د. فايز أبو شمالة
قبل أن تنتهي الحرب، وتنكس مدافع العدو رأسها، وبينما شلال الدم الدافق يجري في شوارع غزة، وصراخ الثاكل يبلغ مداه في كل الدنيا، وقد صمت اللسان العربي إلا عن دعاء نصر لأهل غزة، كان هناك من يعد نفسه للكسب والاستفادة من هذه الحالة، وينتظر أن تلفظ غزة أنفاسها الأخيرة، ليواري جثمان كرامتها، ويرتب بيت عزاء لها من خلال مؤتمرات جمع المال، وستر الحال، لقد تنبه الكاتب “حافظ البرغوثي” مبكراً إلى أولئك الذين ينتظرون خراب غزة كي يتكسبوا من تعميرها، فكتب في صحيفة الحياة الجديدة قبل أن تتوقف الحرب بعشرة أيام يقول: وأظن أن هناك الآن من بدأ يتحدث عن إعادة إعمار غزة، فالمليارات المقبلة يسيل لها لعاب الكثيرين، أما من سالت دماؤهم دون سبب فهم قرابين بالمجان.
لقد كشف البعض عن وجدانه قبل انعقاد مؤتمر القمة، وراحوا يسابقون إلى تشكيل لجان إعادة الإعمار، وضمان حصتهم من هذا الاستثمار، وكان الأولى فيهم السبق إلى الدفاع عن غزة، وتشكيل لجان مقاومة في الضفة الغربية دعماً لغزة، وحقناً لدمها، ومحاربة لعدوها، عدو الشعب الفلسطيني الذي يجوس خلال مدن وشوارع الضفة الغربية، يعتقل، ويقتل، ويصادر تحت سمع وبصر وحراسة أصحاب اللجان، كان الأولى أن يتسابق المتسابقون على العطاء، والشهادة، والتضحية، وإطلاق سراح المقاتلين الذين تحتجزهم حكومة رام الله في سجونها، ألستم من فلسطين؟ أليس من واجبكم الدفاع عن الوطن؟ أليست غزة وطناً للفلسطينيين؟ أم أنتم من بلد محايد؟ فكيف غبتم، وصمتم، وصممتم آذانكم، وتعاميتم، وتجاهلتم دم غزة النازف، ومنعتم التضامن معها، وتآمر بعضكم عليها، لتبزوا اليوم طلباً للمال؟.
وكيف ترضون لأنفسكم أن تكونوا مطواعين، ومؤتمرين بأمر “أولمرت” الذي يرفض أن يتم التعمير على يد حركة حماس؟ فلماذا اختاركم أنتم، ورضي بكم، وقد فضلكم على الآخرين، الذين حملوا لواء المقاومة؟ ألم تسألوا أنفسكم: لماذا؟
لماذا يضخ “أولمرت” الموت إلى غزة كي يبتلع عائلات بأكملها، ثم يقرر اللجان التي يضخ المال من خلالها للتعمير؟ ألا تذكرون ما قاله الشاعر إبراهيم طوقان قبل سنين:
فكر بموتك في أرض نشأت بها واترك لقبرك أرضاً طولها باعُ
وغزة تقول: لا بارك الله لكم في مال تغمس بالدم، ولا شفا الله منكم سقيماً تغشاه الهم، ولا أحسن لكم خاتمة، وأنتم تسهلون للغاصب اجتياح الضفة، والسيطرة عليها، والضم.