لن تستطيع أن تمنع نفسك هذه الأيام من المرور على جميع قنوات العالم،ولن تستطيع أن تترك جهاز تلفازك دون أن تتابع تلك الصور البشعة،والأجسام المحرقة،وصور الدمار والتقتيل التي تنقلها لنا تلفزات العالم،قد تطالعك الكوابيس ليلا،لن تستطيع أن تغمض عينيك،ولن يستطيع إحساسك بالانتماء إلى النوع الإنساني أن يجعلك تتناسى أن هذا الشعب هناك في غزة يتعرض للإبادة عن سبق الإصرار والترصد من قبل قوى صهيونية،تمتلك السلطة والمال،وتمتلك لوبيات رأسمالية متوحشة تتحكم في العلاقات الدولية وفي موازين القوى في الكون…إنه كيان صهيوني أزمته الهوية،وجنون القوة والسلاح يدفعه للفتك بمدنيين عزل.
هنا غزة…هنا الشعب الذي يتعرض لأبشع حرب يسجلها التاريخ…هنا الإبادة الجماعية للجنس البشري تستعمل فيه آخر ما جادت به تكنولوجيا السلاح،صواريخ وقنابل فسفورية،هنا الصمت العربي المريب،والوهن العربي في ليلة حالكة يقتل فيها الأطفال والنساء والشيوخ،ليلة أطال فيها الضمير العربي والعالمي النوم كثيرا،وأكتشف الأحرار في هذا العالم على الرغم من قلتهم،سياسة الكيل بمكيالين للمنتظم الدولي،ونفاق المؤسسات الحقوقية العالمية،وأكثر من ذلك اكتشف العرب الأحرار ذل قادتهم وشماتتهم،وخوفهم على كراسيهم ومكاتبهم المكيفة،وبحت أصواتهم،حتى لم نسمع معه مجرد تنديد صريح،ولا خطاب جريء،إنهم ينهجون سياسة الهروب إلى الأمام،و يخترعون مصطلحات جديدة في علم السياسة والدبلوماسيةزبط النفس سيادة القائد الخالد،وسياسة الحفاظ على الكرسي لأكبر فترة ممكنة.
لا يمكن لأي أحد في العالم أن يرى صور القتل والدمار،وجثث الأطفال المشوهة،والأطراف البشرية المتناثرة على أرض غزة،دون أن يحس بإحساس التضامن،وبنوع من الحسرة،لن ينفع الحياد حتى لو كان موقعك يفرض عليك ذلك في صراع غير متكافئ،ولن ينفع أن نساوي بين جلاد يعربد ويستعرض قوته في وجه الأطفال،ويقصف المدارس والمستشفيات،وبين المدنيين العزل،وبين صواريخ بدائية لعناصر المقاومة…إن العبث إن ساوينا بين القوتين،بين الديناميت والفسفور وبين البارود.
لقد استطاعت أسلحة الجيش الإسرائيلي أن تفكك البنيات التحتية لغزة رغم قلتها وبساطتها،واستطاع أن يرهب أهلها وأطفالها،وأن يدمر مستشفياتها ومدارسها، وتمكن من حصارها لأكثر من سنة،وبعد أن أضعفها اقتصاديا،أرسل جماعة من القتلة بتحويلها إلى مقبرة،وملأ الشوارع بالجثث،والموت والدمار،لقد قام بتفكيك الهوية العربية
الحسن سعد الله – المغرب