للمرة الثانية يطل امام المسجد والمقريء صاحب الصوت الجميل الشيخ اسماعيل هنية من مخبأه خلال الاسابيع الثلاثة من الحرب الدموية التي شنها العدو الصهيوني على قطاع غزة، في المرة الاولى اعلن عن الصمود الالهي، وفي المرة الثانية اعلن عن الانتصار الالهي على غرار النصر الكاذب للشيخ حسن في لبنان، فقال في خطاب مسجل بثته قناة الاقصى التابعة لحماس ان ” ما حدث “انتصارا إلهيا وانسانيا ،” وقال “اننا في لحظة انتصار استراتيجي لنواصل الطريق لتحرير الاقصى والقدس”.
وليس هنية وحده من ادعى النصر، بل ان معظم قادة حماس طبلوا لانتصار مزعوم، ومن المتوقع ان يخرج علينا كبير تجار الوهم خالد مشعل ليزف لــ “الأمة” تفاصيل النصر الالهي الوهمي”. في خطاب مسرحي على غرار خطابات ممثل ولاية الفقيه في لبنان.
والى جانب حماس ومسؤوليها خرح بعض من هم من ذات المدرسة المتخلفة فكريا وسياسيا ليعلنوا ايضا عن النصر المزعوم، وفي مقدمتهم رمضان شلح امين عام الجهاد الاسلامي، الذي قال في خطاب ناري ملأ خلاله شاشة التلفاز بالبصاق الذي ينطلق من فمه رذاذا كلما احتد ورفع صوته ” ان المقاومة قد انتصرت، وان اولمرت اعلن هزيمة اسرائيل بعد ان فشلت فشلا ذريعا في تحقيق اهداف عدوانها”.
واضاف شلح لقناة المقاومة الاسلامية “الجزيرة” ‘إذا كان الهدف من العدوان هو تدمير الواقع السياسي لحماس كقوة وتنظيم فقد فشل، فحكومة حماس في غزة هي الشرعية’.
فعن أي نصر يتحدث هؤلاء .. وأي غطرسة تتحكم بالتركيب النفسي والسوسيولجي والسيكيولجي لهؤلاء البشر، الذين يعتبروا ان موت الاف البشر انتصارا الهيا..؟
أي انتصار هذا فيما الحقائق والارقام التي نشرتها وزارة الصحة التابعة لحكومة حماس المقالة، ومركز حقوق الانسان الفلسطيني تقول ” ان عدد الشهداء تجاوز 1300 شهيد، من بينهم حوالي 700 مدني ، و600 مقاتل معظمهم من قوات عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس ، كما تجاوز عدد الجرحى 4300 جريح.
فيما بلغ عدد القتلى الاجمالي في صفوف العدو 13 قتيلا منهم 10 عسكريين و3 مدنيين، خمسة منهم قتلوا بنيران صديقة، وفق بيانات الجهات الرسمية للعدو.
وتفيد التقارير الرسمية للامم المتحدة ان عدد من فروا من منازلهم ولجأوا الى مدارس اللاجئين التابعة للامم المتحدة بلغ 45 الفا. وان عدد المواقع التي استهدفتها نيران القوات الاسرائيلية البرية والجوية والبحرية، ومن بينها المباني ومواقع اطلاق الصواريخ بلغت اربعة الاف موقع وفق بيانات مكتب الاحصاء الفلسطيني.فيما بلغعدد الصواريخ التي اطقلتها حماس والفصائل الاخرى على اسرائيل على مدى ايام الحرب: 778 صاروخا وفق بيانات العدو الاسرائيلي. قتلت ثلاثة اشخاص فقط لا غير.. أي مقاومة واي صواريخ هذه..!!!
وتفيد البيانات والتقارير التي تناقلتها الجهات المعنية ان تعرض 20 الف شقة سكنية لاضرار بالغة جزء كبير منها دمر تماما واخرا مما خلق حالة نزوح داخلي هائلة مع كل ما تحمله من معانا ومشاكل اجتماعية بالغة.
بالاضافة الى تدمير نحو 1600 محل ومصلحة تجارية من كل المستويات مما يفاقم من الازمة الاقتصادية المستفحلة اصلا في القطاع.
هذا الى جانب العدد الضخم من المعاقين بسبب الجراح وطبيعة الاسلحة الصهيونية المستخدمة في الحرب ومنها ما هو محرم دوليا وفق بيانات مؤسسات دولية، الى جانب المشاكل الاجتماعية الهائلة التي سوف تترتب على هذه الحرب الدموية من ايتام وارامل وكبار سن دون رعاية اوعناية بعد فقدان الزوج او الزوجة وبعضهم فقد كل عائلته.
وفي ذات الوقت تمكن الجيش الصهيوني من تفتيت القطاع الى ثلاثة اجزاء ، وحاصر المدن الرئيسية، ومنها غزة على وجه الخصوص، ودمر تخوم المدن والمقرات والمؤسسات والمدارس والطرق والبنية التحتية اجمالا.
وعسكريا لم تجري مواجهة عسكرية واحدة ذات قيمة او وزن بين الجيش المعتدي وقوات المقاومة، وان ما حدث لا يتجاوز اعمالا فردية لبعض الافراد لم يتجاوز عددهم من 3 الى اربعة في اشتبكات محدودة كانت تتعامل معهم قوات العدو بقسوة شديدة فتدمر عدة مباني محيطة بالمنطقة التي اطلقت منها النيران.
ولم نرى خلال ايام الحرب الطويلة وعود كبير باعة الوهم السيد مشعل عن بطولات قوات عز الدين القسام التي لا يعني غيرها عندما يستخدم كلمة المقاومة، فلم تظهر اسلحة جديدة، لتدمير الدبابات، ولم تظهر تكتيكات جديدة لمهاجمة جيش العدو، ولم يسفر الانتصار الالهي لحماس عن اسر عشرات الجنود من صفوف العدو، بل راينا العكس ان العدو اسر نحو 250 مقاوما.
ولم نرى على شاشات التلفزة النساء الاسرائيليات وهن يولولن ويبكين احبتهن، ويندبن ويقلن “وين نروح تشردنا، تدمرت بيوتنا، وخربت حالنا، وتدمرت احوالنا”.
ولم نشاهد رجال اليهود يبكون وهم يلملون اشلاء اهلهم واحبتهم ولم نشاهد منهم من حمل طفله ويبكي ويقول ” من وين اجيب له أم هذا .. دلوني شوروا علي من وين اجيب له أب يا جماعة”
هذا غيض من فيض من الاف الشواهد على هزيمة ما يسمى بالمقاومة الاسلامية في غزة، وهزيمة منطقها وفكرها السياسي.
انها مأساة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، والحقيقة المؤلمة والموجعة الحارقة هي ان العدو وبفضل امتلاكه القوة، وبفضل غباء من يدعون انهم القادة الذين يصنعون فجر الامة الجديد، مثل مشعل وهنية وشلح وبلخ ودلع دلع، ومن لف لفهم، يحقق العدو النصر تلو النصر، فيما يدفع شعبنا المسكين، والمسكون بعضه بأوهام وضلالات الدعاية المضللة لجماعة الاخوان المسلمين وفرعهم الفلسطيني حماس، أرواحه ودمائه وممتلكاته، ثمنا للمغامرات الصبيانية والعنترية الفارغة لشيوخ دين أقصى ما لديهم من موهبة لا تؤهلهم الا ان يشتغلوا ائمة مساجد في بعض القرى النائية.
لكن هذه الخطابات الالهية الربانية التي هي اشبه بالوحي الالهي عن النصر الالهي والنصر العظيم والصمود الاسطوري والمقاومة الاسطورية والهروب الاسطوري والاختفاء الاسطوري، والدمار الاسطوري وكل شيء اسطوري باسطوري ليس صناعة فلسطينية بامتياز، ولا تقتصر على تيار دون اخر، وسوف تظل موجودة طالما بقي فيها المهووسون المتسلطون الذين لا يعترفوا بالهزائم ليس لانها لم تحصل، وليس لان هناك الف الف دليل على حدوثها، وليس لان الكذب والادعاءات الوهمية عن البطولة ظاهرة للعيان، بل لان الطغاة يخافون على كراسيهم ومناصبهم.
ولو كان هناك عدل ومنطق وقيم صحيحة تحكم هذه الشعوب لكان وجب محاكمة صدام حسين وحرقه على جذع شجرة، عشية هزيمته بحرب تحرير الكويت، ومحاكمة وحرق نصر الله وسط بيروت، ولكن لان لا منطق سياسي ولا اخلاق سياسية، ولا اعراف وقواعد واسس للحكم القائم على العدل وحقوق الانسان، وحرية الراي والديمقراطية، يخرج صدام حسين بعد حرب هزم فيها جيشه شر هزيمة ليعلن عن انتصاره العظيم على امريكا وحلفائها الثلاثة وثلاثين دولة.
وكانت رسالة الانصار العظيم يبثها صدام وجلاوزته ممثليه في احزاب البعث العربية يوميا فيما كان الشعب العراقي يموت جوعا وقهرا ومرضا، واصبح يعتاش على البطاقة التموينية في بلد تمتلك ثاني اكبر مخزون نفطي بالعالم.
والمضحك جدا ان تجد مسؤول الآلة الاعلامية لصدام حسين وحزب البعث المدعو الصحاف والشهير باستخدام كلمة العلوج ، انه فيما كانت دبابات الجيش الامريكي تدخل حرم القصر الجمهوري ببغداد كان الصحاف يتحدث عن انتصارات الجيش العراقي وهزيمة العلوج.
والمدرسة الصدامية في العراق ما زالت قائمة فبالرغم من التدمير الهائل ومقتل ما يزيد عن مليون عراقي في عمليات اجرامية اطلق عليها “مقاومة” الا ان هناك من يتحدث عن انتصارات الهية وهمية على العدو الامريكي، ويخرج احد المستغرقين بالضلال والضلالة مثل الداعية العراقي الشيخ أحمد الكبيسي ليقول “إن ما يحدث في غزة أمر أراده الله حتى تتكشف الأقنعة وتظهر خيبة العرب جلية”. ويتحدث عن النصر الالهي فيقول ”وكما أسقطت الفلوجة الأميركيين ستسقط غزة إسرائيل، بل هي أسقطتها بالفعل”.
ومن المدرسة الصدامية التي برعت في الانتصارات الوهمية الى مدرسة الشيخ حسن نصر الله الذي أدت مغامرته التي اعتذر عنها فيما بعد، الى تدمير لبنان من اقصاه الى اقصاه، واستشهاد ما يزيد عن الف مواطن، وجرح الالاف من الابرياء، ومع ذلك خرج ليخطب في انصاره بمهرجان ديماغوجي مضلل ليعلن عن النصر الالهي..!!.
ونفس النسخة سمعناها وسوف نسمعها كثيرا خلال الفترة المقبلة في فلسطين من زعماء حماس والاخوان المسلمين، وباقي التيارات الدينية، وبعض بقايا الحركة القومية من فصائل اليسار، بدافع تبرير بقائها واستمرارها في الساحة السياسية.
فاي انتصار هذا ايها السادة .. واي تضليل وكذب وافتراء على الحقيقة والواقع. ان المنطق يقول ان عليكم ان تعترفوا بالهزيمة، وان تتحملوا مسؤولية ما لحق الاهل في غزة من كارثة انسانية.
ولكن الاخطر من ادعاء الانتصارات الوهمية هو ما يرتب على هذا الادعاء، ففي العراق ترتب على الانتصارات الوهمية لصدام حسين الامعان في التنكيل بالشعب العراقي والتمادي بالطغيان، والانتقام من المعارضين العراقيين، وفي لبنان ترتب على ادعاءات نصرالله عن النصر الالهي الكاذب، قيام قوات حزبه الطائفي بغزو بيروت في ايار الماضي لفرض رؤيته على خصومه من التيارات السياسية الاخرى.
وهذا ما سوف يترب على الانتصار الوهمي الذي تدعيه حماس، فقبل ان يهدأ هدير الدبات والمدافع والصواريخ، حولت جامعة الاقصى الى سجن تحتجز فيه مناضلي فتح وكوادرها، ممن يخالفون اوامرها العسكرية بالاقامة الجبرية او ممن يقومون بنشاطات ميدانية لمساعدة ابناء الحركة وانصارها.
وقد حذرت حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” من “قيام حماس وعناصرها” بملاحقة ابناء وكوادر حركة فتح والتعدي عليهم بعد وقف اطلاق النار المعلن في القطاع، بدل من تضميد الجراح وتعزيز الوحدة والتضامن.
وقال فهمي الزعارير المتحدث باسم حركة فتح؛ في بيان صحفي :” لقد كظمنا غيظنا وطالبنا أعضائنا وكوادرنا بالصبر والثبات، والوحدة والتضامن في ميدان المعركة، لأننا تربينا وتعلمنا عبر تاريخ ثورتنا المجيد، أن لا تلاوم إبان المعركة، برغم توثيقنا لفرض حماس الاقامة الجبرية على مئات من كوادرنا وقياداتنا في عموم مناطق غزة، وقيامها باطلاق النار على أرجل من أكثر من 80 عضوا من أعضاء فتح والفصائل الأخرى، واعدام 16 كادرا”.
وقال فهمي الزعارير المتحدث باسم حركة فتح؛ في بيان صحفي :” لقد كظمنا غيظنا وطالبنا أعضائنا وكوادرنا بالصبر والثبات، والوحدة والتضامن في ميدان المعركة، لأننا تربينا وتعلمنا عبر تاريخ ثورتنا المجيد، أن لا تلاوم إبان المعركة، برغم توثيقنا لفرض حماس الاقامة الجبرية على مئات من كوادرنا وقياداتنا في عموم مناطق غزة، وقيامها باطلاق النار على أرجل من أكثر من 80 عضوا من أعضاء فتح والفصائل الأخرى، واعدام 16 كادرا”.
واضاف الزعارير :”لن نسمح أو نقبل باي شكل وتحت أي ذريعة محاولات حماس بالتعدي على ابنائنا كما يحصل منذ مساء اليوم الأول لوقف اطلاق النار في مناطق متعددة من غزة، مؤكدا أن هذا لن يقبل تحت أي ذريعة ولن يسمح به وعلى حماس أن تفهم رسالتنا مليا، وتساءل كيف تأتمن هذه العناصر مطاردة أبناء فتح باسلحتها وسياراتها العسكرية، والاحتلال ما زال في قلب القطاع المنكوب”.
وطالب الزعارير الكل الوطني بلجم هذه الحالة “المجنونة” التي تقضي على فرص المصالحة والحوار، التي ينشدها الشعب الفلسطيني كله، لافتا الا أن التفرغ للصراع الداخلي “كما ترغب حماس وتفعل، ليس من الوطنية أو النضال أو شيم المقاومة في شيء”، مضيفا الحريص على الوطن والشعب لديه مهمات وطنية ونضالية أخرى.
هذا ما يترتب على النصر الالهي الوهمي الكاذب، لن تختلف الصورة عما حدث في بغداد في الزمن الصدامي، او بيروت ما بعد الانتصار الالهي.
أي انتصار هذا يا هنية وابو مرزوق ورمضان شلح ومن سيتشدق بالانتصار الالهي لاحقا، والعدو الصهيوني تمكن من حشد طاقات اوروبا باسرها لتنضم للمعركة ضد “المقاومة” برا وبحرا وجوا، لمنع اعادة تسليح حماس والجهاد وغيرها، وان قوات الامم المتحدة ستنزل في غزة رغم الاعتراضات اللفظية من قبلكم، وان الامن والاستقرار سيسود مستوطنات الجنوب الاسرائيلية، وان صواريخكم التنكية يتوقف رغما عنكم، وان قادتكم لن يتحركوا الا تحت اشراف سلطات الامن الصهيونية.
هل هذا هو الانتصار الالهي…!!!
انكم تكذبون ايها السادة، لقد هزمكم العدو.. وكنا واثقون من هزيمتكم لانكم لا تملكون استراتيجية للمقاومة، ولا تكتيكات عسكرية، ولا امكانات، ولا استعدادات، ولا قدرات، ولا شعبا يؤيدكم، ولا علاقات اقليمية او دولية، ولا جغرافيا تساعد على شن حروب العصابات، وقبل كل ذلك انكم لا تمتلكون رؤية سياسية للمواجهة مع العدو، فكل رؤيتكم واهدافكم واقصى طموحاتكم منصبة على العداء للسلطة الوطنية الفلسطينية، بهدف الاستيلاء على السلطة والقفز عن منظمة التحرير الفلسطينين والغاء تمثيلها الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وكل ذلك في سياق اقامة الدولة الاسلامية الطالبانية.
اطمئنكم يا اتباع المدرسة الصدامية وتلاميذ مدرسة ممثل ولاية الفقيه في الضاحية الجنوبية في بيروت ان كذبكم وانتصاراتكم الوهمية لا تنطلي الا على انصاركم واتباعكم، كما اطمئنكم بانكم واهمون تماما اذا ما زلتم تعتقدوا ان بامكانكم تنفيذ برنامجكم لاقامة امارة حماسستان الاسلامية.
سؤال بسيط : هل قرأتم بالتاريخ الانساني كله ان جيشا يرمي اعدائه بالزهور والورود والعطور..؟؟؟
ابراهيم علاء الدين