بقلم: صالح صلاح شبانة
يحكى أن أحد الفلاحين اشترى جملا بعد أن أسهب البائع في صفاته ومميزاته ، فهو القوي الذي يحمل أضعاف ما يحمله الحمار ، وهو يأكل الشوك ، فينظف الأرض من أشواكها ، مما يوفر الأعلاف للحيوانات الأخرى ، والتي لا تأكل الأشواك ..
وأن الجمل يستطيع أن يصبر عن الماء لمدة أسبوع أو أكثر ، اضافة الى أنه اذا مرض يُذبح ويُؤكل ، وإن لبن الناقة يحمل مميزات غذائية وعلاجية أخرى ، وصفات أخرى كثيرة غير موجودة بالحمير ،وعليه فقد وقع الجمل في نفس الفلاح ، واشتراه الرجل وعاد به وهو يكاد أن يطير من الزهو والفرح .
لكن ما ذهب عن بال الفلاح هو البيئةالمختلفة بين ما يلائم الحمير والأبقار وبين ما يلائم الجمل ، وتذكر ان بوابة بيته لا تسمح للجمل بالدخول ، وعليه أن يهدم البوابة ويقوم ببنائها مرة أخرى وبشكل أعلى ، وهذه المشكلة الأولى ولعلها أهون المشاكل إذ أن المشكلة الأكبر هي أن الأرض الجبلية لا تلائم الجمل من الأصل ، فهو سفينة الصحراء حيث تراه سابحا على الرمال .
أما كيف سيتعامل معه ، والمثل الشعبي القديم قال :
( لا تشتري ثور من بدوي ولا جمل من فلاح ) ، وذلك لأن كل منه غير خبير ، فلا الفلاح خبير بالجمل ، ولا البدوي خبير بالبقر !!
والتم الناس في القرية يتفرجون على الجمل بدهشة وفرح ، وكان الفلاح جذلا بهذا الفتح فهو أهم رجل في القرية وكل الناس اليوم يتحدثون عنه وعن الجمل والجمل نجم القرية بلا منازع.
وفيما هم ينظرون إلى الجمل ، مر بهم رجل يركب فرسا ، فطاش عقله للوهلة الأولى بالجمل ، فقال لصاحبه : ألا تبادلني فتأخذ الفرس وتعطيني الجمل ؟؟
فاستكبر الرجل ولم يقبل ذلك العرض ، إذ أحس بالغبن ففوائد ومزايا الجمل أكبر بكثير من مزايا الفرس وعموم الخيل ، فتركه الرجل ومضى …..
وعندما راحت السكرة وأتت الفكرة ، واستعرض الرجل متطلبات ومزايا الحياة والأقامة للجمل ، فوجدها كثيرة ، ووجد الفائدة المرجوة أقل بكثير من التكليف ، وهذا ما يسمى بالخسارة .
وهنا أرسل الفلاح أبنه وراء الرجل وقال له : الوالد راجع نفسه ، ورضي أن يبادلك جمله بفرسك ، فرد الرجل أنه هو الأخر راجع نفسه ، ووجد ان الجمل لا يساوي الفرس ، ولكن لديه قديشا (والقديش أصلا حصان أذلوه بالعمل ، فلم يعد صالحا للفروسية ، مثل كثير من الزعماء الأحرار يشتريهم العدو ويسخرهم لمصالحه حتى يتقدّشوا ويموت فيهم النسب النبيل ) ، فإذا أراد والدك أن يستبدل الجمل بالقديش.. فليس لدي مانعا ……
ولما عاد الولد وأخبر والده رفض رفضا قاطعا ، ولكنه عندما فكر بالأمر مليا وافق وأرسل ابنه مرة أخرى ، إلى الرجل ليقول له الوالد موافق ، ولكن الرجل أخبره أنه قلّب الأمر بينه وبين نفسه فوجد أن الجمل لا يساوي القديش ، ولكن إذا أراد التبديل فلديه حمار هرم مستهلك لا يصلح حتى للنهيق !!
وعاد الولد إلى أبيه وأخبره ، ولكنه لم يقبل ، ولكن بعد أخذ وعطاء أرسل الولد إلى الرجل ليقول له أن الوالد وافق على تبديل الجمل بالحمار ، ولكن الرجل رد الولد خائبا وابلغه أن يقول لأبيه أن الرجل ليس بحاجة للجمل ، وهكذا فقد فَقَدَ الرجل الفرصة التاريخية للخلاص من الجمل الذي بات عبئا عليه .
وعندما انتشر خبر المقايضة بين الناس ، صار مضربا للسخرية ، فمنهم من يقول له : (عندي هالسخلة الجربا إذا بتبدلها بالجمل ) ، ومنهم من يقول له : ( عندي هالكلب المبرغث إذا بتبدله بالجمل ) ، ومنهم من يقول : (عندي هالبس لمربرب إذا بتبدله بها لجمل …….. ) ، وهكذا حتى اصبح مضربا للهزء والسخرية !!!!
وفي يوم من ذات الأيام حضر إلى القرية أحد الغجر ومعه قرد ومق
رعه ، وهي العصا التي يضرب بها القرد كلما أساء الأدب ، علما أن القرد لا يحسن شيئا كما يحسن قلة الأدب ، وهكذا ترك الفلاح كاره وكار اسلافه وصار قرداتيا ……!!!!
رعه ، وهي العصا التي يضرب بها القرد كلما أساء الأدب ، علما أن القرد لا يحسن شيئا كما يحسن قلة الأدب ، وهكذا ترك الفلاح كاره وكار اسلافه وصار قرداتيا ……!!!!
الفكرة لشيخ الأدب الشعبي اللبناني ( سلام الراسي) ، وقد قرأت بين سطورها أكثر مما قرأت في ظاهرها ، واني أوجه الدعوة من على هذا المنبر الى الذين يطبخون تفاصيل الحلول النهائية ( كما يزعمون ) أن لا تنتهي القضية إلى (قرد ومقرعة) ، ولا ينتهي شعبنا المجاهد ، وخصوصا بعد ملحمة غزة التاريخية ، إلى شعب من القرداتية ، وينقلب الجهاد إلى سيرك !!!!
والمأساة الأكبر الفرمان الذي وهبه البرلمان العراقي للاحتلال الأمريكي للبقاء وسرقة وتدمير ما بقي من العراق ، هذا إن بقي شيء أصلاُ لم يسرقه بوش وادارته الهالكة ، وعندم يهب باراك أوباما العراق لشعبه ، ماذا سيعطيه يا ترى ..؟؟؟!!!!