أكتب هذه السطور وملحمة الصمود والمقاومة الأسطورية لأهلنا فى غزة تدخل يومها الحادى والعشرين؛ أكتبها، وقد كثرت أسئلة وشماتة العجزة والمنافقين من أنظمة الخيانة ونخبتها الإعلامية والسياسية، حول ذلك النصر الذى وعدتنا به حماس وقوى المقاومة المجاهدة فى فلسطين، إلى الحد الذى استهزأ فيه أحد السماسرة الجدد من رؤساء تحرير الصحافة الرسمية فى مصر من مقولة أن الملائكة يقاتلون مع أهل غزة، وقام آخرون بحرف الصراع ومسار الدم من عدوان إجرامى نازى على أطفال ونساء عزل بلا سلاح حقيقى مقاوم لطائراتهم، إلى صراع مع حماس أو حزب الله أو محور متخيل – غير موجود- لأعداء مصر السنية (اية سنة تلك؟!!) تقوده إيران وسوريا وقطر وقناة الجزيرة!! معا وإلى تصيد جملة فى خطاب لنصر الله أو خالد مشعل ليشعلون بها نارا من الفتن المذهبية، والسياسية لا تليق بإعلام دولة تدعى أنها كبيرة فى الجغرافيا والدور، والتاريخ!!
لقد دخل هؤلاء جميعا -وفى مقدمتهم النظامين المصرى والسعودى- فى مزاد السخرية من نصر الله الذى وعد به المؤمنين من عباده، الذين يجاهدون فى سبيله ويسترخصون الدم والمال، والأهل، لقد ابتذل (القاعدون) من أنظمة الاعتدال، كل معانى الكرامة والشرف، والجهاد، التى دعى إليها قرآننا الكريم، وتعمدوا ألا يروا فى مشهد غزة، سوى نصف الكأس الفارغ الذى يحتوى على المجزرة والألم فقط، فاعادوا علينا اسطواناتهم المشروخة عن السلام والتهدئة والمفاوضات العبثية؛ (انظر ماذا يكتب كل من اسامة سرايا- عبد المنعم سعيد- طارق حسن- عبد الله كمال،محمد على ابراهيم وغيرهم ولنستمع الى مايقول تليفزيون الحكومة المصرية وماذا يتقيأ من تحليلات مثبتة محبطة لخبراء استراتيجيين مدعين وكتب بلهاء رغم أن مشهد غزة اليوم، يقدم إلى جوار وجه (المجزرة)، وجها آخر للملحمة والصمود والانتصار إذا ما فهمنا معناه ومعاييره على أية حال.. دعونا نسجل هذه الهوامش حول ملحمة غزة، وحول السؤال الذى يطرحه البعض من منافقى هذا الزمان عن.. متى نصر الله؟!
أولا: ان خبراء الاستراتيجية المحايدين، يعلمون أن للنصر معاييره، وضوابطه، خاصة إذا ما كانت الحرب غير متكافئة عددا وعدة، الطرف المعتدى فيها يعد رابع أقوى جيش فى العالم، والطرف المقاوم له هو شعب أعزل ومقاومة فقيرة فى أسلحتها وجغرافيتها، وظهيرها المساند، الذى ليس فقط كان محايدا أو صامتا بل كان للأسف متآمرا (نعيد التذكير هنا أن إعلان الحرب على حماس وأهل غزة جاء على لسان ليفنى من داخل القصر الجمهورى بعد لقاءها بالرئيس مبارك، وقالته وهى مستندة إلى ذراع أسوأ وزير خارجية لمصر عبر تاريخها المعاصر السيد أحمد أبو الغيط!!) ووفقا لموازين عدم التكافؤ المادى/ الاستراتيجى، يصبح مجرد الصمود والثبات أمام هذه الآلة العدوانية المتوحشة لأكثر من عشرين يوما، انتصارا فعليا، ولنتذكر أيضا أن جيوش ثلاث دول عربية نظامية (مصر – سوريا- الأردن) قد هزمت أمام هذا الجيش فى ستة أيام (حرب 1967) رغم أن الفارق النوعى اليوم فى كم ونوع وطوغرافيا الحرب يختلف وهو حتما لصالح إسرائيل التى تستخدم أسلحة متطورة جديدة وخطيرة ومحرمة دوليا (قنابل الفسفور الأبيض على سبيل المثال) والرقعة الجغرافية التى تقاتل فيها رقعة صغيرة ومحاصرة على العكس من جغرافية الحرب عام 1967 واتساعها. إذن هو الانتصار، رغم الآلام والضحايا.
ثانيا: وفقا للأجندة التى أعلنتها إسرائيل فى اليوم الأول لهذه الحرب العدوانية 27( ديسمبر 2008) والقائمة على التدمير الكامل للبنية العسكرية والسياسية لحركات المقاومة (حماس – الجهاد – آلوية الناصر صلاح الدين- كتائب الشهيد أبو على مصطفى- الخ)، وايقاف الصواريخ التى تطلق من القطاع على المستوطنات الصهيونية (جراد – القسام- قدس.. الخ) وبالمناسبة هذه الصواريخ بعضها محلى والبعض الآخر جاء عن طريق البحر وأحيانا البر من قبل حزب الله، الذى يتبجح البعض الآن عليه مطالبين إياه بفتح جبهة مع الكيان الصهيونى فى شمال فلسطين، ورغم أنها كلمة حق وأنا أدعو وأتمنى من حزب الله أن يفعلها، إلا أنها كلمة حق- من قبل سماسرة السياسة والدين والإعلام فى بلادنا- يراد بها باطل لأن حزب الله عمليا من خلال صواريخ جراد ومن خلال تدريبه سابقا لكوادر من حماس والجهاد على حرب المدن فى معسكراته فى جنوب لبنان ومن خلال تمويله بالمال والدعم السياسى يعد شريكا فعليا فى الحرب. على اية حال، نعود لنقول أن الهدف الاستراتيجى الإسرائيلى لهذا العدوان لم يتحقق ونجاح العدو فى تحقيق أهدافه هو معيار مهم لانتصاره، وليس تدميره للبيوت والمستشفيات واغتياله للأطفال والنساء، فتلك حيلة الضعفاء والجبناء وبالمقابل ثبات وصمود المقاومة واستمرارها فى قصف المستوطنات وفى تكبيد العدو خسائر كبيرة أيضا فى الأفراد وفى إجباره على تأجيل حرب المدن لأكثر من ثلاثة أسابيع لهو بالمعايير العسكرية المحايدة، انتصار يسجل للمقاومة، التى بدلا من أن نشد على أيديها، نجد بعض الأقزام فى اعلامنا وأنظمة حكمنا، تقذفهم بالشتائم وكأنهم صهاينة بل قل هم ا
شد وضاعة من الصهاينة أنفسهم (ارجو أن تتأمل معى قليلا ما تكتبه الصحافة الرسمية المصرية وما تبثه قنواتنا الرسمية من أخبار وتحليلات متحيزة لإسرائيل منذ اليوم الأول للحرب وحتى الآن!!).
شد وضاعة من الصهاينة أنفسهم (ارجو أن تتأمل معى قليلا ما تكتبه الصحافة الرسمية المصرية وما تبثه قنواتنا الرسمية من أخبار وتحليلات متحيزة لإسرائيل منذ اليوم الأول للحرب وحتى الآن!!).
ثالثا: ولكن تتبقى الإجابة على السؤال: متى نصر الله؟ ونقول ومن القرآن الكريم ذاته (إلا ان نصر الله قريب)، ولكن دعونا نسال هل كنا نتوقع أن يكون النصر بهزيمة قاطعة حاسمة لسلاح الجو الإسرائيلى، ولدباباته فى الوقت الذى ينام فيه سلاح الجو المصرى والسعودى والأردنى والسورى والإيرانى.. الخ فى مرابضه، ولا يرف له جفن؟ هل من الجائز عقلا أن نطالب بضعة آلاف من أفضل مجاهدينا فى فلسطين، لا يملكون إلا أسلحة بسيطة، وفقيرة، أن يدخلوا بها إلى تل أبيب ويجوسوا خلال الديار، (وليتبروا ما علوا تتبيرا)، فى الوقت الذى تنفق فيه مصر ما لا يقل عن 10 مليار دولار سنويا على جيش لا يحارب، ويتهدد أمنه القومى عمليا فى حدوده الشرقية؛ بل ويقتل بعض أفراد هذا الجيش بسبب هذا العدو وفى الوقت الذى تشترى السعودية فى عشر سنوات بما لا يقل عن 300 مليار دولار أسلحة لا تستخدم بل تصدأ فى مخازنها، وتستعد سوريا بجيش جرار لاستعادة الجولان الذى لا يعود، وتطور طهران صواريخ شهاب 1و 2و 3 وحتى 5، وتنفق عليها المليارات، ويهدد رئيسها بإزالة إسرائيل من الوجود، وعند الجد، لا يفعل سوى الدعاء وإرسال سفن إغاثة انسانية مثله مثل آل سعود وآل مبارك.. هل نطالب أنبل ظاهرة افرزتها أمتنا: هؤلاء الكبار المجاهدون فى فلسطين أن يتحملوا هم وحدهم عبء الأمة وعجزها، ويحققوا لها نصرا حاسما يزيل إسرائيل من الوجود فى بضعة ايام ؟! إن المنطق والواقعية تقول أن دور أهل فلسطين فى معركة غزة الأخيرة أو فى المعارك القادمة، ليس سوى دور (الطليعة) دور (رأس الحربة) أما القوة الحقيقية التى ستحسم صراعنا مع الصهاينة فهى الأمة كلها وبالتحديد القوى الرئيسية بها والمحيط بعضها بإسرائيل، هؤلاء هم من ينبغى أن يلاموا، وأن ينتقدوا وأن يحاكموا أمام أنفسهم وأمام التاريخ، هؤلاء هم المناط بهم السؤال: متى نصر الله؟ وساعتها تكون الإجابة عندما تنصرون أنفسكم، وتحركون جيوشكم وأسلحتكم التى صدأت فى مخازنها وتحرقون( ماكينة) بيانات الشجب والإدانة المسماة زورا بجامعة الدول العربية والتى لا تنطق، عبر أمينها العام (الظاهرة الصوتية) إلا بكل ما هو عبرى يهودى للأسف
على اية حال….
على اية حال….
ان ما قامت به قوى المقاومة الفلسطينية (وليس حماس فحسب فهذا ظلم لها ولهم) وما قام به الشعب الفلسطينى، من ثبات وصبر ونصر فى هذه الجولة لا يغنى عن أخذ العبر والدروس المستقبلية وأهمها ضرورة اعمال الخطط الاستراتيجية للدفاع عن غزة، منذ اليوم التالى لايقاف النار، والتحضير دائما لعمليات استشهادية نوعية فى الضفة وفى شمال فلسطين، ولانتفاضة شعبية موازية تكنس عار أوسلو وحكوماتها ورموزها من أبو مازن إلى دحلان مرورا بسلام فياض (لاحظوا أن مثل هذه الانتفاضة لم تحدث اثناء هذا العدوان لأسباب عديدة من بينها أن سجون السلطة فى رام الله مليئة بالمجاهدين (400 مجاهد)، مطلوب من المقاومة عدم الارتكان لأى دور إيجابى تقوم به أنظمة الحكم العربية، فأغلبها اما متواطئ أو عاجز، والاعتماد فقط ينبغى أن يكون على النفس، ومن هنا ينبغى الدعوة مجددا إلى وحدة الصف بين القوى والفصائل الفلسطينية على أساس خيار المقاومة بمعناه الشامل (السياسى- التعليمى- الثقافى وقطعا العسكرى).
اننا نثق فى نصر الله، ونؤمن – يقينا- أن وعده سيتحقق فى فلسطين ولو كره المنافقون والعاجزون، ولنتأمل قوله تعالى [ الذين استجابوا لله والرسول من بعدما اصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم، الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم] صدق الله العظيم (ال عمران: 172: 174]
Email: [email protected]