د . محمد الإدريسي . عسير
يظن بعض السطحيين فتح الله عليهم ، أن عدائي لآل سعود ينبعث من انفعالات شخصية ، والله يعلم أن ما أكتبه لا غرض لي من ورائه إلا الجهاد بالقلم في سبيل الله العزيز الحكيم ، من أجل الوصول للحق والتواصي به ، ثم الصبر على مواقفه ، فرارا من خسران وعد الله به كل من لا يلتزم بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر ، ومن واقع تخصصي في فلسفة التاريخ ، تكشفت لي حقائق تلزمني عقيدتي الإسلامية بعدم السكوت عنها ، ولن يغيب عن نباهة الدارس المتأمل خطورة نظام آل سعود ، الذي تهيمن عليه عائلة مشبوهة في نسبها ومسلكها ومقاصدها وتحركاتها ، ويدل على ذلك بوضوح تصرفاتها ، منذ أن غرستها بريطانيا في قلب جزيرتنا العربية ، وتبنتها بعدها الإمبريالية الأمريكية الموجهة صهيونيا ، لتفرض من خلالها سيطرتها على أقدس مقدساتنا ، وتبدأ مسيرتها في تحريف الدين إلى أن وصل الأمر لما هو عليه الآن ، وقد ترسخت قناعة في وجداني ، أن الله لن ينصرنا حتى نطهر بيته من الدنس السعودي ، وأن طريق القدس يبدأ من مكة ، والوصول إلى المسجد الأقصى ينطلق من المسجد الحرام .
بات واضحا عند كل متابع ، مدى هيمنة آل سعود على القرار السياسي للنظام المصري ، لدرجة هزت صورته ، وورطته في مواقف تنتهك حدود العيب بل حدود الحلال والحرام ، وجرّت بذلك الأمة العربية إلى تشرذم لم تعهده من قبل على امتداد تاريخها ، ودفعتها نحو فتنة طائفية ، بانت ملامحها تتجسد في هوّة تتسع كل يوم ، بين السنة والشيعة ، وقد فضحت أحداث غزة النظامين السعودي والمصري ، ليتضح أن حجم المؤامرة أبعد من غزة وأكبر من حماس السنية ، مثلما أنه كان أبعد من لبنان وأكبر من حزب الله الشيعي ، إنه كيد الليل والنهار ، لتمرير مخططات أعداء الأمة والدين ، ووأد قدراتها المقاومة سنية كانت أو شيعية ، ولنظام آل سعود سوابق مفضوحة في لعب هذا الدور القذر ، فعندما هبت الأمة لتقاوم مشروع تقسيمها المعروف باسم سايس بيكو ، وترفض تجزأة الوطن الواحد إلى دول ، وتحركت قواه السياسية لمعالجة هذا الموقف ، كان التحرك المضاد لبريطانيا وأمريكا ، فقام الرئيس الأمريكي فرنكلين روزفلت باستدعاء عبد الإنجليز آل سعود في لقاء تم في الشهر الثاني من عام 1945 م على ظهر الطراد الأمريكي “كوينسي” الذي كان راسيا في مياه البحيرات المرة بقناة السويس ، ثم ينطلق عبد الإنجليز آل سعود بعدها مباشرة ، للقاء رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل ووزير خارجيته أنتوني إيدن ، في فندق الأوبرج الشهير بمدينة الفيوم المصرية ، يوم 16/2/1945 ، في وقت كان فيه قادة عرب منهم محمود النحاس وشكري القوتلي وبشارة الخوري وغيرهم يتجاذبون الأمر بين قرارين ، وحدة اندماجية ، أم اتحاد فيدرالي ، وكان البحث منصبّا على تأسيس جامعة عربية ، لتتفتق قريحة الخبث البريطاني المعروف فأمر عبد الإنجليز بالدعوة إلى إضافة كلمة دول للجامعة وهذا ما كان ، فقد تأسست بعيد ذلك ، جامعة الدول العربية يوم 22/3/1945 ، لترسخ مبدأ التقسيم حسب مشروع سايس بيكو ، الذي فرض التشرذم على الأمة العربية ، ومكن من زرع الكيان الصهيوني في قلبها ، ولولا مؤامرات الكيان الصهيوني السعودي ما ضاعت فلسطين .
كان هذا بالأمس ، أما اليوم ، يذبح الشعب الفلسطيني في غزة العزة ، لا لشيء ، إلا لإجباره على التخلي عن المقاومة ، والتسليم لمخططات بني صهيون في ابتلاع فلسطين العزيزة تنفيذا لوعد بلفور ، ومن هنا يكون التساؤل وجيها عن مقدمات هذا العدوان الهمجي منعدم الإنسانية ، فهل كان لهذا أن يتم لولا مبادرة عبد اللات بن عبد الإنجليز آل سعود بن مرخان ، تلك المبادرة التي سفهت دماء الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن حق العرب في المقاومة قبل نكسة عام 1967 م ، والتسليم للغاصب في جزء هام ومعتبر من أرض فلسطين التاريخية ، ثم بعد ذلك كان ما عرف باتفاق مكة الذي نظر وأسس وحرض على الانقسام بين السلطة وحماس ، ثم تقوية جناح الاستسلام على جناح المقاومة ، وتم التمهيد النهائي بتلميع الكيان العنصري الصهيوني بدعوته لما عرف بمؤتمر الحوار الذي ما كان إلا لهذا الغرض ، وقد لا حظ الجميع ذلك الغزل المفضوح بين الملك عدو الله بن عبد الإنجليز وبيريز ولفني ، ويستمر التآمر بعرقلة أي عمل عربي مشترك ، بالسيطرة على دور الطوق ، مصر بالكامل ، والأردن جزئيا ، ونصف لبنان مع التحريض على نصف لبنان المقاوم وسوريا ، وتوجيه الأتباع في الكويت والبحرين وشراء القرار التونسي بالمال .
ينعقد مؤتمر الحكام العرب أو لا ينعقد ، ليس هذا المهم ، فجميع الحكام العرب هم أشبه بركاب طائرة مخطوفة ، لا حول ولا قوة لهم في توجيهها ، المهم أن ما بعد غزة لن يعود لما كان عليه ، وأضحى التحريض على الأنظمة الحاكمة ، والدعوة لتغييرها من أهم الواجبات القومية والدينية ، وبالرغم من عدم توافقي مع ممارسات حزب البعث ولكنني أتفق معه في الترتيب ، الوحدة أولا ثم الحرية ، فلا حرية دون وحدة ، ولا وحدة قبل تحرير الجزيرة العربية من الدنس السعودي ، وتخليص الحرمين من براثن آل سعود الصهاينة أصبح اليوم فرض عين يأثم من يتخاذل في القيام بواجباته .  
;
;