إن ما كشفته حرب غزة من مظاهر انقسامات فلسطينية-فلسطينية، وعربية – عربية وما برز على الساحتين الفلسطينية والعربية من تصريحات بعد انتهاء الحرب.ينبئ بما قد يترتب من نتائج فلسطينيا، عربيا، وإقليميا.
يبدو أن المواجهة ستتجدد بين حماس ومحمود عباس، فمن الطبيعي أن تستثمر حركة المقاومة الإسلامية”حماس”صمود أبناء غزة أمام العدوان البربري،وتصديهم لحرب قذرة أهدرت كل القيم الإنسانية وتحدت كل المواثيق والقوانين والأعراف الدولية ، و من الطبيعي أيضا أن تلبس ذلك الصمود ثوب انتصار المقاومة خاصة على المستوى السياسي على الأقل، وهو ما كانت تخشاه أمريكا و إسرائيل وحلفاؤهما الأعراب في المنطقة فالعدوان الصهيوني ،أخرج القضية إلى محيط أوسع من الفضاء العربي المعتاد وعرى فظاعة الهمجية الصهيونية ،وأثار غضب الشعوب عبر العالم ، وبين أن حماس ليست تنظيم إرهابي كما ادعى بوش وليفني ومن يار على دربهما بل هي حركة إسلامية مقاومة،وصاحبة مشروع تحرر وطني،وهو ما زاد من حدة الخطاب السياسي المناهض لأمريكا وربيبتها إسرائيل ، لا على مستوى العالم العربي فحسب بل على مستوى العالم الإسلامي وتعداه إلى تنظيمات إسلامية ومسيحية في العالم الغربي، الأمر الذي جعل وزيرة خارجية إسرائيل تسابق الزمن حتى قبيل انتهاء الحرب، وتمضي اتفاقات أمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية وتبحث عن الدعم الأوربي الرسمي، وقد ظهرت نتائج مساعيها في قمة شرم الشيخ، فالرئيس الفرنسي ، الذي دعاه مبارك شفقة على ابناء غزة (.)،يقول:
” تعلمون أنني متمسك للغاية بدفاع وأمن إسرائيل. ومن خلال المناقشة مع المصريين، يمكن الحصول على نتائج، لا سيما حول تهريب الأسلحة. لكن ينبغي أن توقف سقوط ضحايا مدنيين، ينبغي أن تصمت الأسلحة. وأضيف أن فرنسا – كرئيسة لمجلس الأمن – ستطلب عدم الإسراع باستصدار قرار قد يعقد المهمة مادامت المناقشات جارية بين الأطراف المعنية. لقد تحدثت هاتفيت مع برنار كوشنير ،كما ذكرت هذا الأمر لرئيس الوزراء السيد ولمرت منذ بضع دقائق، وكنت قد طرحت معه الأمر من قبل”
أما رئيس الوزراء البريطاني –غوردون براون – “فقد أعتبر وقف إطلاق النار هش ينبغي أن يتبعه انسحاب القوات وفتح المعابر (.)،وتوقف تهريب الأسلحة وسقوط الصواريخ على إسرائيل ؟…” الكل في شرم الشسخ يبكي أمن إسرائيل ويتغافل عن إبادة شعب فوق أرضه وادخل حدوده،إنه الشعب الفلسطيني في غزة، من لم تمته المجاعة تحرقه القنابل.
إذا كان السفير الأميركي السابق في الأمم المتحدة، جون بولتون، الخبير الحالي في معهد «إنتربرايز» الأميركي يعتقد أن حرب غزة قضت والى الأبد على إمكانية إقامة دولتين جنبا إلى جنب، ويرى أن منظمة التحرير الفلسطينية قد فشلت في إنشاء سلطة فلسطينية، وتحقيق مبدأ دولتين تعيشان بسلام “السلطة الفلسطينية –وإسرائيل”مشروع لا و لن يرى النور.فهو في ذات الوقت يقترح حل «الدول الثلاث»، عبر مشروع ضم غزة إلى مصر، والضفة الغربية إلى الأردن،إنما أسس لرؤيته هذه مما لمسه من نية لدى بعض القادة العرب وهم يهرولون وراء الدبلوماسية الإسرائيلية بين أوسلو و أنا بوليس، وشرم الشيخ و واشنطن و…الخ.
ومن الواضح أن الطرف الإسرائيلي راهن في حربه على غزة، على أمرين :أولهما دور مصر في جر حماس إلى بيت الطاعة، فما إن دخلت عملية “الرصاص المصبوب” يومها 18،ولم تنفع مساعي هذا الطرف حتى اشتدت الخلافات، وازدادت التساؤلات فوق الحلبة السياسية والرأي العام الإسرائيلي، إزاء أهدافه المعلنة والخفية وسط شكوك استغلاله لأغراض سياسية داخلية،وتبين عجز العملاء عن العمولية وتعرت دسائسهم . ما دفع الثلاثي ” يهود ولمت-أيهود باراك- تسيبي ليفني” إلى اتخاذ قرار عدم توسيع العدوان على غزة لعدم إحراج مصر ومنحها الفرصة لتحقيق منع تهريب السلاح.
ووالأمر الثاني المراهنة على تشتت جهود القادة العرب بإذابتها في سبيكة الخلافات حول الزعامة وتباين وجهات التبعية فيما يعرف بالجامعة العربية،وهو ما عبرت عنه تسيبي ليفني أثناء زيارتها الأخيرة لواشنطن.”قائلة:…يوجد في المنطقة معتدلين ومتطرفين وكل واحد يختار أين يقف ..”
إذن،لاشك أن صمود غزة وتكاثف جهود الفصائل المقاومة أبطل مفعول المناورات وخلط الأوراق،بل وأخرج العرب من دائرة العار والخضوع والخنوع،وهو المكسب النفيس الذي ينبغي استغلاله لرفع راية الأمة واسترجاع عزتها وكرامتها،وإقامة الدولة الفلسطينية الموحدة عاصمتها القدس الشريف، ولا ننتظر (إسراطين أو مصرائيل أو..)، فالأكيد أنه ليس من عانى كمن سمع،يا عرب فلا شمس ستسطح عليكم من الغرب، استغلوا ما أعطاكم الله من قدرات ونعم.أتركوا حماس تفاوض وادعموها معنويا قبل أن تساعدوها ماديا،ولنوسع ثقافة المقاومة و لنجذر روح التضحية وقيمها لدى أجيالنا .