في حالة صدمة، يروي أفراد من آل السموني وقائع مرعبة دموية، طبعها الجيش الإسرائيلي في ذاكرتهم إلى الأبد خلال دقائق معدودة، لاحقتهم من بيت إلى بيت ومن حيّ إلى حيّ في شرقي مدينة غزة.
في الساعات الأولى لبدء العملية البرية الإسرائيلية في غزة، فجر العاشر من كانون الثاني الحالي، قتل عطية السموني (٥٢ عاما) أمام عينيّ زوجتيه، زهوة (٤٢ عاماً) وزينات (٣٥ عاماً)، وأولاده الأربعة عشر. ركض الناجون إلى بيت مجاور لأقربائهم، قبل أن تقصف الطائرات منزلهم بصاروخ، وتكمل الجرافات على ما تبقى منه.
وتروي زهوة المصابة بشظايا في ظهرها: »سمعنا التفجيرات وإطلاق النار يقترب من بيتنا. أخذت أهدئ الأولاد مع زوجي عطية. اقترب الجنود من البيت وهم يطلقون النار، فتح عطية لهم الباب، طلبوا منه رفع يديه وملابسه، جمعونا في غرفة ثم طلبوا منا الخروج، ثم فجروا غرفة النوم وأطلقوا النار على عطية، استشهد أمامنا، أخذنا نصرخ فاستمروا في إطلاق النار.. فكتمنا بكاءنا«.
فجأة، رأت زهوة الدماء تسيل من صدر طفلها أحمد إبن الأربعة أعوام. كان مصابا برصاصتين. حملته. طلب منهم الجنود الخروج من المنزل، فأخذ الجميع يركضون. »اعتقدنا أنهم لن يؤذوا المدنيين كما قالوا، لذلك بقينا في بيوتنا« يروي فهد (١٩ عاما)، وهو مصاب بشظايا في أنحاء جسمه، »خرجنا من البيت للشارع، لم يكن هناك سوى يهود غاضبين ويطلقون النار، حملت أخي أحمد لان أمي تعبت بسبب الإصابة ووصلنا إلى منزل أحد أقاربنا في شارع صلاح الدين… لكن أحمد استشهد وأخفينا الخبر عن أمي وقلنا إنه في غيبوبة«.
»عشنا ليلة مرعبة: يقول فهد، وهو جالس مع سبعة من أقاربه الناجين حول موقد نار في خيمة عزاء، أقيمت بين ركام منزلهم المدمر، لتلقي التعازي في ٢٩ شهيداً من العائلة نفسها. يضيف »الجميع كان يصرخ، وكانوا يطلقون النار علينا كلما سمعوا صوتنا. كنا أكثر من ٩٠ شخصا تجمعنا داخل البيت«.
وتابع »رفعنا فانيلات (قمصان تحتية) بيضاء كرايات سلام وخرجنا مجازفين، كنا ما نزال على بعد ١٠ أمتار عندما قصفوا المنزل بصاروخ، فمات وأصيب كثيرون. اتصلنا بالإسعاف والصليب الأحمر فقالوا إنهم لا يستطيعون التحرك لأن المنطقة نار وموت. استشهد عمي طلال وزوجته وابن عمي وزوجته وأولاده وأولاد ابن عمي إبراهيم وعمي رشاد وزوجته وابنه توفيق ووليد…«.
تتابع زهوة »أصيبت بنت زوجي أنسام وهي رضيعة عمرها ٢٠ يوما، وأربعة من أولادي. في الشارع، أوقفونا مرات عدة بإطلاق النار، وعندما اقتربنا من منزل سعدي السموني كانوا يضربون النار من منزل تمركزوا فيه. صرخنا عليهم: الأولاد جرحى سيموتون! لكن الرصاص استمر حتى وصلنا إلى المنزل. كنا أكثر من ٧٠ نفرا«. أضافت »هم يريدون فقط أن يقتلوا، لا توجد مقاومة ولا مسلحون في منطقتنا«.
أما إياد السموني (٢٨ عاما)، الذي قتل والده طلال ووالدته رحمة وزوجته صفاء، فيروي: »مساء السبت (أول أيام العملية البرية) قصفوا دارنا بقذيفة حرقت الطابق الثالث… نحو ٢٥ جنديا طرقوا باب البيت بالقوة، فتحت فقالوا: إرفع يديك وافتح معطفك وارفع ملابسك وهاتِ الهوية. ثم قالوا: ليخرج كل من في البيت رافعين ملابسهم حتى النساء. فعلنا. أخرجونا ومشينا في الشارع، وكانت دبابات كثيرة وطيران، ورصاص وقذائف تطاردنا من كل الاتجاهات، وكنا نحو ٧٠ شخصا«.
أصيب أولاد إياد في القصف إلى أن بلغت العائلة بيت خالته رزقة، لكن في اليوم ذاته »قصفوا بيت خالتي واستشهدت خالتي وأولاد عمي وابنها وأمي رحمة وصفاء زوجتي وبنت خالتي وإسماعيل وإسحق ونصار وصلاح ومحمد… كان الأمر أشبه بفيلم مرعب«.
وأوضح »أطلقوا النار على ابني الذي لم يتجاوز العامين ونصف وهو بين يديّ، وواصلنا المشي باتجاه طريق صلاح الدين.. جاءت سيارات الإسعاف وأخذونا. قلنا لهم هناك مجزرة، العائلة كلها ماتت أو أصيبت.. كان علينا أن ننتظر ثلاثة أيام حتى نتمكن من نقل الجرحى: جدتي شفا (٦٥ عاما) وأخي محمود (١٧ عاما) وابن عمي احمد (١٤ عاما) وابن عمي نافذ، وابنة عمي أمل… على عربة يجرها حمار«.
الأدهى أن الجنود لم يكتفوا بالقتل، يؤكد إياد »فلقد سرقوا مجوهرات زوجتي وقيمتها ثلاثة آلاف دينار وخمسة آلاف دولار«. ويروي فؤاد (١٧ عاما)، نجل زهوة، أنه شاهد جنديا يسرق »حقيبة أبي وكان فيها ألفا دينار حين دخلوا الدار… قبل أن يحرقوا البيت ويدمروه«.
من تحت كومة حجارة هي ما تبقى من منزل عم فهد، انتشلت جثة وليد (١٧ عاما) مساء الاثنين الماضي. لكن أشلاء القتلى ما تزال متناثرة في المنطقة التي هاجمتها الجـــرافات، فدمرت فيها ٢١ منزلا تابعة لآل السموني، وعددا من مـــزارع الدواجن وورشا صناعية… إضافة إلى المسجد الوحيــد في المنطقة.
(أ ف ب)