د. فايز أبو شمالة
بعد انتصار غزة في الميدان ترنو أنظار الفلسطينيين إلى تحقيق الانتصار السياسي، والترجمة العملية للواقع الجديد الذي فرضت فيه المقاومة نفسها معادلاً موضوعياً يتصدى للقوة العسكرية المهيمنة على المنطقة، بالتالي ما بعد غزة لا يقف عن حدود فتح المعابر، وتزويد غزة بالمواد الغذائية، للعلم، فقد تحقق فتح المعابر أثناء القتال، حين تراجعت الدولة العبرية، وأطلقت عجلات مائتي شاحنة يومياً تدوس على الحصار رغم قصف المقاومة للمدن الإسرائيلية، في حين كان عدد الشاحنات في زمن التهدئة يقارب الخمسين شاحنة فقط، وقد تكون هذه أول دلالة لانتصار غزة.
إن ما يرنوا إليه الفلسطينيون بعد نصر غزة هو الموقف السياسي الفلسطيني المتوائم مع الواقع الميداني، وهذا ما يحتم على طرفي معادلة الانقسام الفلسطيني في غزة، والضفة الغربية إعادة القراءة السياسية للواقع من منطلق انتصار مشروع المقاومة، وهزيمة مشروع التسوية، وما لهذا التغيير من آثار وجدانية، وحياتية، ومصيرية على حياة المجتمع الفلسطيني بشكل خاص وآني، وعلى حياة المجتمعات العربية بشكل عام ومستقبلي، وعليه فلن تتحقق مصالحة فلسطينية ثابتة ما لم تأخذ بعين الاعتبار هذا المتحول في الواقع الفلسطيني.
إن انكسار الهجمة الصهيونية على أعتاب غزة ليقدم فرصة تاريخية لأنصار معسكر التسوية الفلسطينية لمراجعة حساباتهم، وإعادة صياغة برنامجهم السياسي والتنظيمي يما ينسجم مع المستجدات، ولاسيما أن التوجه الفلسطيني لمشروع التسوية قد تأسس من منطلق عدم القدرة على مناطحة القوة الإسرائيلية الغاشمة، وعدم توفر الدعم للمقاومة الفلسطينية، فجاء نصر غزة ليكسر هذه المقولة، وجاءت ردة الفعل العربية في الدوحة، والكويت متجاوبة مع الواقع الجديد، وهو ما يفرض على كل سياسي فلسطيني ذي عقل أن يدرك ما فات، وأن يعيد حساباته من منطلق مصلحة شعب فلسطين الذي بات مزاجه في تحول واضح من مشروع التسوية إلى مشروع المقاومة، ولاسيما بعد فشل بعض المسئولين الفلسطينيين الذين راهنوا على قدرة الدولة العبرية على إعادة احتلال غزة، لقد خاب ظنهم، وخسروا أخر أمل لهم باستعادة غزة، وضمها إلى حظيرة التصفية، نقول البعض المشبوه، ولا نقول الكل الوطني الذي تهون عليه السلطة ولا يهون عليه الوطن، هذا الكل الحريص على الوحدة الوطنية من منطلق الثوابت الفلسطينية، والحق التاريخي في فلسطين، وعلى قاعدة المقاومة المسلحة، هو كتف الإسناد الاستراتيجي للمصالحة الحقيقية، وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، وهو القادر في زمن قريب على حسم النزاع الداخلي الذي سينشب حتماً بين طلاب سلطة عبثية باعوا أنفسهم للشيطان، وبين معتنقي مبادئ، آمنوا بالتضحية والعطاء من أجل الأوطان.