فايز أبو راس
وجود فتح على الخارطة السياسية الفلسطينية مَدين في جزء كبير من جوانبه لمجزرة غزة 1956م أثناء العدوان الثلاثي على مصر, ولهذه المجزرة تأثير طاغٍ على تشكيل بنية فتح التنظيمية ورؤيتها للصراع مع العدو الصهيوني وطريقة حله منذ ما قبل التأسيس, والواضح أن مجازر غزة اليوم تحمل في ثناياها القدر نفسه من التأثير الإيجابي أو السلبي على وجود ومستقبل الحركة وذلك بحسب المواقف والقرارات التي يمكن أن تتخذها الحركة وقيادتها من العدوان القائم في غزة والدمار والمجازر التي تُرتكب بحق النساء والأطفال والاستخدام غير المحدود للأسلحة المحرمة دولياً بهدف فك العلاقة بين المقاومة وجماهيرها وصولاً الى إنهاء المقاومة فكراً وممارسة بدعم دولي ومن بعض المتصهينين العرب والمتأسرلين الفلسطينيين وعلى أساس ذلك فإمّا أن تشهد فتح ولادة جديدة كما كانت الولادة الأولى والثانية 65 و67 والولادة غير المكتملة والمجهضة في انتفاضة الأقصى وإمّا أن تتبدد وتتلاشى بالمعنى النضالي الكفاحي وليس بالمعنى المادي, لأن وجودها المادي قد يبقى ولكن ليس كمصلحة وطنية بل خدمة لأهداف ومصالح إسرائيل والقوى الخارجية التي ترعاها .
مؤسسو فتح الأوائل استخلصوا العبرة من مجزرة غزة 1956 التي هزت وجدان الشباب الفلسطيني المنقسم في حينه بين إيديولوجيات وعقائد متعارضة, وتيارات وأحزاب سياسية وقوى وعصبيات عشائرية ومناطقية مختلفة, لذلك كما وحد الاحتلال بينهم في القتل كان لا بد لهم من التوحد في المقاومة والكفاح ضد العدو الأساسي, وكان لا بد لهم من ترك المختلف فيه من الأيدلوجيات والعقائد والأفكار على حاله وبدون أن يَفرض أياً منهم إيديولوجيته وأفكاره على الآخرين, فكانوا حركة (المتفقين سياسياً والمختلفين أيديولوجياً) وببساطة فقد حددوا بذلك استراتيجية عملهم كحركة تحرر وطني وأعطوا الإجابة الصحيحة عن الواقع والمطلوب عمله في الوقت الصحيح,واستطاعت فتح عن طريق الثورة الشعبية المسلحة التي أطلقتها أن تكبر وتتعملق وتقود نضال الشعب الفلسطيني طول العقود الماضية, وتنقل قضية فلسطين إلى كل المحافل الدولية وتُحولُها من قضية لاجئين يحتاجون الى العطف والرعاية والمساعدات الإنسانية الى قضية تحرر وطني وشعب مناضل ضد الاحتلال طامحٍ للحصول على الحرية, فكسب التقدير والمحبة والاحترام والتضامن من كل قوى الحرية في العالم وتحولت فتح الى مدرسة للوطنية الفلسطينية.
الخيارات السياسية التي اعتمدتها قيادة فتح في مسارها التاريخي ذات طبيعة إشكالية عالية لأنها تطلب الشيء ونقيضه في نفس الوقت (كفاح مسلح _ تسوية سلمية) ولم تسع الى خلق توازن ما بين الاستراتيجي والتكتيكي في عملها, وكما حشدت خلفها جموع الداعمين والمؤيدين فقد صنعت لنفسها كذلك طوابير المعارضين والمحتجين وكلهم فتح, وقد أثرت هذه الخيارات بشكل كبير على مسار الحياة السياسية والنضالية للشعب الفلسطيني ولعل أحد الثمار السيئة لهذه الخيارات أن سلطة اوسلو قد ابتلعت حركة فتح وحولتها الى حزب سلطة وألغت عملياً منظمة التحرير كمنجز وطني واستخدمت الاسم لكسب شرعيتها ولتحكم باسمها.
دور فتح النضالي تآكل في ظل سلطة أوسلو, والتركيب السياسي للمجتمع الفلسطيني تغير بشكل نهائي وأصبحنا أمام ثنائية سياسية (فتح وحماس) وتأكد هذا التغيير عبر صناديق الانتخاب في انتخابات حرة وديمقراطية ونزيهة ومراقبة دولياً بغض النظر عن كيفية تعاطي قيادة فتح مع هذا الشأن,لكن الملاحظ انه كلما تراجع دور فتح النضالي كلما ذابت أكثر في السلطة وانعدم التمايز بينهما وتعطلت الآليات التنظيمية لإصلاح أوضاعها وتعقدت أزمتها أكثر فأكثر وزاد حجم التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية وخسرت قرارها المستقل لتصبح شيئاً فشيئاً أداة بيد الممسكين بقرارها يزجونها في غير مصالح شعبنا الوطنية كما هو حاصل اليوم في العدوان على غزة ,ولا يمكن لأي وطني اليوم أن يغطي سياسة محمود عباس ولا حكومة سلام فياض, لأن المسألة أعمق وأعقد من أن تعالج بالتذاكي وقلب الحقائق أو الفهلوة واللعب على الكلام كما يجري في المناظرات التلفزيونية, ما يجري في غزة قلب كل المعادلات وكشف جواهر الأشياء وأصبح للمستقبل لغة أخرى وحسابات أخرى تحتل فيها المقاومة مركز الصدارة, فإذا كانت ولادة فتح قد جاءت من رحم مجزرة غزة 1956 والموقف الصائب في حينه, فهل بامكان كادر فتح وبعض قادتها اليوم أمام مجازر غزة (2008 _2009) إحداث انطلاقة جديدة في فتح من خلال الإجابة الصائبة على أسئلة الواقع والوفاء بمتطلباته ؟؟؟ سؤال لم يبقَ متسع من الوقت للإجابة عليه .
المطلوب من كادر فتح قبل كل شيء أن يسترجع هوية فتح الوطنية كحركة تحرر وطني وحركة مقاومة وليست أداة سلطة, بحيث تعود مرة أخرى فصيلاً مقاوماً يقود المقاومة كما كان سابقا وليس موظفي سلطة وحرس حدود,وذلك بانخراطها الكامل في كل أعمال المقاومة في كل المواقع والمناطق بشكل علني وواضح وصريح وليس تحت أي مُسمى آخر , لأن المسمى الرسمي
لأداة فتح العسكرية هو (قوات العاصفة) وكل ما عدا ذلك من أسماء مع الاحترام والتقدير لدورهم وجهودهم المباركة في المقاومة مثل شهداء الأقصى وغيرها من التشكيلات العسكرية الحركية هي تشكيلات أمر واقع وإذا كانت في الماضي أيام الرئيس (ياسر عرفات) قد حصلت على الدعم الشخصي منه الاّ أنها بقيت مولوداً غير مرحب به على الدوام من قبل من أتوا بعده كبارا وصغاراً, وتعرض نشطاء هذه التشكيلات على الدوام للتآمر من قبل السلطة وأجهزتها, لذلك لا بد من التأكيد على قوات العاصفة وتثبيت أبوتها لكل التشكيلات العسكرية الحركية وأصبح لزاماً على الحركة إكرام هذه التشكيلات وإشهار بنوتها للحركة وأن تصدر القرارات الحركية الناظمة بخصوص ذلك ولا عذر بعد اليوم لمعتذر فلا ولادة بلا مولود وله قيود إلا إذا كان المولود غير شرعي.
لأداة فتح العسكرية هو (قوات العاصفة) وكل ما عدا ذلك من أسماء مع الاحترام والتقدير لدورهم وجهودهم المباركة في المقاومة مثل شهداء الأقصى وغيرها من التشكيلات العسكرية الحركية هي تشكيلات أمر واقع وإذا كانت في الماضي أيام الرئيس (ياسر عرفات) قد حصلت على الدعم الشخصي منه الاّ أنها بقيت مولوداً غير مرحب به على الدوام من قبل من أتوا بعده كبارا وصغاراً, وتعرض نشطاء هذه التشكيلات على الدوام للتآمر من قبل السلطة وأجهزتها, لذلك لا بد من التأكيد على قوات العاصفة وتثبيت أبوتها لكل التشكيلات العسكرية الحركية وأصبح لزاماً على الحركة إكرام هذه التشكيلات وإشهار بنوتها للحركة وأن تصدر القرارات الحركية الناظمة بخصوص ذلك ولا عذر بعد اليوم لمعتذر فلا ولادة بلا مولود وله قيود إلا إذا كان المولود غير شرعي.
قيادة السلطة وفريق مفاوضاتها والتيار المتأسرل هم الممسكون اليوم بقرار فتح وبدون أن يُسترجع هذا القرار منهم ويكون بيد مقاومي فتح فلن يتغير شيء, ولذلك لا بد لفتح من أن تميز نفسها عن السلطة وقيادتها وتتبرأ منهم ومن سلوكهم ومواقفهم وقراراتهم حتى لا تتحمل أوزارهم , لأن الجلوس على مقاعد المتفرجين وانتظار ما يسفر عنه القتال, ومن ثم قول كان رأينا كذا, ووجهة نظرنا غير ذلك, فهذا لن يجدي نفعاً , لأنه لا يختلف كثيرا عن موقف الشامتين المنتظرين دخول غزة على ظهر الدبابات الصهيونية أو المتربصين الطامعين بتعويم أنفسهم عبر المشروع الرسمي العربي مستغلين مآسي غزة لاستثمارها سياسياً وينسون أننا نعيش زمن غزة الذي أنهاهم سياسياً ونضالياً حتى لو بقوا كأسماء وأحياء جسديا.
في النهاية لن يستطيع أحد أن ينفي مشاركة فتح مع باقي فصائل العمل الوطني في المقاومة, ولن يستطيع أحد أن ينكر الدور الايجابي والتوحيدي الذي يلعبه عباس زكي وكادر فتح في لبنان وقد نجد البعض هنا أو هناك يلعبون أدواراً وطنية مميزة, لكن بعد ثلاثة أسابيع من العدوان على غزة وبقاء حركة فتح على ما هي عليه الآن بإمكان هؤلاء الإخوة الطيبين تبرئة أنفسهم مما يجري كأفراد أو مجموعات لكنهم لن يستطيعوا تبرئة أنفسهم كتنظيم, فانظروا ما أنتم فاعلون قبل وقف إطلاق النار, هذه فرصة لمخاض جديد ولن تتكرر.