يتفاجئ بعض الناس من إختيار هذا العنوان المستفز للعواطف التي تحكم أصحابها، والحقيقة أنه كلام واقعي تؤكده التقارير وتشهد به الألسنة كل يوم، بعد انقلاب الموازين ،وليس تعبيرا استعباطيا يدعوا إلى السخرية بل هو من المفارقات التي تجعل الحليم حيرانا.
أعذروني أيها الاخوة على استخدام هته العبارات، فقد رأيت بأم عيني مدير مكتب الجزيرة ينقل إلينا حوارا مباشرامن سجن بأرض فلسطينية محتلة ،لأحد القيادات الشعبية ، يتكلم فيها بلغة أكاديمية رفيعة المستوى
،لاتستطيع أن تجدها عند من نعموا بالإستقلال طوال حياتهم، خاصة إذا ماتعلق الأمر بعجائز الحكومات ،انتابتني الدهشة وسرح بي الخيال وأنا أغوص في الأعماق تحت وقع كلماته،إلى أن وصلت في النهاية الى هته المفارقة ،التي ربما يعتبرها البعض أنها سفسطة كلامية، أو ترديد لصيحات في وادي ،وإليكم نشير فاسمعي ياجارة.
أعذروني أيها الاخوة ،عندما أرى شعبا مُكبّلا من كلّ النواحي وأرى الطفل الفلسطييني يتسلّق الجدران ماشيا من دون تردّد، ذاهبا إلى المدرسة وهو يفتقد إلى أبسط الضروريات، ومع ذلك أراه شامخا كالطود ،يحمل علم بلاده بارادة فلاذية حديدية لايملكها الكثير من المسترجلين،مُسلّما بعدالة قضيته ،مؤمنا بأن النصر إلى جانبه قادم لامحالة.
أرى المرأة عند استشهاد ولدها تتحدى الارادة الصهيونية اللّعينة ،وتعلن ،بأنها ستنجب وستعطي مالم تعطيه من قبل.أرى تلك العجوز الناحفة وهي مُتمسّكة بجذع الشجرة،في غياب إعلام يغطي آهاتها ،وتبعث برسالة الصمود والتشبث بالأصول ،تصل إلى إلى الجماد فيتحرك.
أرى ذلك الشيخ النَّحل يحمل عصاه ويتوكئ بها ،ذاهبا ليصلّي في المسجد الاقصى ،متحديا بكبرياءه تلك الأسلاك والحواجز الأمنية.أرى الفتاة وهي في مقتبل عمرها تذهب لتستشهد، تاركة وراءها زخرف الحياة الدنيا.أرى الطفل وبيت والديه مهدّم وهو ميتّم ،يبحث في الرّكام على لعبة يتسلى بها ولسان حاله يقول :لاتسطيعوا أن تكسروا هامتى ،ولن تستطيعوا تهديم رغبتي في الحياة .
أرى الشاب يذهب للجامعة في نشاط وحيوية ،ولو سألنا التحدّي مااسمه ،لقال لنا بأنني شاب فلسطيني . أرى الرئيس عرفات رحمه الله ينام على سرير في حجرة ويتناول حساء ، يقاوم آلة الحرب بكل عزّ وإباء حتى آخر يوم في حياته .
أرى التنافس الانتخابي في فلسطين داخل أسوار وجدران،وأرى ذلك التعبير البلاغي الذي تنقله إلينا وسائل الاعلام المحاصرة،وأتابع التحليلات بكل شغف لتلك اللغة العربية السليمة والراقية التي يتحدثها شعب فلسطين .
أرى الجرحى وهم ينزفون دما لايتألمون لما أصابهم بل بصبر وثبات يذوب له الحديد وتتفتت له الأحجار…
في المقابل أرى دولا تزعم أنها مستقلة و قوادها لايحسنون حتى القراءة، مع أن الخطابات مُحضرة سلفا ،مكتوبة بآلة راقنة ،مصحّحة آليا ،حجمها يفوق حجم أعينهم ،ومحتواها لايساوي حبرها.
أرى الكثير من الفضائيات الحكومية وهي تنقل إلينا حصصا تلفزيونية بلغة ركيكة لمنشطين كأنهم ولدوا خارج الديار، غرباء غرابة المحتل عن الأرض الشريفة .
أرى شبابا يمتلك الكماليات وهو يائس تائه ،أرى الأحزاب التي تدّعي المعارضة وهي غائبة عن الحدث وكأنها خُلقت لتيئيس الشعوب.أرى المستشفيات العربية لاتستطيع أن تتحمل جراح حوادث المرور، في حين، ،فلسطين كلّها جراح ودماء تنزف ،ومع ذلك بعد خروج الإحتلال ترى الحياة تدُبّ والأمل يزداد.أرى جامعاتنا تحولت إلى بيوت بغاء.أرى شبابا يطالب بعودة الإستعمار من شدة الإحباط وأرى في المقابل شبابا يطرد الإستعمار
…لا أملك إلا ان أقول:فلسطين ليست محتلة.
2006