سامح عوده
لان محيطات الحزن لا يمكنها أن تتسعَ لأحزاننا، ولان الحروف الموجعة مهما كانت بليغة فلن تستطيع أن تعبر عن قطرة دمع في عيون طفل فلسطيني غزاوي، ممن طالهم القصفُ، أو ممن مزقتهم القذائف لتجعل لحمهم الطري متناثراً كرمال الصحاري، دمهم الطاهر يملأ أزقة المخيمات لتعود بنا الأيام إلى َعقود مضت حيث النكبة الأولى هجروا قسراً ، والان يقتلون ظلماً، في غزة وفي الضفة، نفس المشهد في مخيم جنين كان قبل أعوام، ومع اختلاف بعض التفاصيل البسيطة فان فصل الموت الذي نتعرضُ له هو نفس الفصل، اللهم ينتقل المشهد من مكان إلى آخر، القاتل نفسهُ، والأداة نفسها، فتحنا صدورنا أوراقاً كي ندون بمداد موجع حكايات موتنا، ومهما كنا نجباء فلن نستطيع أن نوثقَ كافة تفاصيل مشاهد الحزن، وتفاصيل الوقت، لأننا وباختصار خلقنا كي نحفظ وصايا الأجداد، فهم من علمونا أن الموت يهون لأجل الوطن .
بالتأكيد وان باعدت بيننا الجدران العزلة، والأسلاك الشائكة، وعشرات حقول الألغام بيننا، فان فلسطينيتنا تتجاوز كل ذلك، لان المدى الفسيح هو الذي ينقل رسائلنا، متجاوزاٍ كل ما صنعه المحتل ُ ليفرق بيننا، اليوم الجمعة وبلدة جيوس في الضفة الغربية، بقيت على نفس الموعد الأسبوعي، كي توجه رسالتها إلى هناكَ، حيثُ يموت البشر جماعات بفعل القصف الهمجي الشرس، أما غزة الحاضرة في الأذهان، الراسخة في الفؤاد فقد كانت بانتظار الموعد، البحر وان ملأته زوارقَ الموت الصهيوني فانه يرنو إلى حقول الزيتون التي أسرتها الأسوار العنصرية، ما كاد ينهي المصلون في البلدة صلاةَ الجمعة حتى تجمعوا شيوخا وصغاراً شبان ونساء، تجاوزا الألف وخمسمائة فلسطيني وانطلقوا معاً يهتفون لغزة الثكلى، ولأطفالها المشردين، غير مبالين بما بعدوهم الذي وزع جنده وعسكره على كافة المحاور، ورغم النداءات التي وجهت لهم بالحذر من المحتل الذي اعد لهم من العدة والعتاد الكثير، أصروا أن يوجهوا رسالتهم إلى غزة حيث يتحصن المحتلون خلف أسوار جدار الفصل العنصري، وقبل وصولهم إلى هناك إلى قبلتهم الأسبوعية، أمطرهم جنود الاحتلال بحقد رصاصهم اللعين، في كل مرة يغير المحتل ُ في أدواته القمعية، هذه المرة أطلقت النار عليهم من كاتم الصوت ليسقط خمسة جرحى في لحظة..
في غزة دم نازف وفي جيوس دم نازف ولكن الجميع في البلدة توحد ليكون مع حزن غزة والموت الذي سلبها وجهها الجميل، ندت الحناجر ُ هتافاً واحداً نحن معكم، رغم الموت، ورغم الاننين المنبعث من تحت الركام، استصرخوا ضميراً إنسانيا ميتاً وطالبوا بأن يحاكم مجرمو الحرب، علت هتافاتهم فيا أيها الضمير الإنساني القابع في ثلاجة الموتى استفق ولو للحظة، كي تكون تشاهد ما فعله العابثون، القاتلون للإنسان الأعزل .
كثير هي رسائل جيوس التي وجهتها إلى غزة، كثيرة هي المعاني الإنسانية التي حملتها بين طياتها رسائلهم، لقد أرسلوا من جيوس بشائر الأمل، بأن النور قادم مهما قتلوا مهما دمروا ومهما كان حجم المؤامرة فان هناك فجراً ينتظر البزوغ، وأن هناك شمس ستشرق ونعود ..!! من منافينا لنكون مع الفجر القادم، ولنكن بانتظار شمس الحقيقة التي آمنا بها قرآناً راسخاً لا نحيدُ عنه، إنها حقيقة أن الدم الفلسطيني واحد، فدماء غزة النازفة عانقت دماء الجرحى في جيوس، إنها لوحة سريالية رغم حزنها إلا أنها تحمل في زواياها الأربعة لمسات من جمال، جمال الفلسطيني بعطائه، ووحدة دمه .
شهور مضت ومازال التصميم على الاستمرار هو الهدف السامي لمواطني البلدة وفعالياتها، اليوم كان مميزاً بكل تفاصيله، وفي نوعية الحشد وعمق الرسالة التي وجهها المشاركون في المسيرة الأسبوعية إلى العالم، لقد تسابقت القوى والفصائل الوطنية الفلسطينية وفعاليات المجتمع المدني في محافظة قلقيلية لتشارك في المسيرة، وليكن على أجندة فعالياتها الوطنية في التضامن مع غزة مسيرة جيوس الأسبوعية، وهذا انجاز حققته البلدة يحسب لها، إذ خمن الكثيرون بأن هذا الزخم الشعبي لن يستمر، لان الاحتلال وبطشه، وأعباء الحياة الملقاة على عاتق المواطنين ستحول دون الاستمرار بزخم شعبي مرتفع الإيقاع، لذلك الإيقاع باذخ العزف رغم حزن اللحن، وعازفو الجوقة أبدعوا في العزف، فالتنسيق اليوم بين الجميع هو من جعل المسيرات الأسبوعية يزداد زخمها .
بالطبع لم يخفِ المواطنون امتعاضهم من التغطية الإعلامية للمسيرة، وانشغلت الفضائيات ووسائل الإعلام الأخرى بأشياء أخرى..!! فإلى متى سيستمر هذا التجاهل ؟! سؤال وجهه المشاركون في المسيرة لكل وسائل الإعلام المحلية والدولية، عسى أن يجدوا إجابة له في الأيام القادمة، يتجلى في تغطية موسعة للمسيرة وفعاليات البلدة الجمعة القادمة .
تحت ظل العلم الفلسطيني سارَ الجميع في طريق واحد موحدين، بصدور عارية واجه الشبان جنود الاحتلال، استمرت المواجهات ساعات طويلة حتى المساء،
لتغرق البلدة بسحب الغاز المسيل للدموع، ترى هل بقي في العين دموعاً تسيل؟! فالصور المرعبة التي نقلها الإعلام لم تبقِ في العين دمعاً يسيل ..!! ورغم ذلك وجه الجميع رسائل إلى غزة نقلها العابرون، رسائل أعمق من الجراح، أكدوا فيها بأنهم صامدون مهما فعل المحتلون، لن تأخذوا منا إلا صبرنا وصمودنا، انتم زائلون لا محالة، وإننا الباقون، المنزرعون في أرضنا، باقون هنا ولن نرحل، فاقتلونا أنى شئتم، فان لنا في أرضنا ما نعمل، زيتوناً ينتظر القطاف، باقون هنا كي نزرع الحقول سنابل، ونقاتل حتى نبقى فان المحتلَ لا محالة زائل .
لتغرق البلدة بسحب الغاز المسيل للدموع، ترى هل بقي في العين دموعاً تسيل؟! فالصور المرعبة التي نقلها الإعلام لم تبقِ في العين دمعاً يسيل ..!! ورغم ذلك وجه الجميع رسائل إلى غزة نقلها العابرون، رسائل أعمق من الجراح، أكدوا فيها بأنهم صامدون مهما فعل المحتلون، لن تأخذوا منا إلا صبرنا وصمودنا، انتم زائلون لا محالة، وإننا الباقون، المنزرعون في أرضنا، باقون هنا ولن نرحل، فاقتلونا أنى شئتم، فان لنا في أرضنا ما نعمل، زيتوناً ينتظر القطاف، باقون هنا كي نزرع الحقول سنابل، ونقاتل حتى نبقى فان المحتلَ لا محالة زائل .