جاسم الرصيف
دأبت كثرة من الكتاب العرب ، وعن ضيق أفق أكيد ، على توظّف مفردات مثل : الذل والعجز والإنكسار ، وحتى الجبن ، ملحقا بالعرب .. وفي وقت نفهم فيه ان المقصود من بعض هذه الكتابات هو الحكومات العربية وليس الأمة العربية على دلالات تأريخية قرينها واقع الشارع العربي الذي يؤكد أن العرب ، من خارج حكوماتهم ، ليسوا أذلاّء ولاعاجزين ولامنكسرين ، ولا نبالغ اذا قلنا أننا من أشجع شعوب الأرض على أكثر من موقعة للتأريخ البشري .
ولكن إستعارة عجز الحكومات العربية عن مواجهة تحديات العصر لوصم ( 350 ) مليون عربي ، وربما أكثر ، بعار الذل والعجز والإنكسار فيه تجن كبير، وقصور مؤذ في فهم وظيفة اللغة ، قد يعكس ما يعانيه الكاتب نفسه من إنكسارات شخصية مسقطة على الآخرين ظلما ، اذا كانوا يعنون الأمة العربية حقا بدلا من حكوماتها ، من حيث أن منجزات حركات المقاومة والتحرير العربية ، القديمة والحديثة ، لم تأت قرضا من أمة أخرى وليست إستعارة طارئة من خارج التأريخ .
ولايخفى على المتابع لهذا النمط من الإستعارات اللغوية الملغومة ، المسمومة ، أن بعضا من الكتاب ( العرب ) موظّف أصلا لهذا التلغيم وهذا التسميم لغرض بث ّ روح الهوان والإستسلام والقبول بسياسات الإمر الواقع التي تفرضها دول الغرب منذ عقود على الحكومات العربية ، خاصة في قضيتي احتلال فلسطين والعراق ، ويسحب هؤلاء عجز تلك الحكومات قسرا على أمة لاذنب لها ولا مسؤولية عن هذا العجز والرضوخ المهين لإرادات دول غربية صار همّها الأول أن تشرذم العرب الى أعراب والأمة الى أمم .
مفردات اللغة ، خاصة في وسائل الإعلام بمختلف أشكالها ، متفجرات في الوعي الجمعي العربي ، من مضحكاتها أن مذيعين ومذيعات في قنوات عربية ( !! ) ، لايجيدون الكلام في غير اللهجات المحلية ، وبعضهم جاهل لايفرق حتى بين معنى ( لهجة ) و( لغة ) ، عن تدن واضح في مستوى التعليم وفي مستوى الثقافة العامة ، فضلا عن تدت في مستوى المؤسسة التي يعمل فيها في آن ،، أو أن هذا البعض يتعمد الإبتعاد عن اللغة العربية الفصيحة ، ولو بأبسط مستوى لها ، فيرتكب جريمة حقيقية في تدمير الوعي الجمعي الثقافي لهذه الأمة المبتلاة بمسؤوليها .
آن أن ننتبه لخطورة التلغيم في مفرداتنا ، اليومية ، ومنها على سبيل المثال مفردة خطيرة جدا شاعت مؤخرا : ( شعوب !! ) عربية : هي شعب واحد وفقا لقدر الله الذي شاء لنا أن نولد عربا في العراق أو موريتانيا ، في سوريا أو اليمن والصومال ،، وقد أكرمنا الخالق بلغة غير قابلة للموت صار أساسها الخالد القرآن الكريم ، ومدى صدق أيماننا بالله يعتمد على صدق قبولنا ورضانا بالقدر الذي شاءه لنا الله في قدر الولادة ، ومدى احترام لغتنا كما تحترم الأمم الأخرى لغاتها .
وفي وقت لايختلف فيه عربيان منا ، من خارج طواقم حكوماتنا العربية ، أن رؤى حكوماتنا مع بعضها من جهة ، ومع حكومات غير عربية من جهة أخرى ، محمّلة بالكثير من القصور والتقصير بحق الأمة العربية كوحدة مجتمعية تعيش عالم اليوم المتجه نحو الإتحاد ، فيما تتجه حكوماتنا نحو التفرق ، فإن هذا الواقع الحكومي الرسمي العربي هو الذي أنتج الذل ّ والعجز والإنكسار الحكومي الرسمي ، وليس الشعبي ، الجمهيري ، ومن ثم يتحمل الشق الرسمي الحكومي من الأمة العربية كل هذه العارات التي لايمكن لطخها على جبين مئات الملايين من العرب بدون ذنب .
ويكفي ، في هذا السياق ، أن نذكر دليلين على براءة أمتنا من أي عجز أو أي ذل ّ أمام كل تحديات العصر :
الأول : هو استمرارية المقاومة الفلسطينية منذ عقود ، مرورا بأجيال شتى ، ولم تنكسر يوما ولم تذل ّ .
الثاني : ظهور المقاومة العربية العراقية التي حمت كل دول الشرق الأوسط ، عربية وغير عربية ، من أخطر مشروع صهيوني أمريكي سمّي في حينه ( الشرق الأوسط الكبير ) ، بعد إحتلال العراق ، ولكن هذه المقاومة محته من طاولات البحث والتطبيق ، ومازالت تغير التأريخ حتى في أميركا نفسها .
نعم ! .
هو ليس ذل ّ ولاعار هذه الأمة أن تذل ّ وتنكسر حكوماتها ، ومعظمها منصّب قسرا عليها ، ولكنه ذل ّ وإنكسار من إرتاح للذل ّ والإنكسار ليحمي كرسي حكمه على حساب من لم يذل ّ ولم ينكسر إلا ّ لإرادة الله .