عندما تحتك غزة بمصر وتشعل فيها شرارات ساخنة، فان سلامة امن، وكرامة مصر تسبق غزة بل والعالم العربي بأسره. حزب السلطة في مصر بعث اول امس بأمرين بعيدي الاثر: واحد الى وزارة الاعلام في ان تأمر سلطة التلفزيون والراديو بعدم بث اناشيد وطنية فلسطينية و”الاكتفاء بالاغاني ذات الوتيرة الهادئة” والثاني الى وزارة التعليم لتمنع اطلاق الاناشيد الوطنية بين جدران المدارس، وبشكل عام “في الايام القريبة عدم انشاد اناشيد على العروبة او على الجهاد”. هذان الامران هما جزء من سياسة حسني مبارك، الذي لم يتردد حتى عن الشرخ الذي تخلقه قراراته في العالم العربي. بالتنسيق مع السعودية قرر مبارك الا يبعث ممثلا، فما بالك ان يظهر بنفسه، الى مؤتمر القمة العربية الجزئية الذي انعقد يوم الجمعة في الدوحة : وهو يصر على الا يفتح معبر رفح الا على اساس الاتفاق من العام 2005، الذي لم توقع عليه مصر؛ من خلال وزير اعلامه يوجه الصحافيين في مصر لمواصلة مهاجمة حماس حتى بعد القرار بوقف النار .
مبارك يدير معركة صد ضد كل “راكب بالمجان” يحاول او سيحاول ان يسحب من مصر الاحتكار على معالجة “المشكلة الفلسطينية” هكذا مثلا شل الاردن منذ زمن بعيد عن التدخل، مع سوريا مصر لا تدير اي حوار مباشر، المحاولة التركية – السورية لعرض بديل عن المبادرة المصرية افشلها المصريون (بمساعدة امريكية) وقطر التي ضمت الى المحور السوري التركي يعتبرها المصريون غرضا مشبوها.
كما ان ترميم غزة سيكون جزءا لا يتجزأ من ساحة الصراع هذه. من سيرغب في التبرع وكذا ان يرى نتائج لتبرعه سيتعين عليه ان يمر عبر القاهرة او عبر السلطة الفلسطينية في رام الله، تقرر مصر التي ستواصل الحرص على الابقاء على تعلق حماس بالنية الطيبة لمصر.
غير ان لمطاردة الاحتكار المصري يوجد ثمن. الحفاظ على الحدود بين مصر وغزة لا يمكن ان يكون ناجعا دون حل مشكلة البدو في شمالي سيناء، الذين عملوا طوال الزمن الاخير كوسطاء تموين للقطاع. كما ان مبارك سيتعين عليه ان يقنع اسرائيل السماح بتشغيل لبضعة الاف اخرين من الجنود المصريين على طول الحدود وسيخاطر بالحصول على لقب “حارس الحدود” لاسرائيل كما سيتعين على مبارك ايضا ان يستأنف الحوار مع حماس، وذلك لانه حسب مبادرته المرحلة الثالثة من وقف النار هي عقد حوار مصالحة بين فتح وحماس. يبدو ان بعد 27 سنة من الحكم و 81 سنة من الحياة فان صحن الرئيس المصري لا يزال مليئا.
هآرتس – مقال – 19/1/2009