محمود الزهيري
أحداث مجازر غزة محزنة , ومؤلمة وجارحة للمشاعر الإنسانية , ولاتمتلك تجاه هذه المجزرة سوي أن تحتار , فالمسؤلية تجاه مجزرة غزة , أصبحت مسؤلية المشاعر والأحاسيس الإنسانية , ولم تتعدي حدود المسؤلية حيز الحزن والألم , والعجز والقصور عن إرادة الفعل المنجي من هذه المجزرة , وليس علي المشاعر الإنسانية إلا أن تلعن المتسبب فيها , مع الإحتفاظ بكافة حقوق المقاومة سواء الآنية أو المؤجلة بقراءات واقعية عقلانية .
قبل البدء في الحديث عن القضية الفلسطينية , وعلي وجه خاص الحديث عن حركة المقاومة الإسلامية ً حماس ً , يتوجب عليك أن تقوم بفعل المضمضة والإستنشاق بل الأحري القيام بفريضة الوضوء بأركانه وشروطه , أوفرائضه وسننه , لأنك سوف تدخل في حضرة تكاد تقترب من القداسة التي لايتوجب علي أي إنسان كائناً من كان أن يتحدث عنها إلا من هو داخل حركة المقاومة الإسلامية ً حماس ً أو تحديداً الروؤس القائمة علي الأمور التنظيمية داخل الحركة بإعتبارهم من الأطهار الأخيار , في ممارستهم لأي فعل أو قول أو تقرير لدرجة أن أفعالهم أو أقوالهم أو تقريراتهم أصبحت لدي العديدين من الجماهير والشعوب العربية المأزومة بالفساد والطغيان والإستبداد , والفقر والجهل والمرض, تعتبر مراجع لهم , وخاصة الحركات الدينية الإسلامية التي تعمل في حقول الدعوة الإسلامية وعلي الرأس منها الحركات الجهادية التي تهتدي بنبراس حركة المقاومة الإسلامية حماس .
ونعود إلي فعل الوضوء بإعتباره مقدمة من مقدمات الدخول في حضرة حماس وكأنك تدخل في حضرة قدسية لها الرهبة والمهابة , ومن رهبت منه وأهبته فلابد من طاعته والإنقياد له , وإلا فلغة التلعين والتخوين وقاموس العمالة للغرب والأمريكان والصهاينة والإمبيريالية العالمية ربيبة الصهيونية العالمية , سيكون من نصيب أي صاحب عقل أو رؤية مخالفة لحركة المقاومة الإسلامية ً حماسً , ناهيك عن إتهامك بأنك من المارينز العرب والإستسلاميين والإنهزاميين والمروجين للحلول السلمية التي لم تجدي نفعاً , علي مر العصور والأزمان , وإنما المتوجب من المنظور الحمساوي الجهادي والذي لايري قضية فلسطين , وقضية التحرر الوطني إلا من فوهة البندقية , وليست البندقية الفلسطينية فقط , وإنما علي الدوام من فوهة البندقية العربية , أو بتوظيفات دينية لتكون فوهة البندقية الإسلامية .
مادام الأمر يتعلق بالبندقية , فإن كافة الخيارت تسقط أمام الخيار الوحيد , وهو البندقية , وما عساها من خيارات يكون مرفوض , حتي وإن وصل الأمر إلي ماوصل إليه حال الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بقيادة حركة المقاومة الإسلامية حماس , والتي مازالت تصر علي التعامل مع الأزمة الفلسطينية علي أنها أزمة إسلامية , وحتي قبل أن تكون عربية , بمعني أن القومية العربية مؤجلة علي خيار الأممية الإسلامية , وهنا تظهر الإيديولوجيا الدينية , التي تري حل القضية الفلسطينية بإرتباطاتها المتأزمة من خلال المفهوم الجهادي حسب المفاهيم الدينية الإسلامية والخضوع التام للتفسيرات والتأويلات ,التي تتكلم عن الجهاد , والواردة في أبواب كتب الفقه والحديث والسير والمغازي , والتي كان يتعاطاها أصحاب التفسير والـتأويل حسب الإمكانيات والقدرات التي كانت متوفرة في كل عصر علي حدة , الأمر الذي يكون معه إعادة البحث في مفاهيم التأويل والتفسير لهذه الآيات والأحاديث حسب المتغيرات الخاصة بالقوي الدولية , ومدي إنحيازاتها في الجانب الإسرائيلي إنحيازاً قد يكون في غالبية القضايا العربية المنظورة علي الساحة الدولية فيها قدر كبير من الظلم بمعناه السياسي الدولي , وليس بالمفهوم الديني الأخلاقي , وإعادة القراءة حسب منظومات القوي , وإدارة الصراعات من خلال المصالح المؤملة لمديري الصراعات , وكذا حساب موازيين القوي العربية إن وجدت لتكون من ضمن عوامل الحساب في إدارة أي صراع مع الدولة العبرية .
والملاحظ أنه بموجب هذه الأمور لايمكن لأي قوة من القوي الجهادية بالمفهوم الحمساوي الجهادي أن تتحرر الأراضي الفلسطينية بالمقاومة الجهادية من خلال فوهة البندقية , مع ع
دم القياس علي أفغانستان والصومال والعراق , وجنوب السودان , ودارفور وجبهة تحرير مورو الفليبينية , وغيرها من بؤر الصراع الدموي في العالم ذات النهج الجهادي , لأن مايحدث فيها يحتاج للرصد والتحليل بمدي الخسائر الفادحة في الأرواح والممتلكات .
دم القياس علي أفغانستان والصومال والعراق , وجنوب السودان , ودارفور وجبهة تحرير مورو الفليبينية , وغيرها من بؤر الصراع الدموي في العالم ذات النهج الجهادي , لأن مايحدث فيها يحتاج للرصد والتحليل بمدي الخسائر الفادحة في الأرواح والممتلكات .
وهذا ليس خطاب العمالة والخيانة واليأس , ولكنه خطاب العقل والمستبدل بالواقع المغيب بإرادة فعل الإيديولوجيا الجهادية الإسلامية حسب مفهوم حركة حماس لها , والتي تؤمن بالجهاد والإستشهاد في غير مواضع الجهاد , وتنتحر براية الإستشهاد , وتدمر الزرع وتهلك الضرع , وتقتل الأم والأب , والإبنة والولد , والشيخ والطفل , بمفهوم أن هؤلاء القتلي في الجنة , وأن قتلي اليهود الإسرائليين في النار , من خلال تعبئة مفاهيمية مرتبطةبمفاهيم فقهية دينية تحوز التصديق المطلق , والقداسة الثابتة حسب المفاهيم الموؤلة , والمواقف المفسرة للواقع المأزوم بغطاء ديني إسلامي متوهم , أو مزعوم .
مازالت مصلحة أي فصيل ديني أو عروبي هي في الديمقراطية والحريات الإجتماعية , وهذان المفهومان من ضمن جملة مفاهيم تحاربها التيارات الدينية وتذدريها وتصفها بالعلمانية والكفر والذندقة والإلحاد , علي بساط من بسُط التفسير والتأويل من أن الديمقراطية هي الحكم بغير ما أنزل الله , ومن ثم تكون هي الكفر والفسق والظلم , ومع أن الكفر والفسق والظلم بمفاهيمهم يكمن في الوصاية الدينية التي تتبناها كل التيارات والفصائل الدينية بكافة ألوانها ودرجاتها اللونية , والوصاية الدينية هي إحتكار المقدس بمفاهيم التيارات والفصائل الدينية المتعددة بداية من الجهادي ووصولاً إلي المتصوفة , وحتي أهل الدجل والشعوذة بخصوصية المفاهيم الدينية الخاصة بهم !!
السياسة تبحث في المشترك الإنساني العام , وتوفير المتطلبات الحياتية , وتحقيق الأمن والسلام الإجتماعي بمفاهيم أرضية واقعية لاتحوز القداسة الدينية الثابتة , لأنها متغيرة ومتبدلة , ولاتسعي إلي إيديولوجيا ممقوتة تحكمها , سواء كانت إيديولوجيا دينية أو سياسية , بل تسعي إلي مؤسسات ديموقراطية تقود العمل السياسي والإجتمناعي .
الدم الغزير الذي يروي أرض غزة بالأيادي الإسرائيلية المجرمة , كان بإرادة حركة المقاومة الإسلامية حماس , والتي أخطأت في تقدير الإيديولوجيا وفهم مراميها سواء كانت الإيديولوجيا الدينية أو العسكرية علي أرض الواقع , فهذه الإيديولوجيا أعمت البصر وخيمت بضبابيتها علي البصيرة , فكان أن أعلنت حماس فض الهدنة , وسارعت بإطلاق صواريخ القسام , وصواريخ جراد , وأعلنت رفضها للمبادرة المصرية , بالرغم من التحفظات علي النظام المصري في تعاطيه للأزمة الفلسطينية في غزة , واعتبرتها ملف من ضمن الملفات الأمنية التي يتعامل معها مثلها في ذلك مثل ملف جماعة الإخوان المسلمين في مصر , فكان أن وقعت حماس في الفخ المنصوب لها من جهات عدة لم تدرك حماس أبعاد هذه المؤامرات التي حيكت لها من أطراف عربية , وتم خذلانها من أطراف أخري , بل وكانت القضية الفلسطينية شماعة كبيرة تحمل خيبات الأنظمة العربية الحاكمة لتتواري معها قضايا الطغيان والفساد والإستبداد والفقر والجهل والمرض وتدني مستويات المعيشة .
وإلا ماهو موقف بعض الفصائل الفلسطينية مما يدور علي الساحة الفلسطينية في أرض غزة , من أمثال حركة فتح , وبعض الفصائل الأخري , والتي لم تعول حركة حماس عليهم , وإنما تستعذب التعويل علي الإخوة والأشقاء العرب من خارج الإطار الفلسطيني / الفلسطيني .
مايدور داخل غزة من صراع بين حماس الجهادية , وبين آلة الحرب الإسرائيلية المجرمة والجبارة في آن معاً , ماذا يمكن أن نسميه بلغة حركة المقاومة الإسلامية حماس ؟ , فهل هو قائم علي أساس ديني أم سياسي , أم ماذا يمكن أن نسميه بعد أن نفرغ من حديث المقاومة والتحرير والإنتهاء من الكلام في حق كل حركات التحرير الوطنية في الدفاع عن ترابها الوطني بكافة السبل المشروعة والمحتمية بقوانين الشرعية الدولية ومن قبلها قوانين الواقع المعاش علي أرض الإحتلال ؟
الإنتصار للإيديولوجيا والإنتصار للمصلحة والمصالح السياسية تحكمه العلاقة الفارقة بين مفاهيم الدين ومفاهيم السياسة في العديد من الأطر العامة , والخاصة , وهذا ماتبدي في المجزرة التي تمت في غزة بأيادي الجيش الإسرائيلي المجرم , وبإرادة حركة حماس , وكانت الضحايا التي تم تقديمها قرباناً للإيديولوجيا الدينية في غزة مرهونة بالحسابات الخاطئة لحركة حماس , بإلباس مفهوم حركة حماس لقضية التحرير الوطني الفلسطيني جلباباً دينياً فضفاضاً ,لكي تكون فدواً إيديويولجياً لإسماعيل , تستر به حركة المقاومة الإسلامية حماس عوراتها السياسية , ولتكتسب به عطف الشعب الفلسطيني , وشعوب العالم , بجانب التخاذل العربي / الإسلامي في الدول العربية وشعوب العالم الإسلامي , فكانت حماس أن ضحت بهؤلاء القتلي والجرحي من شعب فلسطين في غزة من أجل مصلحة الإيديولوجيا الدينية في مقابل واحد فقط , وحصرياً , وهو الجنة المؤجلة للآخرة , والتي باب دخولها حسب رؤية ومفهوم حركة حماس , هو باب الشهادة بالمفهوم الديني الإسلامي , وهو الموت من أجل إعلاء كلمة الله في أرض غزة .
ومن هنا كانت التضحيات كثيرة , والخسائر أكثر!!
حسب المفهوم من الإيديولوجيا الدينية , لاتوجد إرادة أعلي منها , ولايوجد رأي يجدر به أن يصمد أمام الإيديولوجيا الدينية التي تحلق مفاهيم المتعاملين معها في آفاق رحبة واسعة لاتحدها حدود المطلق وهو الله سبحانه وتعالي , ولا يمكن حصر أهداف للمصلحة في التعامل معها , لأن المصلحة وحيدة وحصرية , وهي الجنة فقط .
الواقع السياسي والجغرافي أظن أن حماس تعلمه جيداً , والأفضل يتمثل في قراءته قراءة سياسية , وليست قراءة دينية , فالقراءة السياسية تحدد المطالب والأهداف في الحصول علي قدر من المصلحة حسب فقه ودراسة الواقع بجوانبه السياسية والجغرافية وموازيين القوي , والقدرات العسكرية والقتالية , وإلا إذا غابت تلك القراءة , فإن الذهاب للجنة المؤجلة , لايعدو إلا أن يكون إنتحاراً , ولايقوي أن يتحرك تجاه الجنة خطوة واحدة .
ومازال المفهوم للإيديولوجيا الدينية ثابتاً بقراءاته الغيبية , فمؤكد أن فعل المضمضمة قبل الحديث عنها سيكون هو مناط الأمر في النقد والنقض , وإلا , فسيوف التخوين والتلعين , والتجهيل والتكفير , هي المشهرة علي رقاب من يتحدث عن أي فصيل ديني يحتمي بايديولوجيا دينية , وعلي الرأس منهم , الفصائل الجهادية .
محمود الزهيري