الشهداء أطفال عيسى البطرانغزة- معا- بعد ذاك اليوم لن يعود عيسى البطران ذو الاربعين عاما الى منزله او ما تبقى منه، سيحمل ذكرياته بين أضلعه ويهيم على وجهه كما يفعل منذ أن قتل الاحتلال زوجته وأطفاله وهدم عشه.
منذ اليوم عيسى لا يعرف له عنوان وتشتاق إليه أمه المسنة كما يشتاق له طفله الصغير عبد الهادي الذي أنقذه الله من قصف صاروخي جاء على غرفة مجاورة قضى فيها أشقاؤه ووالدته منال.
منال “أم بلال” استشهدت مع أطفالها الخمسة في قصف طالهم جميعا بغرفة مجاورة لغرفة كان يؤدي فيها الزوج الصلاة، حينها كان عبد الهادي (عام واحد) يحبو من امام عيني امه الى سجادة الصلاة بالغرفة المجاورة ليقف على ساقيه الصغيرتين بالقرب من والده.
صاروخ واحد للتحذير سقط بالمنزل المجاور، هرع قاطنوه الى خارج البيت ولأن عيسى كان يصلي مغرب ذاك اليوم السادس عشر من يناير الجاري قبل يوم واحد من وقف اطلاق النار لم يمهله الصاروخ الآخر مزيدا من الوقت لإتمام الصلاة او النزول الى سلم البيت هربا بالأطفال والزوجة فكان القصف اللاحق الذي فتت الزوجة والأبناء.
عيسى المدرس في مدارس الأونروا بمخيم البريج حيث يقطن، لم يصدق ان أطفاله الخمسة والزوجة سيكونون هدفا لطائرات الاحتلال حينما كان يصلي سمع ابنيه بلال ” 7″ أعوام وعز الدين “4” اعوام فقط يتهامسون ويوجهون أصابعهم نحو طائرات الاحتلال التي تطلق بالوناتها الحرارية في السماء، ظن أن الأمر عاديا إلا أن الطائرة ذاتها اطلقت صاروخا نحو الشرفة التي يقف عليها الولدان، الصاروخ أخطأها وسقط في المنزل المجاور، هناك هرب الجيران بأطفالهم الى الشارع ولم ينتظر الصاروخ الثاني كثيرا حتى جاء بحممه ليشعل الشرفة والأطفال ويرمي بهم الى شجرة بالشارع العام حيث وجدهم الناس.
الوالد الذي لم ينه صلاته بعد حمل طفله عبد الهادي ونزل به مسرعا إلى الأسفل وعاد ليقسم انه من سيلملم أشلاء الزوجة وبناته الثلاث إسلام 15 عاما وتوأميه إيمان وإحسان عشرة أعوام.
حمل إسلام وكانت مشطورة الى نصفين، الروح لا تزال نابضة في شرايينها أودعها في سيارة الإسعاف وقبل ان تتحرك السيارة لفظت إسلام آخر شهقة لها بالحياة، العثور على الزوجة ام بلال والفتيات كان صعبا فالأشلاء والدماء اختلطت، أما بقايا الأبناء فعرف منها انها لبلال وعز الدين بالشارع وعلى الشجرة القريبة.
الجدة حاكمة النمروطي تتذكر الكنة الرؤوم زوجة الابن البار منال شعراوي بكل حب كما تتذكر الطفلة إسلام التي قالت قبل استشهادها بساعات قليلة :” اشعر يا جدتي ان هذا اليوم هو اسعد أيام حياتنا أنا وإخوتي ووالدتي”.
وحين نظرت الجدة إلى وجه إسلام المبتسم والملتف بالكفن الأبيض قالت: “اليوم رأيت حفيدتي عروسا”. كانت الأم الشهيدة تنهي تعليمها الجامعي تخصص اصول دين وانهت لتوها درسا في تحفيظ القرآن بالمسجد القريب كما انها حاولت استرجاع آخر ما حفظته فتاتها اسلام من القرآن الكريم.
اليوم لم يعد عيسى البطران إلى بيته كما لم يعد الى مدرسته وكما يقول ذووه انه لم ير طفله عبد الهادي منذ وقعت المجزرة في البيت، يعلمون انه يشتاق لأطفاله وللزوجة وللطفل المتبقي ولكنهم لا يملكون حتى اللحظة الا ان يداعبوا الطفل الوحيد ويحملوه قرب القلب ويحاولوا إرضاعه حليبا غير حليب الأم.