رداد السلامي
في اليمن يبدو القتل هو اللغة الشائعة ، ويبدو الموت هو التقاطيع المرسومة على ملامح اليمنيين الذين ينقسمون حسب توصيف الأقوياء وصناع القرار في اليمن “أهل اليمن العالي وأهل اليمن السافل” ففي الوقت الذي تبدو البلاد على غير ما يرام أو غير ميعاد لحياة أفضل يتنامى مشروع الموت ، الذي يحتمي بالقبيلة وميراثها الدموي الأرعن تلك التي أعاقت أي تحول في اليمن نحو الأفضل وأبقته دون مستوى نهوضه المأمول .والمرتجى وكثيرا ما جذرت ذاتها في عمق الدولة وضربت وجودها بعيدا في أعماق تكوينها ، لتبقي الدولة في اليمن غير قادرة على أداء وظيفتها ، ومجرد مؤسسات شحت فيها الإداريون الوطنيون إلا من بقايا أفراد تديرهم هذه القوى القبلية التقليدية ، فاليمن السافل الذي عادة ما ينظر إليه باحتقار من قبل اليمن العلوي المستحكم ومجاميع قبائله المتخلفة التي تدير مؤسسات ما يفترض أنها دولة ، أفراده مجرد وجودا شكليا في هذه الدولة ومؤسساتها ، وغير قادرين على فرض سيادة الدستور والقانون لأن أفراد اليمن العالي بحسب ذلك التقسيم لا يعملون على تطبيق النظام والقانون إلا إذا كان يصب في صالحهم ومصالحهم ، أو في صالح أفرادهم ، أما إن كان غير ذلك فإن أعرافهم القبيلة هي السائدة حتى بمنطقها الدموي الذي تصنعه إرادة القوة والبندقية، وشكيمة العزة والرفعة والعلو الموهوم -بحسب توصيف سياسي يمني – فالقانون لم يكن هو أساس الحل غالبا فقد ذبح منذ ” ذبح الثور” إبان الثمانينيات حد تعبير الدكتور والسياسي اليمني “عبد الكريم الارياني ” آنذاك في قضية يعرف الكل تفاصيلها .. العرف القبلي المكرس للثأر كان هو الحل . فأحد مواطنو اليمن السفلي محمد الحامدي قتل على يد (20 ) مسلحا من “سنحان” منطقة الحكم ، ومر القتلة دون حساب أو عقاب ليذبح بدلا عوضا عن ذلك “رأس ثور”
وكذلك المواطن صلاح الرعوي الذي كان قتل على يد عصابة يقودها رجل امن من ذمار بمشاركة رجل أكاديمي يعمل دكتورا في جامعتها وتكمن خطورة ذلك في أن المؤسسات التعليمية في اليمن يقودها رجال أكاديميون “قبليون ” يؤمنون بثقافة الثأر ولم تتحرر عقولهم منه، وهو ما سيؤدي إلى أن يصبح للثار منهجية “تربوية” في البلاد وستتحول الجامعات اليمنية إلى ساحات مراكز تعليم مبادئ
قضايا القتل أو الثار من قبل نافذين في النظام أو مقربين منه مرت بسلام غير دماء “أثوار” تراق فقط إرضاء لأسر القتلى والضحايا هذا إن كان احدهم ينتمي على قبيلة قوية أو أسرة نافذة .
قبل أيام قتل الدكتور درهم القدسي وهو يؤدي واجبه في مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا ،من قبل عصابة قبلية وعبث القتلة بجسده ومرت الجريمة دون أن يحرك الأمن ساكنا فقد احتمى القاتل بقبيلته وقيل أنه تم ترحيله إلى أميركا ، مع ذلك يظل المقتول في الذهنية التقسيمة المستعلية الحاكمة في اليمن والتي تدير المؤسسات الأمنية ومراكزها من “اليمن السافل” والقاتل كذلك ومع ذلك لا يهم مادام أن القاتل قويا بقبيلته، مادام أنه سيشغل اليمن السافل ببعضه ويدخله متاهة الثأر..!!
قضايا القتل أو الثار من قبل نافذين في النظام أو مقربين منه مرت بسلام غير دماء “أثوار” تراق فقط إرضاء لأسر القتلى والضحايا هذا إن كان احدهم ينتمي على قبيلة قوية أو أسرة نافذة .
قد يكون الرئيس صالح بريئا مما يرتكب تحت اسم سلطته لكن يبدو أن القوى “التقليدية” التي يدعمها ويركز الثروة والسلطة في يديها والقريبة من وجوده الجغرافي، عازمة على الزج به في معمعة ممارساتها وإدخاله في أتون أزمات جديدة تضاف الى العميقة الموجودة حاليا ،وبالتالي وضعه في مرمى الاتهام وانه السبب في ذلك، وهذا ما يحدث اليوم ، فقد حدث وأن سقط قبل أيام 60قتيلا في حرب قبلية بين قبيلتي “حاشد وبكي” دون أن يكون ثمة تدخل للدولة أو ما يفترض أنها كذلك.
كما ان استمرار هذه القوى حكم البلاد بعقلية الاستعلاء والاحتقار لما يسمونه باليمن السافل وتغييب النظام والقانون والعزف على وتر التناقضات الاجتماعية وتنميتها ، ضرب النسيج الاجتماعي اليمني بخلل عميق كان من نتائجه ظهور النعرات القبلية والمناطقية وارتفاع منسوب الثار بشكل حاد .
*كاتب وصحافي يمني