عن أي وحدة صف عربي يتحدثون؟
بقلم : زياد ابوشاويش
قمة غزة في الدوحة أوصت بمجموعة من الإجراءات والقرارات إعتبرها الحاضرون الحد الأدنى لنصرة غزة ودعم أهلها الصامدين، كما رأى المجتمعون في الدوحة أن هذه الاقتراحات والتوصيات تلبي في قسم منها مطالب الشارع العربي والإسلامي، وتستجيب لنبضه الغاضب والمطالب بعمل حقيقي لمواجهة العدوان، أقله فتح معبر رفح ووقف تصدير الغاز للعدو من مصر العربية وقطع العلاقات مع اسرائيل وطرد سفرائها وممثليها من العواصم العربية. هذه القمة الموصوفة بحق قمة القمم والتي جمعت أغلبية الدول العربية رغم عدم اكتمال نصابها بالثلثين وحضرتها الدول الاسلامية الكبرى على أعلى المستويات، وغابت عنها جامعة الدول العربية هوجمت بشدة من بعض القيادات والحكومات العربية ومن بعض الأقلام المشبوهة، متهمة إياها بشق الصف العربي وتعكير صفو التضامن العربي …إلى آخر ما هناك من اتهامات غريبة ومرتجلة ولا أساس لها من الصحة. إن أول ما يلفت النظر في منطق هؤلاء أن قمتين عقدتا في نفس الفترة إحداها خليجية قبلها والأخرى عربية أوروبية بعدها ولم يقل بشأنهما أي ملاحظة حول شق الصف أو استباق قمة الكويت بالعصي في دواليبها وغير ذلك من الاتهامات التي ألصقت بقمة الدوحة.
لقد جرت في النهر مياه كثيرة منذ بدء العدوان الوحشي على غزة، واتضحت معالم المؤامرة المرسومة منذ فترة طويلة بشواهد لا تبدأ بعرقلة عقد قمة عربية طارئة بمختلف الطرق دعا إليها أكثر من بلد عربي كسوريا وقطر بعد يوم واحد من العدوان على القطاع ولا تنتهي بالإصرار المصري الرسمي على إغلاق معبر رفح وفتح معركة إعلامية قاسية مع المطالبين بفتحه.
كما أن الأطراف غير العربية المشاركة في ذبح الشعب والقضية الفلسطينية تحت ذرائع كاذبة وخادعة قد تصرفوا بوضوح وبدون أقنعة فيما يخص دعم العدوان على غزة عبر شحن الأسلحة والعتاد الحربي لإسرائيل والتوقيع معها على اتفاقية أمنية لمنع وصول الدعم للمقاومة، وعرقلة التحركات الأممية للجم العدوان ووقفه كما فعلت أمريكا صديقة وحليفة محور الاعتدال العربي الذي هاجم قمة غزة في الدوحة، أو بتقديم الدعم السياسي والمعنوي لإسرائيل وتبرير العدوان كما فعلت أوروبا منذ بداية العدوان وحتى اجتماع قادتها (الذين حضروا قمة شرم الشيخ في مصر) بأركان الحكومة الصهيونية بعد هذه القمة، ومؤكدين حرصهم الشديد على أمن إسرائيل والعمل على حمايتها ومساندة كل ما من شأنه وقف المساعدات للمقاومة الفلسطينية تحت عنوان منع تهريب السلاح إلى حماس في قطاع غزة. الملفت أن هذا العداء الواضح والصريح من المعسكر الغربي الظالم والمنحاز لعدونا لا يستفز الذين يتحدثون عن شق الصف العربي ولا يثير لديهم أي نوازع للنخوة والحمية العربية، خصوصاً أن هذا المعسكر هو الذي يصنفنا بين معتدلين ومتطرفين ويزرع كل بذور الشقاق والفرقة بيننا، بينما نجدهم يتسابقون على مهاجمة الذين اجتهدوا بشكل سليم وطبيعي لنصرة أهلنا ومقاومتنا في غزة بعد أن عجز الجميع بمن في ذلك مجلس الأمن الدولي والقمة الخليجية بزعامة السعودية عن وقف العدوان أو تخفيفه.
وكما نلاحظ فإن كل الحديث عن وحدة الصف العربي تدور حول تصنيف واحد وتوجه واحد لهذا العنوان المهم والضروري، هذا التصنيف الذي يضع كل العرب في الخانة الأمريكية ويدعو لوقف كل أشكال المقاومة، وللتمسك بالسلام الفاقد للمقومات مع العدو الاسرائيلي وتحديد ممر وحيد لهذا السلام إسمه المفاوضات ثم المفاوضات إلى ما شاء العدو وحلفاؤه الأمريكيون.
وفي المقابل يجري تسطيح وتسخيف أي رأي أو اجتهاد ينادي بتضامن عربي حقيقي يحمي مصالح الأمة عبر استخدام كل ما تملك من مقومات سياسية واقتصادية وعسكرية ووسائل ضغط ومقاومة في وجه معسكر الأعداء المدجج بالسلاح والمال وغيرها من وسائل القوة، كما يجري تشويه كل فعل مقاوم أو ممانع للمخطط الأمريكي الصهيوني الرامي لوأد المقاومة ووصفه بالمغامر أو المتسرع. وقد رأينا كل هذا وسمعناه في عدوان تموز عام 2006 على لبنان كما نسمعه وسمعناه اليوم أثناء العدوان الحالي على غزة، ناهيك عن محاولات تشويه مواقف كل من ينادي بدعم الشعب الفلسطيني ومقاومته المسلحة بأبسط الإمكانيات والتشكيك بصدقيتها.
إن التضامن ووحدة الصف العربي على أساس الاستسلام والخضوع للإملاءات الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية تحت دعاوي الواقعية وعدم قدرة اليد على مواجهة المخرز يعني ضمنياً الوقوف مع الجلاد ضد الضحية كما يعني بشكل أوضح نصرة العدو على الشقيق الأمر الذي ترفضه جماهير أمتنا العربية والشعوب الاسلامية التي خرجت بالملايين لتأكيد معنى التضامن ووحدة الصف الحقيقية في مواجهة العدوان ومقاومته، وليس ما يطالب به هؤلاء، هذا المعنى الذي حاولت قمة غزة في الدوحة أن تجسده في قراراتها وتوصياتها لمؤتمر الكويت.
إن وحدة الصف خلف السياسة الأمريكية أمر مرفوض أياً تكن مبررات ذلك، وعلى قادة الأمة العربية أن يحترموا شعوبهم ومطالبها لنصرة أشقائها سواء في فلسطين أو أي بلد عربي آخر، ولا أعتقد أن الحديث عن وحدة الصف العربي سيكون ذا مغزى إن أصر محور الاعتدال العربي على سياسته المناهضة لرغبة الشعب العربي في معاقبة العدوان والتصدي لاسرائيل بكل الوسائل.
زياد ابوشاويش