د. فايز أبو شمالة
ليمت أطفال غزة جميعهم، ولتسقط أمهاتهم قتلى فوقهم، يجب ألا نكون رحيمين بهم أكثر من قادة حماس، يجب ألا نكون ضعفاء، ويجب أن نتحلى بأعصاب قوية، ولا نضغط على حكومتنا حتى نحقق أهدافنا، وتستسلم لنا قيادة حماس المسئولة أخلاقياً عن غزة، هكذا يمكن تلخيص فكرة الكاتب اليهودي “يوئيل ماركوس” في صحيفة “هآرتس” وهو يحض الرحماء في بني قومه على تحجير قلوبهم، وإغماض عيونهم حتى يتحقق لهم النصر.
لا غرابة في هذا التحريض الإعلامي البين على مواصلة قتل المدنيين من الأطفال والنساء، والشيوخ دون رأفة، ودون وجل، لأن الكاتب ينضح من وعاء الحقد التوراتي الذي تربى عليه، ويعبر عن مصلحة بني جلده في تصفية المقاومة دون الالتفات للبعد الإنساني، ولهم تجارب في مذابح سابقة، ورصاصهم يمتد من ثورة “البراق” سنة 1929، وما قبلها، وحتى آخر قذيفة تسقط الآن في حجر امرأة تعد الحليب لأطفالها في مكان مكشوف في غزة، ولكن الغريب العجيب أن يكون للكاتب اليهودي “يوئيل ماركوس” جيشاً من الكتاب العرب، والفلسطينيين الذين يرددون كلامه، ويبيعون أفكاره بعد أن يلبسوها ثوب الحرص على أطفال غزة، والبكاء على الدمار الذي لحق بأهلها، ويذرفون دمعة كاذبة هازئة بالمقاومة، ويحملونها المسئولية، إنه جيش “ماركوس” الذي يبرئ القاتل، ويتهم القتيل، أو يساوي بين القاتل والقتيل في أحسن الأقلام، ولكنه يحرض على التسليم، وعلى ضرورة توقف القتال رحمة بالأطفال، وشفقة بالنساء، وصوناً لما تبقى من بيوت مدنية لم تهدمها الطائرات الإسرائيلية.
أي نجاح هذا للإعلام العبري وهو يكتب بأقلام عربية؟ لقد نجح الإعلام الصهيوني سابقاً في تصوير الشهيد “أبو عمار” بأنه سبب دمار الفلسطيني، وكان الإعلام ذاته قد نجح سنة 1948، في تصوير المرحوم “الحاج أمين الحسيني” بأنه سبب نكبة الشعب الفلسطيني، بل أنه لعنة تصيب كل من يصافحه، وها هو الإعلام الصهيوني ذاته يصور حماس، وأخواتها في المقاومة بأنهم السبب في كل موت يسقط من الطائرات على رؤوس الفلسطينيين!.
إنه التشكيك الإسرائيلي بجدوى المقاومة، والتحريض الإسرائيلي على أهمية التسليم لمشيئة الدولة العبرية، والتأكيد على أن ذبح غزة حق إسرائيلي غير قابل للنقض ما دام فيها من يصر على أن يلبس كوفية الكرامة، وأن يسير على خطى الشهيد “أبي عمار” ويقول لا للتفريط، وهذا يفرض علينا أن نقتدي إعلامياً بالدولة العبرية في حالة الحرب، وأن نقيم رقابة ذاتية، ضمن اتفاق شرف إعلامي غير مكتوب، يقضي بألا تسخر الأقلام الفلسطينية إلا لمعالجة الدم المسفوح، ولا تؤشر الخطوط، وتشير الأصابع الإعلامية إلا للقدس الذبيح.