محمد ملوك
ـ الرباط المغرب ــ
الحرب على غزة تدخل أسبوعها الثالث ومرحلتها الثالثة ، وإسرائيل تكثف من غاراتها الجوية وضرباتها البرية والبحرية وتسابق الليل والنهار للقضاء على صواريخ المقاومة الفلسطينية والعودة بنصر عسكري يواري خيبة أملها في جنوب لبنان ويؤمن لمواطنيها العيش بأمان واطمئنان ويزكي مواقع قادتها في الإنتخابات القادمة ، وأمريكا تتفهم دواعي الدولة العبرية ودوافعها وتقف بكل شجاعة في صفها وتحول دون إصدار قرار دولي من شأنه أن يمس هيبة إسرائيل أو يجرم أفعالها أو ينتزع منها حق الهجوم على أوطان الغير للدفاع عن أمنها الداخلي ، وحماس تستغيث بأهل السماوات والأرض وتشهـِد العالم على ما يجري في القطاع وتقسم على المقاومة والإستبسال وتبشر كل المتتبعين لأطوار هذه الحرب بغد النصر والكرامة والتحرير مادامت صواريخها المؤرقة للإسرائيليين حية ترزق .
والمتأمل لما يجري فوق وعلى أرض غزة من تطورات وما يرافق ذلك من تحركات رسمية وشعبية سيجد أن إرهاب حماس إنتصر إلى حد ما على اعتدال إسرائيل وأن هذه الأخيرة هي الدولة الوحيدة التي تجهل عن قصد كيفية التعلم من أخطائها وطريقة الإتعاظ بدروس وعبر الماضي .
فإذا كانت الحرب الأخيرة على جنوب لبنان جعل لها شعار : القضاء على ” حزب الله ” باعتباره منظمة إرهابية وجبت تصفيتها قد كسرت مقولة ” الدولة التي لا تهزم ” وأوقفت زحف مشروع الشرق الأوسط الكبير وخلقت خريطة سياسية جديدة بالمنطقة بعدما عرت سوءة إسرائيل أمام العالم ، فإن الحرب التي تجري في قطاع غزة كشفت بالواضح الملموس أن الديمقراطية الإسرائيلية لا يمكن لها أن تقوم إلا على أنقاض الجثث المحروقة والرؤوس المقطوعة والأشلاء المتناثرة والأمعاء الممزقة ، وأن الإعتدال الإسرائيلي يعني في تجلياته الكبرى ومعالمه العريضة إبادة شعب أعزل وتدمير مدينة بأكملها على أجساد وجماجم ساكنيها وقاطنيها وزائريها واستخدام أبشع الوسائل وأشنع الأساليب وأخبث الأسلحة لنيل الأغراض وقضاء المصالح دون تمييز لطبيعة وانتماء المستهدفين أو اعتبار لأماكن العبادة والإستشفاء والإغاثة أو احترام لأبسط القوانين الدولية المهتمة بهذا الشأن أو إذعان لقرارات مجلس الأمن أو رضوخ لمطالب التسوية والرجوع للغة العقل والإحتكام إلى صوت المجتمع الدولي .
وفي المقابل أعطت هذه الحرب لحماس ولباقي فصائل المقاومة الفلسطينية شرعية جديدة لاستمرار عملياتها ضد إسرائيل ، ووهبتها فرصة سانحة لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل والخروج من مأزق التشرذم والتمزق والإتفاق على كلمة سواء .
إعتدال إسرائيل في غزة نــصَر إرهاب حماس في الخارج وألزم ديبلوماسية الإتحاد الأوربي وأنظمة البلدان العربية والإسلامية وبعض الصقور في العالم بالتحرك على وجه السرعة لكبح جماح هذا الإعتدال ومحاولة تجريمه خوفا من تنامي ظاهرة الحقد على الغرب وما يترتب عن ذلك في المستقبل وتخوفا من تطور مفاجئ في مواقف الشعوب التي خرجت من أقصى الأرض إلى أقصاها رافعة أعلام حماس ورايات المقاومة الفلسطينية على رؤوسها ومطالبة بإنهاء كل العلاقات مع كيان بين لهم أن أبجديات الديمقراطية عنده لا تتحقق على أرض الواقع إلا بفوهات المدافع وقصف الطائرات واغتصاب حق الآخر وصناعة الإرهاب والإرهاب المضاد .
إرهاب حماس أماط اللثام عن اعتدال إسرائيل وطبيعة أخلاقها في الحروب وألب الرأي العام العالمي عليها ، وكشف أوراق أمريكا مرة أخرى وجعلها العدو الأول للعرب والمسلمين عندما وضعت نفسها في معسكر واحد مع إسرائيل وتبنت إرهابها ، وأيقظ أمة من سباتها فخرجت عن بكرة أبيها لتطالب زعماءها باستخدام كل الآليات والوسائل المتاحة لنصرة قضيتها الأولى ، الأمر الذي يعني أن قادة الكيان الصهيوني سيعودون من غزة بخفي حنين وبهزيمة سيـُبحث لها عن مخرج لتغطيتها ، ومن يدري فقد تكون جنوب لبنان أو مرتفعات الجولان أو مصر العروبة مخرجا نافعا للمداراة عنها وفصلا جديدا من فصول مسرحية الإعتدال الإسرائيلي الذي حول حكام العروبة والإسلام إلى سماسرة ووسطاء ، وحول شعوبهم إلى قنابل موقوتة قابلة للإنفجار في كل زمان ومكان .