محمد أبو علان
نتيجة الدعم المالي الأوروبي للسلطة الوطنية الفلسطينية قد يحرج بعض السياسيين الفلسطينيين من مهاجمة السياسية الأوروبية تجاه القضية والشعب الفلسطيني بشكل علني وقوي، لذا تلجأ السلطة الوطنية لمعالجة الأمور الخلافية بطرق دبلوماسية وعبر مراسلات رسمية من أجل الحصول على موقف أوروبي متوازن على الأقل وليس مناصر للقضية الفلسطينية.
أما إذا أردنا الابتعاد عن اللغة الدبلوماسية والتحدث بصراحة مطلقة يمكننا القول إن الساسة الأوروبيون يؤكدون مرة تلو الأخرى وبصورة لا تقبل الشك بأنهم شركاء في الجريمة والعدوان ضد الشعب الفلسطيني، فمواقفهم منذ اللحظة الأولى للحرب على قطاع غزة كانت داعمة للاحتلال وعمليته العسكرية هناك، إن كان ذلك موقف الرئاسة الحالية للاتحاد الأوروبي عندما أعلنت وفي اللحظة الأولى من الحرب البرية أن ” ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة عبارة عن عملية دفاعية”، وتلاها بعد ذلك بقية الرؤساء والزعماء في أوروبا من خلال دعوتهم طوال الحرب لضرورة وقف إطلاق صواريخ المقاومة قبل كل شيء متناسين أن هذه الصواريخ هي جزء من المقاومة المشروعة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
هذه هي حقيقية مواقف زعماء العالم الذي يدعي بأنه حُر ويسعى لتحقيق العدالة والديمقراطية، عدالة تصمت صمت القبور على جرائم الاحتلال ومجازره في قطاع غزة كما صمتوا عن الجرائم ضد الشعب اللبناني في العام 2006، وهم أنفسهم يمارسون مثل هذه الجرائم في أفغانستان يومياً ضد الأطفال والشيوخ والنساء.
ينادون بالعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان ولكن عندما يتعلق الأمر بكل ما له علاقة بالشعوب المقهورة تصبح الديمقراطية وحقوق الإنسان نوع من الترف السياسي الذي لا ضرورة له، وحينها تكال هذه الحقوق بأكثر من مكيال، ويصبح لها أكثر من مفهوم، لهذا يصمت العالم “الحر” عن الجرائم التي يرتكبها الاحتلال في فلسطين والعراق وأفغانستان ولبنان، فهو نفسه ليس ببعيد عن أخلاقيات وممارسات دولة الاحتلال الإسرائيلي التي يدافع عنها في كل مناسبة وعند كل مجزرة ترتكبها.
في أعقاب قمة شرم الشيخ تحدث “ساركوزي” الرئيس الفرنسي مخاطباً “إيهود أولمرت” رئيس وزراء الاحتلال قائلاً” سنعمل من أجل أمنكم، تستطيعون الاعتماد علينا”، من جهة أخرى تحدث “برلسكوني” رئيس الوزراء الإيطالي قائلاً: ” في المستقبل تستطيع إسرائيل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي”، ومنهم من تحدث عن جهود يبذلها لمنع تهريب السلاح لقطاع غزة، المحصلة النهائية أوروبا تبحث عن الأمن للاحتلال وجلاديه، ويسعى قادة الاتحاد الأوروبي في خطواتهم ومشاريعهم السياسية لحفظ ماء وجه الاحتلال بعد فشله في سحق المقاومة الفلسطينية في حربه على قطاع غزة، وهنا يعيد التاريخ نفسه مرةً أخرى مكرراً تجربة القرار (1701) في أعقاب هزيمة تموز 2006 لدولة الاحتلال الإسرائيلي في لبنان، كل هذه الخطوات دون إعارة أي اهتمام حقيقي لأطفال غزة ونسائها وشيوخها الذين سقطوا بنيران الاحتلال الإسرائيلي وأسلحته المحرمة دولياً على مدار ثلاثة وعشرون يوماً من الحرب المتواصلة.
فبدلاً أن تعمل دول الاتحاد الأوروبي باتجاه نصرة الضحية وتعمل على تحقيق العدالة السياسية التي تنادي بها نظرياً فقط، يعمل هذا الاتحاد بكل السبل والوسائل من أجل ضمان أمن الاحتلال عبر الدعم السياسي المباشر وفي المحافل الدولية، وعبر منحه الجوائز السياسية على جرائمه، فرفع مستوى العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودولة الاحتلال كانت الخطوة السياسية الداعمة لهذا الاحتلال قبل الحرب على غزة، وبعد الحرب ها هم يقدمون له المزيد من الدعم السياسي والأمني.
والشيء المثير للغضب هو هذا التكاتف الأوروبي منذ اللحظة الأولى للحرب على غزة لمصلحة دولة الاحتلال في ظل تشتت الموقف العربي بين مجموعة من القمم التي لا تسمن ولا تغني من جوع، فبعد ثلاثة أسابيع من الحرب تمكنت الدول العربية من عقد أول قمة عربية في سلسلة من قمم الخصام والخلاف لن يكون آخرها بأفضل من أولها، في الوقت الذي كانت فيه كل من فنزويلا وبولفيا قد قاما بطرد السفير الإسرائيلي في الأيام الأولى للحرب على غزة.