بقلم: علي الصراف
بعد مضي الأسبوع الأول من العدوان الإسرائيلي على غزة، وبعد مقتل أكثر من ألف فلسطيني، وجد وزراء الخارجية العرب أنفسهم منهمكين في السعي لإصدار قرار “ملزم” من مجلس الأمن لوقف إطلاق النار “فورا”.
وبعد طول مساومات ومناورات دبلوماسية والكثير من الكلام الفارغ، صدر القرار رقم 1860 بأغلبية 14 صوتا وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت.
والآن. ماذا حصل للقرار؟
لماذا لم تطبقه إسرائيل “فورا”؟
وكيف هو “ملزم” بينما ظلت إسرائيل تمسح قفاها به؟
وما كانت قيمة ذلك العناء الذي بذله وزراء الخارجية العرب وأمين عام الجامعة العربية والرئيس الفلسطيني نفسه؟
وبدلا من أن يقول العرب: طز في مجلس الأمن، ليصفعوا وجه معاييره المزدوجة، فان إسرائيل هي التي قالت طز، إنما ليس بالمجلس وحده، ولكن بالعرب الذين تمسحوا به أيضا.
فهل الذهاب الى نيويورك، من اجل صدور قرار فارغ المعنى والمضمون، كان “متعة” بحد ذاتها؟
هل كان هذا هو “الشغل” الوحيد الذي يستطيع العرب عمله لنجدة أشقائهم من العدوان؟
وعندما يحصل عدوان آخر، هل سيذهب العرب، من جديد، الى مجلس الأمن؟
هل من أجل قرار لا معنى له، أم من أجل أن يمسح المجلس بهم قفاه؟
× × ×
بينما كانت إسرائيل تقصف غزة، بكل ما لديها من جنون وأسلحة، وبينما كانت محطات التلفزيون تنقل صورا حية لقذائف الفسفور الأبيض، وبينما كانت المستشفيات الفلسطينية تمتلئ بضحايا تلك القذائف، وبينما يعرف الجميع إن المعاهدات الدولية التي لا تمنع استخدام الفسفور الأبيض كسلاح، تُحرّمه عندما يتعلق الأمر بمناطق مدنية، ذهب رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر جاكوب كيلنبرغر الى غزة، ويا ليته ما ذهب. فهو كان هناك، ليس من اجل أن يواسي الأبرياء او يخفف معاناتهم بل ليغطي على المجرمين.
خارجا للتو من مستشفى، قال هذا الكيلنبرغر، في محاولة لإظهار مشاعر إنسانية مزيفة أن “الوضع فظيع. ومن المؤلم رؤية هؤلاء الجرحى وأنواع الجروح التي أصيبوا بها”.
ولكن عدا عن انه وجد “أن العاملين الطبيين لا يشتكون من نقص المعدات أو المواد”، قائلا أن “هناك الكثير من المواد التي تدخل”، على عكس ما كان يصرخ به كل الناس، فقد أطلق هذا الكيلنبرغر قنبلته الخاصة، بالقول (كما نقلت أ.ف.ب) انه لم يشاهد “أي دليل” على إصابة أي شخص بالقنابل الفسفورية.
أفهل كان هذا الكيلنبرغر أعمى القلب أم أعمى العين، أم كليهما معا؟ أم انه أعمى الضمير بالأحرى؟
ألم يشاهد التلفزيون؟
ألم يسأل نفسه، أو أي أحد في جواره، ما هذا السلاح الذي يشبه بأذرعه الأخطبوط الأبيض أو قنديل البحر؟
هل يمكن للحياد المزيف بين الضحية والجلاد أن يكون مجرد “اسم حركي” للنفاق؟
والمرء يستطيع أن يفهم لماذا لا يجرؤ هذا الكيلنبرغر، على انتقاد الجلادين، ولكن كيف يمكن أن يُفهم الحياد إذا بلغ حد العمى؟
وما نفعه أصلا؟
ما نفع منظمة تمارس دورها في إسعاف الضحايا وهي لا تُفرّق بين القاتل والمقتول؟
لماذا يجب أن تكون هناك منظمة تقدم خدماتها، باسم الحياد، للضحية والجلاد معا؟ طرف بشويّة معونات، وآخر بالكثير من التستر والتغطيات؟
ماذا كانت ستفرق لو لم تكن هناك منظمة نفاق كهذه؟
× × ×
على مدى أسبوعين ظلت مصر تتحدث عن مشروع هدنة. وعلى مدى أسبوعين ظل المسؤولون الفلسطينيون، من حماس وسلطة عباس، بين “رايح وجاي”. وجاء الرئيس الفرنسي، كما جاء الأمين العام للأمم المتحدة، ولكن لم يظهر طوال هذه الأسبوعين مسؤول إسرائيلي واحد.
من كان ممثل إسرائيل في المفاوضات على تلك الهدنة؟
ثم، وعندما أرادت إسرائيل أن توقف القتال من جانب واحد، فانها لم تلتفت اليه، ولا أخذت مشروعه بالاعتبار.
هل “إديتو زومبة”؟
هل قالت له: “خلاص، مش عاوزين، روح في حالك”.
وهل الدعوة الى “عقد مؤتمر دولي” كانت لتعويض الإهانة؟
×××
شن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي هجوما عنيفا الجمعة على الزعماء العرب الذين وصفهم بـ”الخونة” و”الخبثاء” لأنهم لم يقفوا الى جانب غزة في مواجهة “العدوان الإسرائيلي”.
ونحن نعرف أن الكثير من زعمائنا خونة وخبثاء. ولكن ما لم نكن نعرفه هو أن خامنئي صار أبو الشرفاء.
الإسرائيليون قد يكونون مَنْ يكونون، وهم رغم كل انحطاطهم ووحشيتهم، إلا أنهم، حسابيا على الأقل، أشرف بملايين المرات من خامنئي وأتباعه.
ارتكب الإسرائيليون جرائم كثيرة على امتداد ستين عاما، ولكنهم لم يقتلوا ولم يهجروا ولم يعذبوا (ولم يثقبوا الأجساد بالدريلات) بمقدار ما فعل الإيرانيون وعملاؤهم في العراق في غضون خمس سنوات.
الصهاينة احتاجوا ستين عاما ليشردوا نحو مليوني فلسطيني من منازلهم. بينما الإيرانيون وعملاؤهم (بالتحالف مع الحليف الاستراتيجي لاسرائيل) هجروا 5 ملايين إنسان في أقل من خمس سنوات.
والصهاينة احتاجوا ستين عاما ليقتلوا بضع مئات من الآلاف من الفلسطينيين ومن كل العرب المحيطين بهم، ولكن الإيرانيين وعملاءهم وحلفاءهم قتلوا في خمس سنوات ما يزيد على مليون إنسان.
واذهب الى كل السجون الإسرائيلية، ولكنك لن تجد من السجناء ما يوجد من الأبرياء في سجون آية الله وعملائه وحلفائه في العراق. فهناك، حسب الأرقام الرسمية، 150 ألف معتقل من دون محاكمة. أما الذين لا يُعرف مصيرهم، فحدث ولا حرج.
أما الإسرائيليون (“ا
لمساكين” مقارنة بشياطين آية الله) فكل ما لديهم 12 ألف معتقل.
والإسرائيليون على انحطاطهم لم يعذبوا من الفلسطينيين مثلما عذب عملاء آية الله مئات الآلاف من العراقيين، ولا اغتصبوا منهم ما اغتصب أتباع الإمام، ولا أعدموا ما أعدمت حكومة طهران في بغداد، ولا قتلوا على الهوية ما قتله الحرس الثوري ومليشيات “بدر” وبقية العصابات الطائفية التي تحركها عمائم الشيطان.
واحتاج الإسرائيليون ثلاثة أسابيع ليقتلوا 1200 فلسطيني، بينما كانت العصابات الطائفية التي يدعمها الإمام تقتل هذا العدد في ثلاثة أيام وترمي جثثهم في الشوارع.
هل نكمل العد، لعل السيد خامنئي يفهم انه أكثر خيانة وخبثا وانحطاطا من الإسرائيليين؟
هل يدّعي شرفا ويداه ملوثتان بدماء أطفال ونساء وشيوخ وأبرياء أكثر بكثير مما تلطخت أيدي كل طاقم الوحشية الإسرائيلية، كله على بعضه؟
هل يحاول أن يبيع علينا مواقف بطولية وهو يعرف إننا نعرف انه منافق؟
وماذا قدمت إيران للقضية الفلسطينية؟
حتى أكثر الزعماء العرب خيانة كان في وقت من الأوقات وجد نفسه (راضيا، أو مجبرا) يسمح لشعبه أن يقدم شيئا من التضحيات. فكم قطرة دم أهدرت إيران على أرض المعركة مع إسرائيل؟
وكثير من زعمائنا خونة وخبثاء وجبناء، ولكنهم أقل نفاقا من إمام “التقيّة” الذي يتحالف مع الشيطان الأكبر في الميدان، ويسهّل له إحتلالين، لا واحدا، ويكتفي بمعاداته على المنابر.
وكثير من زعمائنا عملاء، ونحن نعرفهم. وهم لا يخفون عمالتهم ولا خيانتهم، ويمارسونها في العلن. ولكنهم ينتظرون (بصلافة عين، على أي حال) أن يدفعوا الثمن.
أما أن تتحالف عمائم الشيطان مع الحليف الاستراتيجي لإسرائيل، وتقدم له اتفاقيات أمنية، وتستفيد من حمايته لعملائها، وتتقاسم معه الحصص، وتندد به في آن، فهذه جديدة كليا على بيئتنا.
هذا المستوى من الدجل، لم يعرفه حتى أكثر زعمائنا خيانة وخبثا.
هل يريد إمام التواطؤ والدجل أن يظهر وكأنه حريصٌ على الفلسطينيين، بينما يتحالف مع أميركا في العراق وأفغانستان؟
وهل من فرق بين أميركا وإسرائيل؟
ألا يعرف عمامةُ الشيطان أن إسرائيل التي تقتل الفلسطينيين هي المستفيد الأكبر من تحالفه مع الاحتلال في العراق؟
وهل يجهل أن إسرائيل ما كانت لتجرؤ على ذبح الفلسطينيين لو لم يؤد تواطؤه مع الصهاينة والامبرياليين الى الإطاحة بالقوة الإقليمية العربية الوحيدة التي كانت تستطيع مواجهة إسرائيل؟
وهل يعتقد إمام الشر أن الشر الذي يمثله لن ينكشف عندما يجعجع بالشعارات الفارغة؟
ولدينا زعماء خونة وخبثاء، نعم. ولكن هل هناك أي أحد يملك ما يملكه هذا الشيطان من القدرة على الجمع بين الخيانة والخبث وبين ادّعاء الشيء المضاد؟
هل خلق الله شرا وموتا ودمارا وانتهاكات في التاريخ الحديث أكثر من الشر والموت والدمار والانتهاكات التي ارتكبها هذا الدجّال وعملاؤه وحلفاؤه؟
بالوقائع والأدلة والأرقام، فان الله لم يخلق شريرا بهذا المستوى إلا مرة واحدة. وكان ذلك كافيا تماما لنعرف إن للنفاق آية، وانه سفّاحٌ لدم غزير، ظل يُهدر كل يوم في العراق، أكثر بكثير مما تفعل طائرات ودبابات ومدافع إسرائيل في غزة.
فبأي آلاء ربكما تكذبان؟
قال أن إسرائيل ترتكب جريمة، قال.
هل تأتي لنحسب، ماذا فعلت إسرائيل في غزة، وماذا فعلت إيران في العراق؟