فاجأ الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز الحضور في القمة العربية الاقتصاديّة في الكويت، وجمهوراً كبيراً خارجها، بالخطاب الذي ألقاه، وتلاه بعقد لقاء مصالحة ومصارحة مع الرئيس السوري بشار الأسد وأمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني. اللقاء أتى على المناخ الذي ساد لدقائق بعد خطاب الرئيس المصري حسني مبارك غير المفاجئ لناحية رفض اتهامه بالتقصير إزاء وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والذي كان يعكس المناخ الانقسامي، وذلك على الرغم من أن الرئيس السوري كان هادئاً في كلمته، منطلقاً من كونه يتحدث بصفته رئيساً للقمة، ومركزاً على مسألة الشرعية الثابتة لقوى المقاومة، ومعرباً عن رأيه بصعوبة السلام مع إسرائيل.
وخلال دقائق قليلة، انقلبت الأجواء في الكويت، سواء على مستوى أعضاء الوفود الرسمية أو الوفود الإعلامية الكبيرة التي كانت في مكان بعيد عن قصر بيان، حيث لم يتح إلا لعدد قليل من الإعلاميين الحضور هناك.
وشُغل الجميع بمتابعة الحدث ومحاولة فهم خلفية الخطوة السعودية وملاحقة الأخبار المقتضبة عن لقاءات المصالحة الثنائية والثلاثية والخماسية والسداسية، علماً بأن وزراء الخارجية والمندوبين ظلوا في اجتماع طويل حتى منتصف الليل يبحثون في صيغة البيان الختامي، وسط استمرار التباينات إزاء عدد من النقاط، أهمها كيفيّة التعامل مع الساحة الفلسطينية في المرحلة اللاحقة.
وتحدّث كثيرون عن أن مفاجأة عبد الله لم تقتصر على أعضاء الوفود الأخرى، بل أيضاً على أعضاء في الوفد السعودي، إذ تبيّن أن أعضاءً في هذا الوفد وإعلاميين مرافقين على غير اطلاع، ولم ينجحوا في شرح الموقف، فيما بدت علامات الأسى على وجوه المتطرفين منهم في العداء لسوريا.
وكان الكويتيون يحرصون على أهمية تحقيق هذه النتيجة في القمّة، وتحويلها من قمة تكريس الانقسام العربي إلى قمة التلاقي والحوار. حتى إن الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، بدا غريباً في انفعالاته، التي وردت في خطابه عن حال الأمة العربية، وضاعت الأخبار المنسوبة إليه عن رغبته في الاستقالة من منصبه، حتى إنه لم يثر الأمر من قريب ولا من بعيد في الاجتماعات المغلقة.
وفتح خطاب الملك السعودي الباب أمام شكل جديد من الاتصال والتحاور بين كتلتين عربيتين انقسمتا بشأن القرب أو البعد عن فلسطين، رغم أنه لا أحد من المعنيين أعطى معلومات مفصلة عن حقيقة ما حصل. وظل التداول بأخبار اعتبرت ممهدة للخطوة السعودية، من ترويج قناة «العربية» لمفاجأة مرتقبة من الملك السعودي، إلى اقتراب رئيس الاستخبارات السعودية الأمير مقرن بن عبد العزيز من الوفد السوري ومصافحة جميع أعضائه بحرارة مصحوبة بقبلات، حتى إنه عندما أنهى الملك خطابه، التفت صوب الوفد السوري ورفع إبهام يده اليمني كعلامة رضى على ما حصل. وكان لافتاً أن وزير الخارجية سعود الفيصل بدا كأنه خارج تفاصيل ما قام به الملك أو غير مرحّب بالخطوة.
وعُلم أن أمير الكويت صباح الأحمد الصباح، كان قد بدأ اتصالاته لهذه الغاية مباشرة بعد قمة الدوحة، وهو حرص على توفير نصاب كامل للقمة، لكنّه كان يبدي خشية من حصول الانفجار في ضيافته، ولذلك أجرى بمساعدة من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، سلسلة من الاتصالات مع الرؤساء العرب، استمر جانب منها حتى خلال انعقاد القمة، وخصوصاً مع الرئيس المصري الذي أخّر وصوله إلى الاجتماع إلى أقصى حدّ ممكن. وقال مسؤولون إن مبارك تعمّد ذلك كي لا يقع تحت ضغوط الرغبة في تحقيق المصالحة، حتى إن مسؤولين مصريين كانوا قد سرّبوا لإحدى الصحف العربية أن «مبارك لا يريد مصالحة من أساء إلى مصر».
هذا الطابع اتسمت به كلمة مبارك أمام القمة، فيما كان الطرف الآخر أكثر تجاوباً، وتمثّل ذلك في نوعية العبارات التي اختارها الأسد وعبد الله في خطابيهما، بينما اتُفق على عدم إذاعة مقررات قمة الدوحة في خطاب كان متوقعاً لأحد الرؤساء العرب، بل إحالتها كورقة تقدم في الاجتماعات المغلقة على مستوى الرؤساء ووزراء الخارجية، ولا سيما أن الملك السعودي قدم ما اعتبره حلاً وسطاً للموقف من السلام مع إسرائيل، إذ اعتبر أن التلويح بسحب المبادرة العربية يمثّل مخرجاً بين موقفين، يطالب الأول بإعلانها ميتة، وآخر يريد إبقاءها أساساً للاتصالات في المرحلة اللاحقة.
وفي الحديث عن الاجتماعات التي أعقبت الحفل الافتتاحي وإلقاء الكلمات، فقد تولى أمير الكويت اصطحاب الرئيس السوري وملك البحرين إلى مقرّ إقامة الملك السعودي، ثم لحق بهم أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني. وكان السلام عادياً بين الرجلين، على ما أفاد أعضاء في الوفود المشاركة، تبعه كلام لأمير الكويت عن أهمية العلاقات العربية ـــــ العربية الجيدة وما تفيده للأمة العربية، وتذكير بالعلاقات التاريخية التي تربط السعودية بسوريا، أعقبه كلا
م «مجاملة» تبادله الأسد وعبد الله، الذي كرّر أنه يكن لسوريا وللرئيس الأسد المحبة، وذكّره بعلاقته بوالده الرئيس الراحل حافظ الأسد.
م «مجاملة» تبادله الأسد وعبد الله، الذي كرّر أنه يكن لسوريا وللرئيس الأسد المحبة، وذكّره بعلاقته بوالده الرئيس الراحل حافظ الأسد.
وخلال اللقاء الموسع، الذي انضم إليه مبارك وملك الأردن عبد الله الثاني، ظلت الامور «باردة» بين الرئيسين المصري والسوري، حتى إن مصدراً مطلعاً لفت إلى أن الكلام ظل في غالبية الوقت بين الأسد وملك السعودية، فيما كان مبارك مستعجلاً الخروج ومن ثم السفر عائداً إلى القاهرة، بينما وجه الملك السعودي الدعوة إلى نظيره السوري لزيارة الرياض في أي وقت.
وجرى التطرق إلى الوضع العام في العالم والمنطقة ربطاً بالعدوان على غزة، وعرض الأسد وجهة نظره حول أهداف إسرائيل التي تتجاوز قوى المقاومة. وأكد أهمية دعم هذه المقاومة وعدم منح إسرائيل أي مكافآت على عدوانها، وعدم منحها أي مكاسب سياسية. ورد الملك السعودي بالتأكيد على أن دعوته إلى تجاوز الخلافات العربية تنطلق من أنه شعر كيف أن إسرائيل استغلت هذه الخلافات، كما استغلت الخلافات الفلسطينية ـــــ الفلسطينية.
وقال دبلوماسي في الوفد السوري إن «اللقاء اتسم بقدر كبير من الصراحة والجدية، وإن الطرفين يعرفان دقة الموقف وإن الخلافات قائمة حول مسائل معقدة، وليس متوقعاً حلّها بهذه السهولة».
وفي تعليقه على اللقاءات، قال رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، إن خطاب الملك السعودي أعد لمصالحة قادها الملك عبد الله وأمير الكويت. وأضاف «أن هناك وعداً واضحاً من هؤلاء القادة بمصالحة حقيقية وواضحة من القلب». وتابع ان «القادة غادروا مأدبة الغداء التي أقامها الملك السعودي بتفهّم أن فتح صفحة جديدة من شأنه أن يفيد ويعزز الموقف العربي».
وقال الشيخ حمد إنه كانت هناك بعض أوجه لسوء التفاهم بشأن قمة الدوحة التي لم يقصد بها أن تحل محل قمة الكويت. وأضاف أن القادة العرب يأملون أن يتحدوا لتعزيز الموقف العربي.
■ من فوق إلى تحت
على وقع المفاجأة التي بدت شاملة لأكثر من طرف، فقد انتقل الوزراء الى الاجتماع المغلق للتدارس في صياغة بيان ختامي. وعندما طرحت الأوراق على الطاولة، تبيّن أن الاجواء الانفتاحية التي سادت على مستوى الرؤساء لم تنعكس على مستوى الاطر الادنى، حتى إن المندوبين من السلطة الفلسطينية ومصر والسعودية والاردن قدموا مواقف لا تعكس تغييراً جديّاً في المواقف.
وعلمت «الأخبار» أن فريقاً يمثّل قمّة الدوحة قدّم مقترحات المقررات التي صدرت، وأهمها سحب المبادرة العربية وتجميد العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وتحقيق ما يحتاج إليه الفلسطينيون في غزة وتأكيد شرعية المقاومة وتمثيلها في الشارع الفلسطيني. وفي المقابل، كان الطرف الآخر يرد بمواقف لا تعكس أي جديد.
وقال المندوب السعودي إنه «لا يمكن إلغاء المبادرة العربية للسلام لأنه ليس هناك من بديل، وإن من يريد أن يلغي هذه المبادرة فهو يريد التوجه إلى خوض الحرب مع إسرائيل». ودعا الى الاكتفاء بما ورد في خطاب عبد الله لناحية التلويح بإلغاء المبادرة.
وأكد المندوبان الاردني والفلسطيني أن على العرب الاستفادة من حرب غزة «لمواجهة اسرائيل باستراتيجية السلام وهذا ما يحرج إسرائيل»، فيما كان المندوب الفلسطيني يحتج على دعوة قادة فصائل المقاومة الى قمة الدوحة ويسأل عن الصفة التي يتحدث بها رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل.
بدوره، طالب المندوب المصري بإصدار بيان يشيد بالجهود المصرية لتحقيق وقف إطلاق النار، وبقرار مصر فتح معبر رفح أمام المساعدات الانسانية، وتأييد المبادرة والجهود المصرية لإنهاء العدوان على غزة وإزالة آثاره وإعادة تنظيم السلطة الفلسطينية.
رد المندوبان السوري والقطري بأن هذه المواقف لا تعكس تفاهماً بل تزيد من الخلافات. وحاول المندوب الكويتي التوفيق بين الحاضرين الى أن اقترح تأجيل البنود السياسية الخلافية إلى القمة العربية في الدوحة في آذار المقبل لتحديد استراتيجية عربية ازاء ملف الصراع مع إسرائيل. واقترح المندوب السوري في هذا السياق التركيز على ما يريده الفلسطينيون الآن. وشدّد على أهمية إنهاء العدوان بكل أشكاله الحربية وسحب قوات الاحتلال وفك الحصار وفتح جميع المعابر وتقديم كل أشكال الدعم لأبناء غزة.
وبعدما تبيّنت صعوبة الاتفاق على نقاط، ألفت لجنة صياغة تبحث في بيان عام من القضايا السياسية وتركز على أمور غزة، على أن يعقد عند العاشرة من قبل ظهر اليوم اجتماع أخير لبت الصيغة النهائية، على أمل أن يكون الفريق الكويتي قد حقق تفاهمات اكبر، قبل أن تعقد الجلسة الختامية وبعدها يصار الى إذاعة البيان الختامي.
عن (الأخبار)