بقلم الشيخ/ عثمان الأزهرى
من علماء الأزهر الشريف
مركز حجازنا للدراسات والنشر
لقد خدع البعض بمشاهدة حكام العرب فى قمة الكويت (19/1/2009) وهم يتصافحون ويقبل بعضهم بعضا، على مأدبة غداء أقامها لهم ملك السعودية (عبد الله بن عبد العزيز)؛ كان المشهد بائسا بقدر ما كان فكاهيا، وتسائل الناس فى بلادى، وبلاد العرب والإسلام، هل كان هؤلاء القادة (جوعى) فقط، وأن الجوع والعطش والشوق إلى وليمة خادم الحرمين هو سبب خلافاتهم وفضائحهم التى توالت عبر حملات إعلامية وخطابات سياسية طيلة الأسابيع الثلاثة لحرب العدوان على غزة، بل وقبلها بشهور؟ أم أن فى الأمر أسرار أخرى وخلف الأكمة ما خلفها؟
دعونا ومن واقع المتابعة لما جرى، وقراءة متفحصة لدلالاته الشرعية والسياسية أن نؤكد على أن الأمر فى جملته ليس سوى مؤامرة سعودية/ أمريكية، وبالقطع إسرائيلية لإجهاض المطالب العربية الحقيقية التى دفع فيها أهل غزة الدم والأرواح الكثير؛ وهى مطالب كان حدها الأدنى ما تمخضت عنه قمة الدوحة (16/1/2009) وتمثلت فى :
اسقاط المبادرة العربية للسلام التى صنعتها وروجتها السعودية بالتعاون مع المخابرات الأمريكية والإسرائيلية.
ايقاف عجلة التطبيع الاقتصادى والسياسى بين العدو الصهيونى والعديد من البلاد العربية وفى مقدمتها دول ومشيخيات الخليج.
الدعم غير المحدود للمقاومة الفلسطينية بقيادة حماس والجهاد وليس بقيادة أبو مازن الفاقد للشرعية منذ 9/1/2009.
هذه المطالب فى حدها الأدنى وجدت المخابرات الأمريكية والإسرائيلية وهى أجهزة بالمناسبة لا تتغير أدوارها ومؤامراتها بتغير الرؤساء أو بالصراع الداخلى فى بلادها أنها تمثل خطرا عليها، حتى فى حدها الأدنى، فما كان منها إلا أن حركت (أو لنقل نسقت) أكبر حليفين لها فى المنطقة حتى يجهضا تلك المطالب، التى كانت الثمرة الحقيقة (الرسمية) للانتصار فى غزة، فجاء الحليف الأول (النظام المصرى) بمؤتمره المشبوه فى شرم الشيخ والذى حضره أركان الحلف الغربى المنقذ لإسرائيل تاريخيا (فرنسا – بريطانيا- المانيا- اسبانيا- ايطاليا) واقروا فى مؤتمرهم ،منع تهريب السلاح للمقاومة برا يعنى منفذ رفح، وبحرا عن طريق السفن الحربية، وهو الاتفاق الذى سيتفاعل مع اتفاق كوندليزا رايس- ليفنى الموقع يوم الجمعة 16/1/2009 ليشكلا معا طوقا حاميا لإسرائيل وضاغطا على مصر التى لا تحتاج إلى ضغط، فهى تتعاون وتسمسر على طول الخط الأمر الذى أضر بأهل غزة، وسيضربهم مستقبلا وسيحول حياتهم إلى جحيم فضلا عن ضرره الابلغ لما كان يسمى بالامن!!
أما الحليف الثانى وهو فى الواقع الحليف او العميل الاهم والابقى بحكم تارخه ونفطه ودوره المشبوه( وهو المملكة السعودية)، فكان دورها أشد مكرا وخطرا، لأنها الدولة المناط بها إجهاض نتائج مؤتمر الدوحة؛ والتى إن نفذت فإنها سترتد عليها هى اولا ثم بالخسارة المعنوية والسياسية وعلى واشنطن وتل أبيب بالأضرار الاقتصادية والسياسية؛ وسيفتح الطريق أمام المزيد من الدعم لخيار المقاومة، ويكرس انتصارها؛ وكان أمام نظام (آل سعود) طريقان، إما أن يواجه ويهاجم ويحشد العملاء معه أو يستخدم أسلوب اليهود (وهو منهم نسبا وعلاقات ومصالح كما يعلم الكافة) القائم على الدهاء والمكر والالتفاف، حيث ستكون النتائج أكثر ضمانا وفعالية، فى ظل حكام عرب غير مبدئين فى مجملهم، ولائهم لكراسيهم وليس لأمتهم، وهو ما تم بالفعل، ودعى (العاهل السعودى) للمصالحة على غداء شهى، لم يلاحظوا فيه رائحة الدم الفلسطينى المراق بسبب تأمرهم وتواطؤهم خاصة اؤلئك المعتدلين و نسوا جميعا المطالب والحقوق العربية واكتفو ببوس الحى على طريقة ال سعود .
تلك هى أبعاد المؤامرة التى تمت فى الكويت، التفاف حول المطالب العربية واجهاض لقرارات قمة الدوحة بشأن (المبادرة السعودية سيئة السمعة- التطبيع – دعم المقاومة عسكريا) وتحولت قمتهم إلى قمة لبوس اللحى والطنين حول الدور القومى العظيم لخادم الحرمين، والذى لو تفحصوه قليلا لاكتشفوا أنه دور لصالح واشنطن، ولسرقة النصر العربى فى غزة، واجهاض المطالب العادلة للشعوب العربية، وفى طليعتها الشعب الفلسطينى، لقد تصافح القادة على مأدبة غداء الملك عبد الله، وابتسموا، وكأن كل هذا الدم الذى نزف وأريق فى غزة كان مجرد قربانا لمصافحتهم، وكان مجرد رقما فى بورصة خلافاتهم التافهة مثلهم. إن الواجب الشرعى يفرض علينا التنبيه إلى أن ما جرى ليس سوى مؤامرة جديدة تستهدف ارض الرباط وأولى القبلتين، فلسطين؛ وأن الذى يقودها هذه المرة، من يدعى أنه يخدم (الحرمين الشريفين) فى مكة، وهو فى الواقع يخون المقدسات جميعا، فلا هو مؤتمن على الأقصى، ولاعلى الحرمين، انه ينفذ مخططا أمريكيا – إسرائيليا قديما جديدا؛ وباسم المصالحات الشكلية ، يجهض الانتصار ويحاصره، ويطعن المطالب العربية والإسلامية الشريفة فى مقتل، فهل ينتبه العقلاء فى بلادنا أم أن الغفلة قد امتدت إلى الجميع، فلم نعد نفرق بين الخبيث والطيب؟
ولا حول ولا قوة إلا بالله.