سألني احد الاصدقاء من الكتاب المحترمين عما اذا كان الهجوم المتواصل الذي اتعرض له من قبل “الدوغما” المسلحة بكل مخزون التخلف الفكري، بسبب موقفي من حركة حماس وبرنامجها وسلوكها السياسي والعسكري وادائها واهدافها ، قد هدأ..؟
فأجبته انه يبدو ان هناك من تفرغ تماما لممارسة الهجوم، وان هناك عملية تجنيد لانصار واتباع التيار الديني، واتباع التيار “المقاومنجي” بالكلام و الخطب الرنانة ، بحيث يصلني ما لا يقل عن 60 رسالة بالبريد الالكتروني يوميا، مليئة بالبذاءة والاتهامات والادانة، ولا يخلوا بعضها من التهديد والوعيد وبأسلوب وقح للغاية. ومنها من اتخذ قراره بان”مأواي جهنم وبئس المصير”.
فقال صديقي .. لا تهتم انها معركة ضد الجهل والجهال، ولا بد من مواصلة الطريق.
فقلت له صحيح ان هناك 60 رسالة معارضة، ولكن هناك ايضا العشرات من الرسائل ممن يؤيدون وجهة نظري وهناك مئات من خيرة الكتاب الذين يكتبون بنفس الاتجاه، وان المعركة كما وصفتها طويلة، ولا بد من المضي فيها الى النهاية.
وتتلخص وجهة نظر انصار حماس، وانصار “المقاومة”.. عموما بانها تعتبر ان الانتقادات الموجهه الى طرف غير العدو الصهيوني، في الوقت الراهن، هو اصطفاف الى جانب العدو، منطلقة من منطق العصبية القبلية القائل “انا وأخوي على ابن عمي ، وأنا وابن عمي على الغريب”. وفي قول اخر ” أنصر اخاك ظالما او مظلوما.
ويستخدم البعض مقولة اخرى هي “عدو عدوي صديقي”. ايضا للدلالة على ان انتقاد حركة حماس هو موقف خاطيء، وان من ينتقدها في هذه المرحلة يكون تلقائيا قد وضع نفسه الى جانب العدو، وبناء على هذه النتيجة السطحية ترمي “الدوغما” بوجه من يجروء على انتقاد حماس بتهم العمالة والخيانة والكفر ومعاداة الاسلام والمسلمين، ويصل الامر بالبعض لان يطلب منك بصفاقة “ان تقول خيرا او تصمت” وكأنه هو الذي يعرف ما هو الخير وما هو الشر.
والرد على اصحاب الانتقادات المنطلقة من وجهة النظر السالفة الذكر، لا يكون الا بالمضي بالكتابة، والمضي بفضح المناورات السياسية ، واستخدام الدين والدم وأرواح الابرياء من الناس وسائل لتحقيق اهداف وغايات سياسية.
لكن هناك من الانتقادات تتسم بالموضوعية وتحمل وجهة نظر نحترمها ونجلها، وان كنا لا نتفق معها، ومن هذه الانتقادات ما خطه السيد موسى عيسى تعليقا على احد مقالاتنا (من يريد الاطلاع على التعليق باكمله فيمكن الوصل اليه من خلال الرابط التالي”
على مدونة رفاق شعب ومن ابرز ما جاء فيه:
“ اعتقد بأنالخطاب السياسي لأي حزب او فصيل او اي شخص فلسطيني وغير فلسطيني قبل العدوان يجب انيختلف عنه اثناء العدوان، وبالتأكيد ما بعد العدوان , فمن يريد ان ينهي العدوانويعزز صفوف جماهير شعبنا بالصمود والمقاومه بقدر الامكانيات المتاحه عليه ان يوجهسهامه الى العدو البربري الصهيوني الذي يقتل بشعبنا ليل نهار , ومن هنا تأتي اهميةتجميد خلافاتنا السياسيه لخدمة هدف أكبر وأسمى وهو وقف العدوان الهمجي على شعبنا فيقطاع غزه”.
وانا اتفق مع السيد موسى بما تفضل فنيراننا لم تتوقف لحظة طيلة سنوات طويلة ضد العدو الصهيوني، ولكن فيما يتعلق بحماس فانني اتمنى عليه وعلى غيره من يستطيع ان يبرهن بأن حركة حماس تستوعبها عبارة “خلافاتنا” اي ان يثبت ان حماس طرفا في المعادلة الوطنية وانها جزء “منا” اي من الصف الوطني بحيث تعتبر الخلافات معها ثانوية بين ابناء الصف الواحد..!!.
وسوف اتفق مع السيد موسى اذا استطاع ان يبرهن بان توجيه النقد الحاد لحماس وللعدو بنفس الوقت يتعارض مع السعي لوقف العدوان الدموي على شعبنا..؟
وسوف اعتذر للسيد موسى بشده لو استطاع ان ينفي ان حماس طرفا رئيسيا في استمرار القتال في غزة، وانها برفضها المبادرة المصرية التي وافقت عليها السلطة الوطنية الفلسطينية وهي القيادة الشرعية لشعبنا بغض النظر عن نوع وحجم الملاحظات على ادائها، لا تساهم باطالة امد الموت والدمار..؟
ومن المؤكد انني سوف أنحني احتراما وتقديرا لمن يبرهن على ان ما يتعرض له شعبنا من قتل وموت وتشريد هو فقط بسبب العدو الصهيوني العدو الرئيسي لشعبنا”، وان جماس ليست طرفا اساسيا بهذا العدوان، بسبب اخط
ائها السياسية، بدءا من انقلابها على الشرعية، وانتهاء بعدم ادراكها للحظة السياسية، وخوضها حرب الشرعية في مواجهة السلطة الوطنية الفلسطينية، حتى دون الأخذ بعين الاعتبار وزن مصر ودورها وعلاقاتها بالقضية الفلسطينية، بالتالي ممارسة عنترياتها الفارغة بزلزلة الارض تحت اقدام العدو بصواريخها العبثية، وانهائها للتهدئة، ليستثمر العدو هذه العنتريات الفارغة لتنفيذ سياسته المبيته ضد شعبنا كله وضد قضيتنا الوطنية.
ائها السياسية، بدءا من انقلابها على الشرعية، وانتهاء بعدم ادراكها للحظة السياسية، وخوضها حرب الشرعية في مواجهة السلطة الوطنية الفلسطينية، حتى دون الأخذ بعين الاعتبار وزن مصر ودورها وعلاقاتها بالقضية الفلسطينية، بالتالي ممارسة عنترياتها الفارغة بزلزلة الارض تحت اقدام العدو بصواريخها العبثية، وانهائها للتهدئة، ليستثمر العدو هذه العنتريات الفارغة لتنفيذ سياسته المبيته ضد شعبنا كله وضد قضيتنا الوطنية.
ثم من هو الذي يقول ان مواجهة التطرف اللفظي لبعض الفصائل الوطنية ليس احد وسائل الصراع مع العدو، وانه ضمن عملية المواجهة الشاملة للعدو الصهيوني..؟
ان الكثير ممن يستخدموا العبارة اليسارية التقليدية “الصراع الثانوي والصراع الرئيسي” يستخدمونها بحرفية مطلقة، دون الاخذ بعين الاعتبار ان الصراع الثانوي يكون احيانا اشد خطورة من الصراع مع العدو الرئيسي.
واذكر في هذا السياق ان جبهة التحرير الجزائرية، أجبرت الحزب الشيوعي الجزائري على حل نفسه والانخراط في الجبهة، وقد تعرض بعض الشيوعيين الذين رفضوا حل الحزب والانخراط بالجبهة كافراد الى الاعدام، بعد اتهامهم بالخيانة العظمى وارتباطهم بالمستعمر الفرنسي.
وكذا الامر في فيتنام حيث انخرطت جميع التيارات السياسية طوعا او جبرا في جبهة التحرير الفيتنامية بقيادة الحزب الشيوعي الفيتنامي.
فالحديث عن الوحدة الوطنية ليس مطلقا، ولا هو “يوتوبيا” او احد الاقانيم” الثابتة يجب الالتزام بتطبيق احد نماذجها بحرفيته، لان المنطق يقول ان كل حالة ولها شروطها وقوانينها وقواعدها.
ويبدو ان حماس تدرك اكثر من كافة القوى الوطنية الفلسطينية الاخرى بما فيها اليسارية مفهوم ومعنى الوحدة الوطنية التي يجب تحقيقها في الساحة الفلسطينية، فهي تريد الوحدة التي تضمن لها موقع القيادة والسيادة، مستندة بذلك على خطأ ارتكبه جزء ضئيل من شعبنا لا يتجاوز في احسن الاحوال عن 20 بالمائة في غفلة من التاريخ، حين اعطاها صوته في انتخابات عامة.
ويتساءل السيد موسى قائلا ” لماذا الغالبيه الساحقه من مقالاتك تتسم بالحده والهجوم فقط علىحركة حماس وتغفل ممارسات السلطه الخاطئه؟؟.
وجوابي هو لأن حماس ليست حركة سياسية وطنية، بل هي حركة سياسية دينية، لها برنامجا شديد التناقض مع البرنامج الوطني، قاعدته تقوم على ”وما الحاكمية الا لله” ومضمون هذه القاعدة هو انه لا يجوز ابدا الخضوع لاي قيادة سياسية مهما كانت، وانه يجب ان تكون حماس في موقع السيادة والقيادة باعتبارها هي التي تقود الشعب بامر الله ولتحقيق حكمه وشريعته بالارض.
وللعلم فهذا ليس موقفي وحدي او موقف من ينطلقون من نفس المفاهيم التي انطلق منها، بل هو موقف حماس ايضا، فاحد اعضائها يرد على دعوتنا الى الوحدة الوطنية بقوله “انت وضعت الحل النهائي وهو الوحدة الوطنية، ولكن قل لي بالله عليك كيف أتوحد مع فصيل يصر قادته على أن التنسيق الأمني مع العدو والرضوخ الكامل لشروطه هو الحل..؟ , كيف أتصالح مع فصيل يسعى لتحطيمي وإضعافي وتقديم رموزي كلقمة سائغة للعدو مقابل مصالح مادية ومنافع شخصية .. كيف ؟؟.
وانا اضيف على قول هذا الحماسي انه كيف يمكن التوحد مع فصيل جر شعبنا الى هذه المذبحة من اجل السيطرة على معبر رفح، بحيث يضمن له منفذا الى العالم الخارجي مما يعزز شرعيته، ويعزز دولته الاسلامية، القائمة على قاعدة وما الحاكمية الا لله”.
انني شديد الاستغراب في الحقيقة من حالة عدم الادراك لطبيعة واهداف حركة حماس من قبل بعض الرفاق اليساريين..
فموقفي الحاد من حركة حماس هو لانها تريد وراثة الحركة الوطنية الفلسطينية كلها، بكل فصائلها وتاريخها ونضالاتها طيلة نصف قرن او يزيد، تريد ان تكون شريكا مع السلطة وليست شريكا في السلطة كما قال رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور سلام فياض، تريد الغاء الجميع، وهذا ما قامت به جزئيا في قطاع غزة بعد الانقلاب على الشرعية حيث حاصرت وجمدت بنسبة او بأخرى نشاطات كافة القوى والتيارات السياسية الاخرى، وسحبت السلاح من بعضها، وضيقت اعلاميا على البعض الاخر، وفرضت الاقامة الجبرية على مناضلي فتح، ومارست ديكتاتورية لا تختلف عن ابشع الديكتاتوريات المنتشرة بالمنطقة.
كما ان برنامجها يتناقض مع جميع فصائل الحركة الوطنية الفلسطينية، بيمينها ويسارها، و
لا تلتقي مع بعض فصائل اليسار الا بجزئية استخدام السلاح ضمن برنامج المقاومة، ولا شيء غير ذلك على الاطلاق.
لا تلتقي مع بعض فصائل اليسار الا بجزئية استخدام السلاح ضمن برنامج المقاومة، ولا شيء غير ذلك على الاطلاق.
فهل تكفي هذه النقطة الجزئية لاقامة وحدة وطنية مع حماس ..؟ ام ان الوحدة الوطنية تقام على اساس برنامج سياسي شامل (على اساس الحد الادنى) وانه لا بد وان يكون هناك فصيلا اساسيا قويا، فالجبهة الوطنية ليست جمعية خيرية تخيم عليها اجواء الديمقراطية والشفافية، بل ان فيها بعض الجبرية والاخضاع وفرض التنازل على البعض.
اما القول بعدم توجيه النقد للسلطة الوطنية، فعلينا قبل كل شيء ان نحدد ماذا نقصد بالسلطة، هل المقصود فيها الحكومة الفلسطينية..؟ ام المقصود فيها ما ترمز اليه من سيادة وطنية يختزل فيها مفهوم الدولة الوطنية..؟
اذا كان المفهوم الثاني فهو فوق النقد، اما اذا كان المقصود بها الحكومة فنقدها امر مشروع وبشكل لاذع ودون هوادة، ولدينا عشرات بل مئات الملاحظات على اداء الحكومة، ولكن من منطلق الحرص على حسن الاداء وتطويره والارتقاء بدورها، ولا يقتصر نقدنا على سلوك افراد بالحكومة مثل من سرق طحينا او اسمنتا او هرب هواتفا، فهذه امور يتلهى بها صحفيون مبتدئون عادة ما يكونوا غير محترفين، لكن القوى السياسية تنشغل بقضايا كبرى لها صلة بالبرامج والخطط والرؤى المتعلقة بكل شؤون حياة المواطن.
وهذه معركة طويلة ودائمة ومستمرة حتى عندما تتمكن الحكومة من زرع شجرة من الذهب امام منزل كل مواطن، سيظل نقدالحكومة مطلوب ومشروع، وسوف تجد من يوجه لها الاتهام، لانها لم تجعل شجرة الذهب تطرح بطاطا او بامية.
ان الكثير من الملاحظات التي يبديها البعض تنطلق في الواقع من اما جمل ومصطلحات جامدة مجمدة، مستمدة من التراث الديني اذا كان اصحابها من التيارات الاسلاموية، او جامدة مجمدة مستمدة من تراث الحركة القومية العربية اذا كان اتباعها ما زالوا يؤمنون بان الحكومة المغربية مثلا معنية بتدهور الاوضاع المعيشية في اليمن، وان الحكومة السعودية عليها واجب الاهتمام بانهيار المساكن على رؤوس اصحابها في القاهرة.
وتجد هؤلاء القوميون يصرخون بأعلى صوتهم.. أين انتم يا عرب ..؟ ويوجهون نيران نقدهم اللاذع للحكومات العربية، لانها لم تعقد قمة لمواجهة العدوان الصهيوني على غزة، بينما لا يسأل هؤلاء أنفسهم لماذا لم تعقد الفصائل الفلسطينية اجتماعا لنفس السبب.
ففي الاسبوع الماضي دعا فصيلا فلسطينيا الى اجتماع على مستوى الامناء العامون لفصائل المقاومة، فلم يستجب احدا لتلك الدعوة، فلماذا تريدون من العرب ان يستجيبوا لدعوة قطر لعقد قمة.
ايها السادة المحترمون مرة اخرى واخرى واخرى .. لا توجد عواطف في السياسة .. ولا توجد مجاملات.. توجد دائما مصالح .. ولذلك فان كل الخطاب العاطفي الذي يمارسه البعض، ورفع القبضات في الحسينيات، لا يغني ولا يسمن من جوع، وسوف تظل المعركة بين العقل والعاطفة .. بين الوعي والجهل .. بين الواقعية والسيريالية .. بين الحقيقة والخيال .. بين الواقع و الأماني .. دائرة وبقوة ، وسوف يتسع ويحتدم اوارها، لأنها احد الأوات الرئيسية في تحقيق هدف الانسانية بالتطور والارتقاء.
ابراهيم علاء الدين