واضح من القيادة الحالية لمبدأ الكفاح المسلح والثورة والخضوع للمؤثر الاقليمي والدولي ودخولها مع العدو الصهيوني في اتفاقيات وتفاهمات أدت إلى انهيار أو شبه انهيار كامل لحركة التحرر الوطني الفلسطيني التي تقودها العلمانية الفلسطينية ولذلك لم يأتي ذلك بمحض الصدفة او العشوائية بل كان نتيجة تجاوز قيادة حركة فتح مضمون المرحلية ومعاناها لحركات التحرر الوطني .
وكنتيجة طبيعية وبردة فعل مدروسة أساسها الشعب الفلسطيني والمثقفين والملتزمين دينياً في الشعب الفلسطيني حاولوا وبكل قوة وجدية أن يملئوا الفراغ الذي تركته حركة فتح لعلّ البرنامج الأمريكي يمكن أن يجد النور بحل دولتين طرحهما الرئيس بوش لحفظ أمن إسرائيل أولاً والتنازل عن القدس وحق العودة لللاجئين ، منذ مؤتمر مدريد إلى جنيف إلى أوسلو إلى شرم الشيخ إلى انابوليس ، كلها مؤتمرات كان المقصود بها هو استغلال الفجوة المفتعلة التي افتعلتها حركة فتح في الاطر الثورية الفلسطينية للوصول إلى الغاية وهو الحل الأمني للقضية الفلسطينية لحساب الصهيونية العالمية على ارض فلسطين .
أردت من هذه المقدمة أن أضع تصوراً للانهيار الذي له أكثر من عامل في الحركة الوطنية الفلسطينية بقيادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح ، ولذلك كانت المهام صعبة وشاقة على كل القوى من حماس إلى الجهاد إلى كتائب الاقصى المطاردة من الآباء غير الشرعيين لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح لكي يبلوروا برنامجاً مرحلياً وتكتيكياً ليأتي بالمحصل النهائي إلى المواجهة الاستراتيجية مع العدو الصهيوني .
بعد انهيار منظومة أوسلو في قطاع غزة ظهرت على واجهة الصراع مصطلحات سياسية وأمنية جديدة مثل التهدئة والإئتلاف الوطني تارة وتارة أخرى حكومة وحدة وطنية تحمل برنامجين مختلفين ، كل ذلك كان يصب في عملية خلق دوامات متسارعة وغير منظمة تحول دون انضاج برنامج تكتيكي ومرحلي يفرض على العدو مواجهة استراتيجية لصالح المقاومة .
من هذا التصور والعثرات القائمة ومقدماتها من حوارات في القاهرة بدأت من 2002 إلى مبادرات متعددة من الرياض إلى صنعاء إلى القاهرة والآن وصلت الأمور لتركيا وال
رباعية الدولية ، كلها عثرات المقصود منها هو عدم وصول الحالة النضالية والجهادية الفلسطينية إلى برنامج واضح وثابت للوصول للمواجهة الاستراتيجية بل جميع المبادرات والاطروحات وما يطرح الآن من هدنة طويلة الأمد من 10 إلى 15 سنة كلها تؤدي إلى وضع البرامج الفلسطينية التي تقودها فصائل المقاومة تحت رمال متحركة ، ليست من صنع المقاومة ولكن من صنع جبهة الاعداء للثورة الفلسطينية وللمقاومة والشعب الفلسطيني .
قضية الاعمار في غزة وبنموذج أعمق من قضية الاعمار للجنوب اللبناني الذي دمره العدو الصهيوني في مواجهة 2006 مع قوى المقاومة وفرضيات واشتراطات قرار 1701 ووجود قوات دولية في الجنوب اللبناني ودخول القوى الدولية في عملية الحوار اللبناني اللبناني للوصول إلى قضية الاعمـــار وفرض حالة توافقية في الجبهة الداخلية اللبنانية وجهها الأساسي حالة الاستقرار التي يستفيد منها العدو الصهيوني وتحييد قوى المقاومة في الساحة اللبنانية ، نفس النموذج على الساحة الفلسطينية في غزة مع اختلاف جوهري جغرافي وسياسي وأمني ، فأثيرت قضية الاعمار والمعابر وقضية التوافق الوطني او الوحدة الوطنية الفلسطينية للوصول إلى تفعيل قضية الاعمار وكأن الرباعية والمجتمع الدولي والدول الاقليمية المؤثرة تريد ان تخلق حالة من التراجع من المقاومة لصالح حاملي البرنامج التسووي في الساحة الفلسطينية ( فركة ذان) بعد تكسير الضلوع واباحة دماء طاهرة .
إذا قضية غزة أصبحت بوابة للتجاذب لقوى اقليمية ودولية على قاعدة انهاء المقاومة والتصوير أن هناك ما يقال في اتفاقية سايكس بيكو السابقة لصالح متغيرات يقودها أوباما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ولذلك أصبح النموذج هو التخلي عن المرحلية وظهور مرحليات جديدة ليس العدو الصهيوني طرف فيها بل دول أخرى اقليمية يتم محاربة قوى المقاومة على أساس وحدة التوجه والتطلع للنفوذ الاقليمي في المنطقة عن طريق تلك الفصائل وهذا ليس صحيحاً فجميع فصائل المقاومة بعدما تلقت الجفاء من النظام الرسمي العربي كان لابد أن تبحث عن من يدعمها ويمدها بالمساعدات سواء كانت مادية أو أمنية او اقتصادية وهذه نتيجة طبيعية ولا تعني التبعية .
بعدما حدث في غزة من استخدام العدو الصهيوني لأعلى التقنيات التدميرية من استخدام للقنابل الفسفورية والفراغية واليرانيوم المنضب في مواجهة شعب محدود القدرات ولكن يتمتع بإرادة عالية يمكن أن يجعل منها أهم ادوات النصر على كل التقدم التكنولوجي ولكن الحقيقة أيضاً أن غزة تعرضت لأبشع هجوم عدواني قادته آلة الحرب العدوانية الصهيونية ضد الاطفال والنساء والبنية التحتية المدنية ، في حين أن المقاومة لم تتخلى عن المواجهة وبنفس المنطق والصلابة ولا أعتقد أن أي مواجهة قادمة بين المقاومة الفلسطينية والعدو الصهيوني ستكون أقل من سابقتها فلا يمكن أن يبقى الطرف الفلسطيني قابلاَ ما توصل اليه من أسلحة مواجهة محدودة مثل صواريخ القسام وأنواعها المختلفة بالاضافة إلى ان المنطق الاقليمي والدولي سيجعل من قضية الاعمار قضية ضغط معنوي ومادي على المقاومة وسلاحها وبرامجها ولذلك قضية التهدئة المطروحة هو التي يحبذ فيها العدو الصهيوني ان تكون هدنة دائمة أو هدنة طويلة الامد، عند هذا يجب أن تتوقف قوى المقاومة لتدرس الموضوع جيداً على قاعدة أي مواجهة قادمة ستكون أكثر فتكاً وتدميراً من سابقتها .
ولذلك لابد من قوى المقاومة وطاقاتها العلمية أن تضع برنامجاً تكتيكيا ً للوصول إلى مواجهة استراتيجية مع العدو الصهيوني ستفرض ان عاجلاً أم آجلاً ، صواريخ القسام والأنواع الأخرى يمكن أن تكون قد أتت بثمار لايمكن فيها صياغة مرحلية ناضجة في الصراع مع العدو الصهيوني وهذا ليس عيباً من قوى الابتكار والصمود الفلسطيني بل هو نتيجة فرضيات وازمات فلسطينية صنعتها قيادات أوسلو أولاً ومحيط النظام العربي ، صحيح أن صوارخي القسام وصلت إلى سديروت وعسقلان وإلى مدى 35 كيلو ، ولكن اذا ما قسنا القوة التدميرية والتوجيهية لتلك الصواريخ فإنها لم تحقق الهداف التكتيكي من اطلاقها وهي فرض حالة من الانهيار والدمار للوصول إلى حالة اذعان سياسي وأمني من قبل العدو الصهيوني لأهداف المقاومة والشعب الفلسطيني .
ومادامت إسرائيل قد استخدمت كل ما هو محظور دوليا ضد المدنيي في غزة أمام ما يسمى المجتمع الدولي ومادامت إسرائيل دولة نووية خارجة عن القانون وتحاول دول المجموعة الدولية القائدة في العالم أن تخلق عدة مبررات لممارسات إسرائيل النازية ، وجعل الاستراتيجية الصهيونية في المنطقة هي المقبولة تكتيكياً لفرضها على الفلسطينيين ، إذا ً لا خيار أمام قوى المقاومة والمجموعات العلمية والتقنية في الشعب الفلسطيني إلا أن يضعوا على خارطة الصراع أدوات جديدة واستخدامات جديدة لعناصر القوة في الشعب الفلسطيني ، فمثلما أبدعوا في صناعة صواريخ القسام والصواريخ الأخرى عليهم الآن ومن الآن أن يعرفوا الطريق إلى بلورة سلاح بيولوجي وجرثومي للوصول إلى أداة ردع موازية لقوة الردع والفتك الصهيونية التي يعجز المجتمع الدولي والدول الاقليمية عن مواجهتها ، فليس صحيحاً أن يبقى الدم الفلسطيني مباحاً للصهيونية ، وليس صحيحاً أن يبقى أطفال فلسطين عرضة للقنابل الفسفورية والعنقودية والفراغية وعلى أساس عن الصراع لم ينتهي ، يجب أن يشعر الاسرائيليين بجريمتهم في عيون أطفالهم ونسائهم وشيوخهم أيضا ً ، عند ذلك نستطيع القول اننا ممكن أن نخوض معركة استراتيجية مع العدو الصهيوني على طريق انهاء هذا الكيان العنصري الهمجي النازي .
بقلم/ سميح خلف