محمد أبو علان
استطلاعات الرأي العام في “إسرائيل” تعرضت لضربة قاسمة أيام الانتخابات الداخلية لرئاسة “حزب كديما”، حيث كان الفارق بين النتائج المتوقعة والحقيقية لكل من المرشحين الرئيسيين “ليفني” و “موفاز” أكبر بكثير من نسبة الخطأ المسموح بها في مثل هذه الاستطلاعات (الفارق في الاستطلاعات كان حوالي 10%، وفي صناديق الاقتراع لم يتجاوز 1%) مما يعني ضرورة قراءة نتائج الاستطلاعات للانتخابات القادمة بشيء من الحذر في ظل عدم وجود منهجيات أخرى لقراءة المستقبل السياسي في “إسرائيل” على ضوء هذه الانتخابات التي ستجري في العاشر من الشهر القادم وأثر نتائج حرب غزة عليها.
فكلٌ من “تسبي ليفني” و”يهود براك” أردوا الوصول لرئاسة الحكومة في دولة الاحتلال الإسرائيلي على دماء وأشلاء أطفال غزة، لهذا السبب وليس لغيره شنت الحرب الشاملة على قطاع غزة، وما يعزز هذه الفكرة هو عدم وجود أهداف صريحة وواضحة لهذه الحرب، أو بالأحرى أهداف عسكرية قابلة للقياس.
وحتى تلك الأهداف المُعلنة لم يتم تحقيقها رغم حجم الدمار والقتل الذي ارتكبه جنود الاحتلال في قطاع غزة، فالواقع الأمني لم يتغير في الجنوب، المقاومة الفلسطينية لا زالت قادرة على إطلاق الصواريخ على المستوطنات والمدن المحتلة المجاورة لقطاع غزة، ووقف عمليات التهريب للأسلحة لا توجد شواهد عملية على أن بمقدور الاحتلال وقفها على الرغم من الاتفاق الذي تم توقيعه بين الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية قُبيل انصراف “بوش” وثلته من البيت الأبيض .
والنتائج لهذه الحرب الشاملة على القطاع بدأت تحدث هزات سياسية وانتخابية داخل الخارطة السياسية في دولة الاحتلال الإسرائيلي على أبواب الانتخابات الإسرائيلية للكنيست الثامنة عشرة بشكل مختلف عما خطط ورسم قادة الحرب الثلاثة “أولمرت ،ليفني وبراك”.
ففي استطلاع أجرته القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي تبين أن “حزب كديما” خسر أربعة مقاعد في الأسبوع الأخير حسب نتائج هذا الاستطلاع، حيث تبين أن حزب “كديما” سيحصل على (22) مقعد بدلاً من (26) مقعد في استطلاعات سابقة، و”حزب العمل تراجع بمقعدين ليصبح نصيبه (11) مقعد وفق نتائج هذا الاستطلاع مع أن هناك استطلاعات أخرى أعطت لحزب العمل (16) مقعد.
وأحزاب المعارضة اليمنية الإسرائيلية هي من يستحوذ على هذه المقاعد التي يخسرها مهندسو حرب “غزة”، “حزب الليكود” سيحصل وفق استطلاع القناة الثانية على (30) مقعد بدلاً من (29) في استطلاعات سابقة، و”حزب إسرائيل بيتنا” بقيادة اليمني المتطرف “افيغدور ليبرمان” (صاحب فكرة تدمير غزة بقنبلة ذرية على الطريقة الأمريكية في اليابان) سيحصل على (16) مقعد بدلاً من (14) ، و”حركة شاس” الحركة الدينية المتطرفة ستحصل على (11) مقعد بدلاً من (10)، وفي حال تم احتساب مقاعد “يهودت هتوراه” (5) مقاعد و “حزب البيت اليهودي” مقعدان يستطيع “بنيامين نتنياهو” تشكيل الحكومة القادمة رئاسته وبأغلبية (64) عضو كنيست على الأقل، ولكن المراقبين للساحة السياسية في “إسرائيل” يتوقعون أن تكون حكومة غير مستقلة إن بقيت بهذا العدد فقط من أعضاء الكنيست، وستتعرض لابتزاز مالي قوي بالدرجة الأولى من “حركة شاس” الدينية.
ومن الواضح ان نتائج الحرب وما فيها من مجازر بشعة ضد الأطفال والنساء والشيوخ، وحجم الدمار الهائل لم ترضي الرغبات الفاشية والتوجهات العنصرية للإسرائيليين ، ففي استطلاع آخر أجرته القناة الثانية الإسرائيلية حول من هي الشخصية الإسرائيلية الأكثر قدرة على قيادة حرب أخرى على قطاع غزة، أشارت النتائج أن زعيم “حزب الليكود” حصل على ما نسبته (34%) من آراء المستطلعين، بينما حصلت “تسبي لفني” مرشحة “حزب كديما” لرئاسة الحكومة الإسرائيلية القادمة على ما نسبته (17%) من المستجوبين بهذا الاستطلاع، وحصل وزير الجيش الإسرائيلي الحالي ومرشح “حزب العمل” على ما نسبته (14%)، في الوقت الذي حصل فيه “أولمرت” على (9%) وفق نتائج هذا الاستطلاع مما يعني أن نتائج حرب تموز 2006 على لبنان لا زالت عالقة في أذهان الإسرائيليين فيما يتعلق ب”ليفني” و”أولمرت” على الأقل.
وفي سياق الحديث عن موضوع الانتخابات الإسرائيلية فالمنافسة الحادة بين “براك” وليفني” على كل صوت انتخابي يواجهه من الجهة الأخرى للخارطة السياسية في دولة الاحتلال بصراع حاد دائر بين “حزب الليكود و”حزب إسرائيل بيتنا” وبالتحديد على أصوت الناخبين في الوسط الروسي، ففي استطلاع تم بناءً على طلب من “حزب الليكود” في وسط الناخبين من أصل روسي أشارت النتائج إلى أن غالبية الأصوات في الوسط الروسي هي لصالح افيغدور ليبرمان” وحزبه، لا بل يرون هؤلاء الناخبين من الوسط الروسي ب” افيغدور ليبرمان” وزير الدفاع القادم لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
فقوة “ليبرمان” في الوسط الروسي (7) مقاعد، وقوة “الليكود” (5) مقاعد و”كديما” مقعدان، والمقعدان ل “كديما” من الوسط الروسي هو من النساء دعماً ل “تسبي ليفي” كامرأة وليس دعماً لحزب كديما، أما بخصوص “حزب العمل” وزعيمة “يهود برا
ك” فبالكاد يكون لهم مؤيدين في هذا الوسط الروسي وقد يعطونه بالحد الأقصى نصف مقعد في انتخابات الكنيست القامة.
ك” فبالكاد يكون لهم مؤيدين في هذا الوسط الروسي وقد يعطونه بالحد الأقصى نصف مقعد في انتخابات الكنيست القامة.
وهذه النتائج المتوقعة في الوسط الروسي ليست نهائية وخاضعة للتغير لصالح “ليبرمان” و “نتنياهو” إذا أخذنا عوامل ثلاثة بعين الاعتبار وفق ما أشارت له نتائج وتحليلات هذا الاستطلاع، أولها أنه أجري قبل بدء الحرب على غزة، وثانيها (25%) من المستطلعة آرائهم لم يجزموا بأي اتجاه سيصوتون، وثالثها هي عدم رضي الوسط الروسي عن نتائج الحرب على غزة ويرى فيها نوع من الفشل في تحقيق الأهداف.
ومن قراءة نتائج هذه الاستطلاعات نخلص لمجموعة من النتائج وهي أن الشارع الإسرائيلي تتعزز فيه روح اليمنية والتطرف بشكل دائم ومتناميي، مما يعني أن أخصائيي المفاوضات على الساحة الفلسطينية سيعانون من البطالة السياسية طوال السنوات الأربعة القادمة، وإن الحرب على غزة لن توصل “ليفني” و”براك” لسدة الحكم في الانتخابات القادمة كما توقعا، مما يعني أن حكومة دولة الاحتلال الإسرائيلي القادمة ستكون يمنية خالصة حتى وفق المفاهيم الإسرائيلية نفسها.
وفي الجانب الفلسطيني لن يتغير الكثير كونه عندما يتعلق الأمر بنا كفلسطينيين تختفي الحدود السياسية وتتوافق المفاهيم العنصرية والدموية حتى تجاه كل ما هو غير يهودي وليس ضد كل ما هو فلسطيني فقط، مما يجعلنا نطرح تساؤل هام لصانعي القرار السياسي في الفصائل والقوى السياسية الفلسطينية وهو في ظل هذا الواقع الذي ستفرزه الانتخابات على الساحة السياسية في دولة الاحتلال بعد العاشر من شباط القادم ماذا ستكون الاستراتيجية الفلسطينية في مواجهة هذه الحكومة الإسرائيلية؟، هل سنبقى على ما نحن عليه من انقسام وتشرذم؟، أم سيكون بيننا من هو مستعد لتجاوز الخلافات لصالح خلق واقع فلسطيني يستطيع أن يتحدث بلغة واحدة على الأقل تجاه الاحتلال وسياسته؟ فالواقع الحالي من الانقسام الجغرافي والسياسي هو الوضع المثالي الذي يبتغيه الاحتلال ويتمنى أن يستمر لعشرات السنين، وسيذل قصارى جهده ليبقى.