كانوا يجمعون ما تبقى من أثاث تحت انقاض البيوت المهدومة بفعل قصف طائرات الاحتلال الصهيوني عليها, والبعض الآخر وأغلبهم من الأطفال كانوا يجمعون قطع الحديد والحبال المستخدمة في الانفاق تمهيدا لبيعها لأحد الرجال في المنطقة..
أطفال..نساء..رجال..هم أبطال المشهد الممتد على طول الحدود المصرية الفلسطينية بمخيم يبنى بمدينة رفح,
تلك المنطقة لا تعرف هدنة ولا هدوءا, كما عرفنا ونحن نركض مع الراكضين أثناء سماعنا لدوي انفجار اعقبه سماع هدير إحدى طائرات “الإف16” في المنطقة, فهرعنا مبتعدين عن المكان, لم يحدث شيء بحمد الله وعدنا إلى المكان مرة اخرى وعاد الأطفال إلى التنبيش بين ركام أحد البيوت التي كانت تستخدم كغطاء لنفق كان بداخلها.
هذه المرة تسنى لنا التأمل في المنطقة وقتا اكبر, جلت البصر حولي,, مساحة رملية ممتدة حتى الجدار الفاصل بين مصر وغزة, هذه المساحة كانت عبارة عن مجموعة من الانفاق المغطاه بعرائش من البلاستيك, وبيوت مازالت قائمة, وبيوت هدمت , لم استطع التفكير في شيء معين بالرغم من علمي بطبيعة المكان من قبل الا انني وصديقتي تخيلنا ان مدينة رفح شبكة من الانفاق من اولها لآخرها.
“شو جابكم!!جيين تموتوا” هكذا صرخ بنا الرجال هناك وكانهم هم فقط القادرين على مواجهة الموت وتحديه ان استطاعوا, وليس من حقنا أن يكون لنا نصيب في الموت إن أراد الله.. سرنا بجانب حاويتين للسولار الذي اضطر الغزيون إلى جلبه من الانفاق بعد منع “دولة الكيان” دخوله إلى قطاع غزة, اقتربنا لنستوضح أكثر, واذا بنا نرى آثار حريق قريب كان موجودا, جاءت الاجابة على لسان أحد الأطفال يقول لنا “ابتعدوا المكان ليس آمنا” وفهمنا منه أن حريقا شب بالأمس إثر القصف الذي لم ينقطع مما ادى إلى اشتعال المكان حول هاتين الحاويتين والذي اتضح خلوها من السولار, مما حد من حدة الحريق بعض الشيء. وكان صاحب تلك الحاويات موجودا في هذه الأثناء يتفقد أثر الدمار الي خلفه الحريق , وتساءلت في داخلي”كم خسر صاحب هذا النفق, لابد أنه وأصحاب باقي الأنفاق في قد خسروا أموالاً طائلة أنفقوها على بنائها وكانت مصدر رزقهم لمدة لا بأس بها من الزمن
عدنا إلى الشارع مرة اخرى وفي الطريق المكسو بطبقات الرمل تناهى إلى سمعي حديث بلهجة تختلف عن لهجتنا في قطاع غزة، ولفت نظري شاب أسمر يتشاجر مع عدة شبان، كان الموقف غريبا ، وتجمع حولهم كل من كان في المنطقة كعادة عامة الناس في المشاجرات، تساءلت أنا وصديقتي: “ما الذي يحدث هنا؟”
تساءلت وصديقتي فسمعتنا إحدى النساء وتطوعت لنا مجيبة بأن الشاب الأسمر, مصري جاء عبر أحد الأنفاق التي لم تتضرر بعد, وقد قام مع هؤلاء الشباب بإخراج بضاعة كانت موجودة في هذا النفق
ويبدو أنها قرأت من عيوننا استفهاما فحواه أنه من المخاطرة النزول إلى هذه الانفاق في ظل القصف الذي يستهدف الانفاق بشكل خاص,حيث قالت “لسا ما اجا دورنا”ونحن في بيوتنا ولم نغادرها وعندما يشتد القصف نلجأ إلى أقاربنا, وكأن الدمار الذي لحق بالمنطقة ليس كافيا بعد..ولا أدري بعد ذلك أتركتنا أما تركناها , فلقد تركت في داخلنا إحساسا مبهما يغلفه التعجب والحيرة ليس مما رأينا ولكن من عزيمة أهل تلك المنطقة وثباتهم برغم الموت المحدق بهم, وكأن العدو بكل قوته وترسانته العسكرية لا يعنيهم
, فهم أصحاب الأرض ولن تثنيهم تلك المخاطر المحيطة بهم عن التخلي عنها, بعكس اولئك المقيمين في المدن الجنوبية لدولة الكيان الغاصب والذين يفكرون بالعودة من حيث أتوا خوفا من صواريخ المقاومة الفلسطينية.