مقارنة ما بين العقلانيين والواقعين من جهة
والمراهقين الجدد والمغامرين من جهة أخرى
بقلم :- راسم عبيدات
……..في إطار تبرير النظام العربي الرسمي لحالة العجز والهوان والتخاذل والانهيار والتآمر،وفقدان الإرادة السياسية وإسقاط خيار المقاومة،فإنه من بعد الحرب العدوانية التي شنتها إسرائيل على حزب الله والمقاومة اللبنانية في تموز/2006 ،بدأ بإطلاق توصيفات ومصطلحات على قوى المقاومة العربية،في سياق الاستخفاف بها وتقزيم دورها وانجازاتها بالقول أنها مجموعات من المغامرين،وهذه المجموعات لا يمكنها أن تحقق أية انتصارات على العدو الإسرائيلي،بل هذه المقاومة تدمر بلدانها،وتقوم بهذا العمل خدم لأجندات وأهداف غير عربية وقومية ووطنية،وحسبنا أن الأمر أتى في إطار وسياق الخلاف المذهبي كون حزب الله شيعي وبالتالي التوصيف جاء ضمن هذا المنظار والرؤية،وليس بقصد التطاول على المقاومة نهجاً وخياراً وثقافة وقوى،ولكن بعد الحرب العدوانية التي شنتها إسرائيل على حماس والشعب الفلسطيني في القطاع،واتضاح حجم التآمر من قبل بعض أطراف النظام الرسمي العربي،والتي وصلت حد المشاركة في العدوان،وتوصيف البعض لقوى المقاومة بأنها مجموعة من المراهقين الجدد،ناهيك عن تعطيل أي جهد عربي جدي من أجل لجم ووقف العدوان الإسرائيلي على شعبنا الفلسطيني في القطاع،والإصرار على موافقة قوى المقاومة على المبادرة المصرية كما هي بدون أية تعديلات كشرط لوقف العدوان،وكذلك المماطلة والتسويف في عقد قمة عربية من أجل غزة،واستخدام نفوذها المالي والسياسي من أجل منع اكتمال النصاب في قمة الدوحة(قمة غزة)،ورفض أية خطوات أو إجراءات من شأنها المساهمة في وقف العدوان،مثل سحب ما يسمى بالمبادرة العربية للسلام وقطع العلاقات مع إسرائيل للدول التي لديها سفارات وممثليات تجارية إسرائيلية،ووقف التطبيع بكافة أشكاله العلنية والسرية وغيرها،وبدلاً من ذلك أصرت بعض أطراف النظام الرسمي العربي على أن المبادرة العربية للسلام والتي داستها إسرائيل بدباباتها أكثر من مرة،وبحيث أصبحت كالنعش الطائر يجري ترحيلها من قمة إلى أخرى،وفي كل قمة يجري الهبوط بسقفها وشروطها من أجل أن توافق إسرائيل عليها ولكن دون جدوى،حتى أنه في قمة شرم الشيخ،والتي جاءت على عجل ولإنقاذ ماء وجه الحكومة المصرية،والتي تلقت أكثر من صفعة إسرائيلية،حيث أن إسرائيل استخفت بمصر ومبادرتها،عندما عقدت “ليفني”اتفاقية أمنية مع “رايس”،ومن ضمن شروطها نشر قوات دولية على الحدود المصرية من أجل منع المقاومة الفلسطينية من التسلح،واعتبار موافقة مصر تحصيل حاصل دون مشاورتها في الموضوع،وكذلك إعلان”أولمرت” وقف إطلاق نار من جانب واحد وبمعزل عن المبادرة المصرية.
ورغم كل هذه الصفعات والاستخفاف الأمريكي والأوروبي الغربي بما يسمى بمعسكر الاعتدال العربي،إلا أن هذا المعسكر لم ينسى أن يحدثنا ويذكرنا بالنصوص المقدسة والتي تصلح لكل زمان ومكان نصوص المبادرة العربية،وقمة الكويت الاقتصادية والتي فرض العدوان الهمجي الإسرائيلي نفسه عليها بقوة،لم يكن في واردها سحب هذه المبادرة وطرح بدائل عملية عنها،إما أن تلتزم بها إسرائيل أو يتم استخدام وسائل وإجراءات ضاغطة أخرى سياسية وعسكرية ومالية عربية تمكن من استعادة الحقوق العربية وتحرير الأوطان.
إن معسكر المقاومة سواء في العراق أو لبنان أو فلسطين يحقق الكثير من الانجازات التي من شأنها أن تعيد الهيبة والاعتبار والكرامة لهذه الأمة،وتشكل روافع جدية من أجل طرد وتحرير الأوطان من قوى البغي والعدوان،والتي تحاول فرض شروطها واملاءاتها على هذه الأمة،وتنصيب ودعم حكومات معزولة ومفصولة عن جماهيرها وتأتمر بإمرتها خدمة لأهدافها ومصالحها.
إن دول وقوى ما يسمى بالنظام الرسمي العربي وخصوصاً(معسكر الاعتدال) منه،والتي لا تفوت أية فرصة من أجل أن تمارس التحريض والتشهير بقوى المقاومة والمعارضة والممانعة العربية،وكأن هذا الخيار أي خيار المقاومة رجس لا يجوز الاقتراب منه أو التلويح به،وكأنه المسؤول الأول والأخير عن ما آلت إليه أوضاع النظام الرسمي العربي من ردة وانهيار وفقدان أي دور ووزن في القضا
يا العربية والإقليمية والدولية،وهي ترفض أن تكون المصالحة والتضامن العربي خارج إطار وأساس التفاوض والانحياز إلى المعسكر الأمريكي- الأوروبي الغربي،والذي أثبت بشكل قاطع وملموس في كل المعارك التي خاضتها قوى المقاومة والممانعة العربية،مدى انحيازه ودعمه لإسرائيل،حيث وجدنا في العدوان الوحشي الإسرائيلي على شعبنا في قطاع غزة،مدى التسابق الأمريكي والأوروبي الغربي لدعم إسرائيل عسكرياً ومالياً وسياسياً ،والذي وصل حد تجند كل بحرية أوروبا الغربية لمراقبة كل البحار والمحيطات والممرات المائية الموصلة إلى غزة،لمنع تسلح المقاومة الفلسطينية،وتأمين الحماية لإسرائيل واستمرار عدوانها واحتلالها.
ولعل هذا النظام الرسمي العربي المتآكل الدور والوظيفة،وجد هناك الشماعة التي يعلق عليها تخاذله وعجزه وانهياره وتآمره وردته،ألا وهي بروز إيران كقوة إقليمية،وتحولها إلى لاعب رئيس في أكثر من ساحة عربية من بغداد ومروراً بدمشق وبيروت وانتهاءً بقطاع غزة،وبالتالي عدا عن أن إيران تشكل خطراً على “الأمن القومي العربي”،فقوى المقاومة والممانعة خيارها المقاوم هذا،ليس من أجل العرب والعروبة وتحرير الأوطان واستعادة الحقوق والكرامة والهيبة والدور والوجود،بل خدمة لقوى إقليمية وبالتحديد إيران.
ومن هنا وجدنا دول معسكر الاعتدال جندت كل إمكانياتها مادياً وسياسياً ودينياً،لكي تشن حملة تحريض وقدح وتشهير بقوى المقاومة والممانعة،مستخدمة المذهبية في حربها وتحريض الجماهير العربية على حزب الله وحماس وسوريا وايران.
والمتتبع لقمة الكويت الاقتصادية،بإمكانه أن يلحظ أن هذه المعسكر المعتدل،لا يريد لهذا القوى الإقليمية تركيا وإيران،أن يكون لها دور فاعل في الشأن والقضايا العربية،على حساب الدور والتحالف والعلاقة مع أمريكا وأوروبا الغربية،فعلى سبيل المثال لا الحصر،عند الحديث عن المصالحة الفلسطينية،حصر هذا الدور بمصر،وبمعنى آخر إبعاد إيران وتركيا عن هذه الدائرة بعد أن خطفت وصادرت أدوار المعسكر المعتدل وبالتحديد مصر والسعودية،ولعل التبرع السعودي بمليار دولار لإعادة أعمار ما دمره الاحتلال في القطاع،في جانب منه له علاقة في هذا الجانب،وكذلك الحديث عن اعمار قطاع غزة ومن خلال البنك الدولي،وليس من خلال الحكومة المقالة في غزة أو سلطة رام الله، له علاقة مباشرة بأن لا يتم أي استثمار سياسي لقوى المقاومة،يعزز من صمودها ودورها وشعبيتها وجماهيريتها وخيارها وما حققته من انجازات في معاركها العسكرية مع إسرائيل.
ونحن لسنا ضد المصالحات والتفاهمات العربية- العربية،ولكن جوهر الخلاف هو الأساس الذي يجب أن تكون عليه هذه المصالحات،والرؤية القاصرة عند البعض بأن أساس المصالحة والتضامن العربي،يجب أن تضمن السير في الركب الأمريكي- الأوروبي الغربي،وليس أساسه المصالح العربية وطرد المحتلين واستعادة الهيبة والكرامة والدور العربي من خلال المقاومة واستخدام المصالح والإمكانيات والطاقات العربية الاقتصادية والمالية خدمة لهذا الدور.
القدس- فلسطين
20/1/2009