د. فايز أبو شمالة
حياتنا معبر يفصل بين الكرامة والمهانة يتم اجتيازه بالصمود، والتضحية، وإرادة الرجال حين تتحزم بالمقاومة، وما أبعد المسافة بين معبر يوصل إلى طاولة المفاوضات، وتبادل القبلات، وبين معبر يفضي إلى ميدان القتال، وتصارع الإرادات، لقد وقعت أخي حافظ البرغوثي في مقالك ـ المعبرـ في خطأ الاستنتاج وأنت تقول: [زبدة مطالب حماس من هذه الحرب الكارثية في غزة هي المعبر] وأنت خير من يعرف أن كسر قفل المعابر عن غزة ليس فكاً للحصار فقط، وإنما كسر لمشيئة العدوان، وأن فتح المعبر بقوة الإرادة هو مقدمة لفتح ملفات أغلقها الإسرائيليون لعشرات السنين، ومنها ملف العودة إلى فلسطين لمن لا يزال مقتنعاً بحق العودة، وإذا كان يمكن حل قضية المعبر على فنجان قهوة كما تقول، فلماذا أغلق هذا المعبر ردحاً من الزمن؟ ولماذا لم يفتح دون فنجان قهوة ويخفف عن الشعب معاناة الحصار، والحرب؟ ومن هي الجهة المسئولة عن إغلاق المعبر، وتغليق مداخل ومخارج سجن غزة على سكانها إذا كان فنجان قهوة سيفتحه؟ أم هي الحرب العدائية التي لا يمكن عزلها عن مجمل الحراك السياسي في المنطقة، وعن المستجدات الميدانية، والروح العدوانية للدولة العبرية، وبالتالي لا يمكن قصرها على فتح معبر؟
لقد دقت الحرب أوزارها على الشعب العربي الفلسطيني في غزة بهدف كسر إرادة المقاومة، وتفريغ الإنسان الفلسطيني من ثقته بنفسه، وطاقته، وقدرته، وتجريده من أحلامه، وأماني تحرير أرضه بالقوة، إنها الحرب التي ترمي إلى تسليم الفلسطيني بالعجز، والتخلي عن القدس، وعن قريتك “دير غسانة”، وعن كل فضاء الضفة الغربية قبل أن يسكت عن غزة الجائعة، ولذلك فإن شعبنا ضد التسطيح لمقاومته العنيفة، ولبطولاته النادرة، ولصموده الخارق، وضد قصر مفهوم الحرب على أهداف حزبية ضيقة، وتحديد آثارها على فتح معبر؟ أم غابت عن البعض ممارسات الاحتلال ضد أرضنا، وحروبه بحق شعبنا قبل سنة 1948، وقبل سنة 1967، وقبل الانتفاضة، وقبل أن تفقس بيضة حماس، ويخرج منها كتكوت المقاومة الذي تعملق في زمن قياسي؟ فهل كل حروبنا مع إسرائيل كانت على فتح معبر؟ لقد حاربت إسرائيل إرادة البقاء فينا، وحاربت نهج المقاومة وهي تحاصر بيروت سنة 1982، وقتها لم يكن الهدف فتح معبر، وإنما هدفت إسرائيل إلى كسر إرادة شعب رفض البيع، والتفريط بفلسطين، وما أقرب الشبه بين حصار أبي عمار الذي تخلى عنه أصحابه، وحصار غزة التي تخلى عنها أقرب إخوانها ـ لقد قمعت السلطة الفلسطينية بالقوة مظاهرات تضامن سكان الضفة الغربية مع إخوانهم في غزة ـ والهدف في حالتي الحصار هو كسر الإرادة، والتحدي لمشيئة الدولة العبرية، لقد كان أبو عمار قادراً على أن ينهي حصاره بجملة استسلام واحدة، ولكنه ارتقى شهيداً دون أن يفرط، وحتى هذه اللحظة ما زال يمكن أن تنفتح أبواب البت الأبيض لحماس، لو اعترفت بشروط الرباعية التي اعترف فيها المفاوض الفلسطيني، وقتها سيسارع “أهود أولمرت” لاستقبال خالد مشعل بالقبلات في “أورشاليم” كما استقبل السيد محمود عباس، أم تشك في ذلك يا أخي حافظ، وأنت الذي قرأنا كتاباتك الوطنية لسنوات، ونقر بمواقفك الجريئة في الهجوم على أرباب الفساد، وأدعياء الوطنية؟
نسامحك يا سيد حافظ على كل ما سبق، ونحسبه محكوماً بالخلافات السياسية، ولكننا لا نتفهم منك المقاربة بين الاجتياح الإسرائيلي للضفة الغربية سنة 2002، واستسلام غزة لحماس، وأنت تعرف الفارق بين الاجتياح الإسرائيلي المغتصب للضفة الغربية، وما له من أطماع بعيدة المدى، وبين سيطرة حماس على غزة، أو استسلام غزة كما ذكرت، طائعة راضية بعد أن كتبت كتابها مع المقاومة على سنة الله ورسوله.
لقد لامست الحقيقة يا سيد حافظ وأنت تشير إلى من يسيل لعابهم للمال الذي يتبرع فيه العرب لتعمير غزة، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنني سألت أحد شباب حماس، وكان يقوم بإيصال رواتب شهر ديسمبر إلى بيت كل موظف في غزة حسب كشف مرفق، سألته: ماذا تتقاضى من أجر مقابل هذا العمل الخطر، وأنت تسير تحت ظل الطائرات، وتقفز عن ظهر الدبابات المعادية، فقال: أتقاضى راتبي الشهري، وأدفع منه عن طيب خاطر 2،5% لتنظيم حماس، أما هذا العمل فهو لوجه الله تعالى، ولعيون الوطن.
إن النصر الذي يتحقق على أرض غزة ليس ملكاً لحماس، ولا للجهاد الإسلامي، إنه ملك لكل فلسطين، وللعرب جميعاً، إن هذا الصمود الذي تسمع عنه لهو صناعة فلسطينية يحتسب فيها شعبنا تضحياته لوجه الله تعالى، ولعيون الوطن.
أخي حافظ البرغوثي، إن أحببت فتعفف، وإن كرهت فتلطف.