في إطار حربها النفسية والإعلامية التي تواكبت مع عدوانها الذي استمر 22 يوما على قطاع غزة، استعانت إسرائيل بكتابات لكتاب ومحللين عرب يحسبون على تيار “الاعتدال الليبرالي”، توجه انتقادات حادة لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” و”من يقف وراءها من دول محور الشر”، في إشارة إلى سوريا وإيران، بحسب وصف هؤلاء الكتاب.
ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي في 27-12-2008، مخلفا نحو 1300 شهيد و5400 جريح، نصفهم من النساء والأطفال، دأب موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية باللغة العربية “التواصل” على الإنترنت على إعادة نشر عشرات المقالات لكتاب عرب يذمون “إرهاب” حركتي حماس والجهاد، ويؤكدون الاتهامات الإسرائيلية للحركتين بأنهما “ألعوبة” في أيدي “الإرهاب الفارسي”.
كما ذهبت بعض هذه المقالات إلى الإشادة بـ”ديمقراطية” دولة الاحتلال الإسرائيلي، معتبرة أن أرض فلسطين المحتلة “حق لبني إسرائيل، وأرض الميعاد التي بشرتهم بها التوراة”.
وكانت الناطقة الرسمية باسم جيش الاحتلال “أفيتال ليبوفيتش” قالت إبان العدوان: إن “وسائل الإعلام الجديدة وعالم التدوين يشكلون معارك جديدة في إطار الصراع حول كسب الرأي العام العالمي”، فيما وصفت وزارة الدفاع الإسرائيلية الإنترنت بأنه “منطقة حرب”.
وسبق أن اتبعت الخارجية الإسرائيلية نفس الأسلوب خلال الحرب الثانية على لبنان صيف 2006، فتحت عنوان “مقالات رأي لكتاب عرب”، أعادت نشر موضوعات من صحف عربية شهيرة، مثل “الشرق الأوسط” السعودية و”الأهرام” المصرية و”الوطن” و”الرأي ” الكويتيتين، تدين حزب الله، وتؤكد وجهة النظر الإسرائيلية في أنه كان السبب في اندلاع الحرب؛ بسبب أسره جنديين إسرائيليين.
اللافت أن الأقلام التي سبق أن هاجمت حزب الله عام 2006 هي نفسها بجانب كتاب جدد التي هاجمت حماس خلال العدوان الأخير.
“أراجوزات” إيران!
من أبرز المقالات التي احتفى بها موقع وزارة الخارجية مقال “مأساة غزة: أصابع إيران الخفية” للكاتب السعودي تركي الحمد، والذي نشر في “الشرق الأوسط” يوم 31-12-2008، ووصف فيه صواريخ المقاومة بأنها “ألعاب نارية حماسية”، واعتبر أن حزب الله وحماس “أراجوزات تحركها إيران من وراء الستار وقتما تشاء وكيفما تشاء، وليذهب الفلسطينيون إلى الجحيم”.
وقال الحمد في مقاله: “إسرائيل تتعرض للاستفزاز المتكرر من قبل حماس، حين ترشقها بالصواريخ بشكل شبه يومي، فما هو المتوقع من إسرائيل وهي الدولة التي قامت واستمرت في الحفاظ على وجودها بالقوة والحل العسكري؟!”.
ويتابع: “إذا كانت إسرائيل قد أجرمت بحق الفلسطينيين، فإن حماس شريكتها في الجريمة، بل تتحمل الوزر الأكبر.. وما يجب لفت النظر إليه هنا هو الدور الإيراني في المأساة.. أحداث غزة الأخيرة، وقبلها أحداث لبنان عام 2006، لم تكن نتيجة فعل مقاومة وطنية بقدر ما كانت وسائل لإشغال إسرائيل، القوة الإقليمية الوحيدة المنافسة لإيران في المنطقة، كي تتفرغ إيران لبرنامجها النووي، وخططها الأخرى للهيمنة على المنطقة”.
مقالات “طارق الحميد” رئيس تحرير “الشرق الأوسط” كانت أيضا في مقدمة الكتابات التي أعاد موقع الخارجية الإسرائيلية نشرها، ففي مقال بعنوان “دماء غزة.. مشروع تجاري”، نشر يوم 28-12-2008 دعا الحميد العالم العربي لاتخاذ موقف حاسم “يحمل حماس وإيران مسئولية معاناة الفلسطينيين”.
وفي مقاله “العرب يصوتون ضد حماس”، بتاريخ 29-12-2008، قال الحميد إن “العرب قرروا التصويت ضد عبث حماس، وإظهار موقف عربي يعكس الوعي بأهمية التوقيت والظرف الدولي”.
“لاحقوا متمردي حماس”
وحرص الموقع على إبراز مقالات الكاتب الكويتي “عبد الله الهدلق” بصحيفتي “الرأي” و”الوطن”، والتي يوجه فيها السباب للفلسطينيين ويعتبر وطنهم
“أرض الميعاد” لإسرائيل.
“أرض الميعاد” لإسرائيل.
فقد قال “الهدلق” في مقاله بـ”الوطن” يوم 21-12-2008: “أيها الجيش الإسرائيلي عليكم بالإرهابيين الفلسطينيين المؤتمرين بأوامر الإرهاب البعثي الفارسي.. لاحقوا متمردي حماس ومعتوهيها والحمقى من قادتها والمتهورين من زعمائها المتسترين بالدين والمتاجرين به، واسحقوهم وأبيدوهم ولقنوهم درسا لن ينسوه إلى الأبد كما لقنتم حزب الله الإرهابي المهزوم عام 2006 درسا قاسيا أثخنتموهم فيه، وخلصوا غزة من سطوة الحركة الإرهابية”.
وأضاف في المقال المنشور بعنوان “جزاء قيادات الغدر والخيانة”: “هل نسي الإرهابيون في حماس أو تناسوا ما لقيه أمثالهم من قبل في أيلول الأسود بالعاصمة الأردنية عمان على أيدي جنود الملك الأردني حسين بن طلال رحمه الله؟!”.
وأردف: “عندها هرست وفرمت دبابات الحق الأردني أجساد الإرهابيين في مخيمات شتات اللاجئين الذين حاولوا التمرد والغدر ونكران الجميل فكانت لهم السيوف بالمرصاد فحصدتهم واستأصلت شأفتهم وقطعت رءوس الإرهاب التي أينعت وحان قطافها، هؤلاء هم الفلسطينيون أينما حلوا حل معهم الإرهاب والإفساد والقلاقل والفتن والغدر واللؤم ونكران الجميل”.
وتساءل الهدلق مستنكرا: “هل يمكن لحكومة إرهابية مثل حماس أن تقود شعبا أو تحقق تقدما في مسيرة السلام؟! وهل يمكن لشعب لم يعرف إلا التشرد والضياع في بداية حياته، ثم التشدد والتطرف والإرهاب والقتل والهجمات الانتحارية وقذائف الكاتيوشا التي يطلقها بشكل يومي على المدنيين الأبرياء والنساء والأطفال في المدن الإسرائيلية في الجنوب المحاذي لغزة أن يشكل مجتمعا مدنيا ونواة لدولة فلسطينية حضارية قابلة للاندماج في المجتمع الدولي؟!”.
وأضاف أن: “إسرائيل دولة ديمقراطية يتحداها الإرهابيون والمتطرفون، وتحيط بها أنظمة حكم شمولية وديكتاتورية ومتسلطة ومستبدة عليها أن تخجل من أنفسها وتنسحب بهدوء”.
الأرض المقدسة.. لإسرائيل!
الخارجية الإسرائيلية تحاول تبرير مثل هذا المشهد
واستطرد الكاتب الكويتي: “كما أن الأرض المقدسة حق لبني إسرائيل قبل أن ينتشر فيها شتات مخيمات اللاجئين، وقبل أن تنشأ حركات فتح والجهاد وحماس الإرهابية، وهي أرض الميعاد التي بشرت بها التوراة، ويحق لدولة إسرائيل أن تحتفل بالذكرى الستين لها”، واحتفل الإسرائيليون في مايو الماضي بمرور 60 عاما على احتلالهم أرض فلسطين وإقامة دولتهم عليها.
وتابع الهدلق: “لقد نشأت دولة إسرائيل الحديثة لتدوم وتستمر.. وإرادة الله سبحانه وتعالى أن يكتب الأرض المقدسة حقا لبني إسرائيل دون غيرهم تتأكد في قوله: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ } المائدة : 21.
وفي مقال آخر بصحيفة “الرأي” يوم 21-12-2008، بعنوان “أين المفر؟!”، انتقد ما أسماه بـ”الإرهاب الذي تمارسه حماس بإطلاق وابل من القذائف الصاروخية العبثية تجاه عسقلان وسديروت.. ولكن أين المفر أيها الإرهاب الفارسي، ويا إرهاب حماس والجهاد وقد أعلنت إسرائيل تهديدها النهائي؟!”.
إسرائيل الديمقراطية!
الكاتب أنيس منصور كان بمقاله، الذي نشر بصحيفة الأهرام المصرية الرسمية يوم 5-6-2008 تحت عنوان “اختيار الطائر الوطني الإسرائيلي شكل من أشكال الديمقراطية”، واحدا من الكتاب العرب الذين استعانت إسرائيل بكتاباتهم في حربها ضد المقاومة.
حيث تطرق الكاتب المصري إلى الاستفتاء الذي جرى في إسرائيل لاختيار الطائر الوطني وفاز فيه الهدهد، حيث اعتبر أن هذا الاستفتاء الشعبي “يثبت ديمقراطية إسرائيل”، قائلا: “عادةً نستل السكاكين والحناجر للهجوم على إسرائيل وتسخيف هذه الأفكار، ولا نرى فيها أيا من أشكال الديمقراطية.. وهو ما يسبب سوء فهم بيننا وبين خصومنا وأعدائنا، فنحن لا نرى لهم أية ميزة”.
ونقلا عن مجلة “أكتوبر” المصرية يوم 11-11-2008، أعادت الخارجية الإسرائيلية نشر مقال الكاتب حسين سراج بعنوان “في مركز بيريز.. الأولاد يصنعون السلام”، والذي تحدث فيه الكاتب عن انطباعاته من احتفالات مركز بيريز الإسرائيلي للسلام بعامه العاشر.
وأوضح سراج أن “المركز يهدف إلى تعزيز الرؤية بشأن السلام، وتعاون منطقة الشرق الأوسط للعمل معا لتحقيقه من خلال التنمية والتعاون الاقتصادي والاجتماعي والتفاعل على مستوى الشعوب؛ لأن الشعوب لا الحكومات هي التي تصنع السلام الحقيقي”.
واستطرد: “رغم الواقع الأليم الذي يشاهده أولاد وشباب اليوم من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي فى كثير من الأحيان من خلال القصف الإسرائيلي أو سقوط صواريخ القسام فى محيطهم، فإنهم في مركز بيريز يؤمنون بأن الأمل فى مستقبل أفضل تتبدل فيه العداوة والشك بالقدرة على رؤية إنسانية الآخر، لا يمكن تحقيقه إلا عن طريق الأولاد والشباب”.
ويشيد سراج بالمركز، الذي يرى مراقبون أنه “يهدف لإجراء عمليات غسيل مخ للأطفال والشباب العرب”، قائلا: “يطلق المركز سنويا برامج تشمل الآلاف من الأولاد والشباب الفلسطينيين والإسرائيليين، ليلتقوا ويعرف كل منهم الآخر”.
وتابع: “تقوم هذه البرامج على استخدام وسائل من عالم الرياضة والفن والتكنولوجيا، لجعل الأولاد والشباب يتعرفون على قيم التعايش والتفاهم المتبادل، وتساعدهم على التغلب على المخاوف الأولية؛ ليكتشفوا أنه في الجانب الآخر -سواء كان فلسطينيا أو إسرائيليا – أولاد مثلهم”.
ومن الكتابات التي احتفى بها أيضا موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية، مقالات “إلياس بجاني”، الأمين العام للمنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية – الكندية، والكاتب الكويتي خليل علي حيدر، والكاتب السعودي حمد الماجد، وعبد الرحمن الراشد، مدير قناة “العربية” الفضائية.
——————————————————————————–
المحلل السياسي بشبكة إسلام أون لاين.نت