إبراهيم قرصاص
إسرائيل، هذه الدولة التي نشأت على احتلال أرض العرب، لم تصبح قوة كبرى عبثا، كما لم تفرض منطقها الصهيوني المتعالي في العالم بالنّوم والتكاسل والسرقات والرّشاوى وكثرة القيل والقال والخطب، كما أنّها تميّزت بسياسة داخلية قائمة على الصراحة والمواجهة والصدق والنقد فيما بين أفرادها ومؤسساتها، بما يصب ّ جميعها في مصلحة دولتهم الإسرائيلية التي يرونها حقّا مشروعا لوجودهم بين بقيّة بني البشر، وهم – اليهود / الإسرائيليون و ( أو ) الصهيونيون – ولنسمّيهم ما نسمّيهم، فهذا لا يهم في ما سأتطرق إليه تو ضيحا لركائز هيمنة إسرائيل، ليس فقط على العرب وإنما على كل ّ الدوائر الأخرى في العالم وتأثيرها في صناعة القرار بما يضمن لها الهيبة والمكانة ( ولا يهم طبيعتها، على الأقل في نظرهم ) والسؤال المطروح، لماذا ؟
هذا هو السّؤال الذي لابد من البحث الجيّد في الإجابة عنه، لذلك فإنّنا لو أحكمنا قليلا منطق مواجهة الحقيقة بالهدوء المطلوب في كل حوار عقلاني هادئ، دون الوقوع في فخ ّ اتهامي بالانحياز أو مختلف الاتهامات التي قد يطلقها قراء هذه المقالة – كما تعوّدنا في نقاشتنا وحوارتنا نحن العرب أو المنتسبين إلى العرب أو غيرهما من ذوي العاهات المستديمة من المحسوبين على المثقفين العرب، أن نوجّهه إلى بعضنا البعض أمام مرأى العالمين، فنحسبه من قبيل حرية التعبير والاختلاف في الرأي -، قلت لو نظرنا إلى أسرار هيمنة إسرائيل على العالم بدوله الكبيرة ودوله الصغيرة، لزال عنّا العجب.
أعتقد أن دولة إسرائيل التي احتلّت أرض العرب، انفردت بنظام حكم سياسي داخلي، يخص ّ بنيتها الداخلية، لم يرق إليه العرب منذ قرون بعيدة، فهم ( أي اليهود ) عرفوا أن مكامن قوّة وجودهم تكمن في التّحرّر أولا من رواسب الاقتتال فيما بينهم، لذلك جعلوا قداسة الدولة اليهودية فوق كل ّ قداسة وجعلوا مرجعهم الوحيد هو العلم، في السياسة والاقتصاد والأمن والغذاء واعتبروا أن ّ أيّ نزاع بينهم يمكن حدوثه لا يستمدّ شرعيته من كيان إسرائيل وقوّتها، هو نزاع لا يمكن أن يظهر في ساحة حياتهم إلا ّ وهو ميّت ومدفون في سرّهم الدّفين.
قراءة أخرى غير هذه لسرّ قوة هذا الكيان الصهيوني، هي ضرب من مسكّنات الأوجاع، التي كثيرا ما يستلذّ بها كل ّ عربي تائه، صحيح أن ّ إسرائيل كدولة لمجموعة بشرية يهودية لا تعترف بغير منطقها في الوجود والهيمنة الظاهرة والخفيّة وبكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، لأنها تدير وجودها بقسوة العلم الموضوعي وتفرّق بين العاطفة مع أبنائها ومصالحهم وبين كل ّ ماهو خارج عن كيانها وفلسفة وجودها، سواء أكان من العرب أو من غيرهم، لذلك فهي قد أعدّت العدّة والعتاد منذ سنين طويلة، حتى أصبحت الدولة الوحيدة في العالم التي تفهم منطق الديموقراطية، كونها هي التي أنتجته وتعمل على فرضه بمنطق ( الديكتاتورية العلمية)، كما تحب ّ هي وكما تريد ومتى شاءت أن تفعل.
هذه القوّة المتعجرفة لدولة إسرائيل، أنتجها فكر الفرد القادر على التأسيس لفكر (القومية اليهودية ) ولم ينتجها فكر العشيرة كما هو عند الفرد العربي – بأنواعه المستعرب والعارب – الذي لا يقدر على التأسيس لفكر( القومية الإسلامية )، بما أنّه لم يتأهّل لفكر الفرد؛ في إسرائيل يستطيع الفرد اليهودي أن يحتج ّ أمام القانون المدني والعسكري على رئيس دولته، لأن ّ مفهوم الفردانية هو ذاته مفهوم المؤسسة الوطنية لدولة إسرائيل، بينما الفرد العربي في أيّة دولة عربية لا يستطيع أن يحتج ّ أمام القانون المدني أو العسكري على رئيس دولته، لأن ّ الفرد العربي يحمل في رأسه فكر العشيرة، ولأن ّ مفهوم العشيرة هو ذاته مفهوم مؤسسة القبيلة في كل ّ دولة عربية، هذا هو الفرق، وإذا أردنا البحث عن حل ّ لمعضلتنا العربية، فهو واضح – لا يغيّر الله ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم -.