أسامة أبو ديكار
كاتب سوري
ليس جديداً على الدولة العبرية أنها تستفيد من تجاربها، انتصاراتها وهزائمها في آن، وأعتقد أنها لو كانت غير ذلك لما استطاعت البقاء داخل بحر من العرب والمسلمين، بحر رافض بضميره ووجدانه لوجودها جملة وتفصيلاً، ليس لأنه وجود مصطنع فحسب، وإنما لأنه وجود مؤذ وكارثي على الأمة وعلى جميع مفاعيل تقدمها وتطورها.. وربما لم يخطىء من اعتبر أن الحرب مع إسرائيل هي حرب وجود وليس حرب حدود.
وأكثر ما يبين ما نقوله هو الحرب الدائرة اليوم في غزة، فقد أصبح معروفاً أن إسرائيل تسعى في حربها على غزة إلى استخلاص العبر من أدائها العسكري الهزيل في حرب يوليو/تموز 2006 مع حزب الله اللبناني، وإلى العمل على استعادة هيبة الجيش. ورغم أن خوض المعركة أمام مجموعة من المقاتلين محدودي التسليح لا يمثل بالفعل اختبارا حقيقيا للأداء الذي بدا متدهورا قبل عامين وأثار عاصفة من الانتقادات بالداخل، إلا أن إسرائيل تنتهج مجموعة من التكتيكات التي تتيح لها تجاوز عثراتها السابقة.
فلم تعلن إسرائيل هدفا كبيرا أو واضحا لحرب غزة حتى لا يتعرض الجيش للمحاسبة حال العجز عن تحقيقه، ولذا ظل الهدف الغامض المعلن هو القضاء على خطر الصواريخ، وبدا الهدف الفعلي على استحياء وهو القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وإلى ذلك، عمدت إسرائيل إلى الإعداد للمعركة عسكريا وإعلاميا، واختيار توقيت ومكان المعركة، فضلا عن تنفيذ أساليب تمويه وخداع سياسية وعسكرية قبل بدء الهجوم.
أول الدروس التي تعلمها الإسرائيليون من حرب صيف2006 ضد لبنان, وحاولوا تجنبها في حربهم الحالية ضد قطاع غزة وحركة حماس هو إعطاء كل الأولوية للأسلحة الجوية والبحرية التي يجب أن تواصل القصف المكثف والعنيف لتدمير كل الأهداف المرصودة استخباريا كمواقع مؤثرة عسكرية كانت أو سياسية أو لوجستية تابعة لحركة حماس ومن بينها المستشفيات والتحسب الشديد لأي مواجهات برية, أو على الأقل استخدامها في اللحظات الختامية للحرب بعد التأكد من افتقاد المقاومين القدرة على المواجهة, وأن الدخول إلى عمق القطاع أضحى مأمونا تماما. لقد ظل الحديث عن الحشود البرية المحيطة بالقطاع واستدعاء الآلاف من قوات الاحتياط محصورا في دائرة الحرب النفسية وأداة من أدوات إدارة الصراع السياسي حول شروط إنهاء الحرب, إلى أن حسم الإسرائيليون موقفهم ودفعوا بقواتهم البرية نحو قطاع غزة, بهدف تدمير ما لم تستطع القوات الجوية والبحرية تدميره واغتيال من لم تستطع هذه القوات اغتياله, وربما يهدفون أيضا إلى اعتقال من يستطيعون اعتقاله من قادة وكوادر حركة حماس, لكن هدف العودة إلى خيار احتلال قطاع غزة كاملا لن يكون واردا لضخامة همومه وتعقيداته, لكن ربما يحرص الإسرائيليون على احتلال الشريط الحدودي الممتد بين الحدود المصرية وقطاع غزة لاستعادة السيطرة على المعابر وجعل قطاع غزة بدون أي منفذ عربي ووضعه في كماشة إسرائيلية من جميع الاتجاهات باستثناء البحر المغلق أمام الحركة والشعب الفلسطيني بالبحرية الإسرائيلية، على حد رأي الكاتب المصري د. محمد السعيد إدريس في مقال بعنوان “حرب الأهداف المفتوحة” نشرته صحيفة “الأهرام” المصرية في 6/1/2009 .
أما الدرس الثاني فهو تجنب وصول أي تهديد إلى الجبهة الداخلية الإسرائيلية والحرص الشديد على تماسك هذه الجبهة حول قرار الحرب ودعمه, فقد حدث الانهيار العسكري الإسرائيلي المعنوي في حرب صيف2006 نتيجة لانهيار الجبهة الداخلية, وانهارت الجبهة الداخلية بعد اليقين من إدراك حجم الخسائر البشرية في صفوف القوات الإسرائيلية المقاتلة, ثم بعد تعرض العمق الإسرائيلي للضرب المباشر بصواريخ حزب الله التي وصلت إلى حيفا وكادت تتجاوزها إلى تل أبيب. باراك أدرك مبكرا هذه الحقيقة وسبق أن صرح لصحيفة يديعوت أحرونوت بأن إسرائيل لا تريد الحرب ولكنها إذا فرضت عليها فسوف تخوضها شرط أن تكون حربا سريعة وخاطفة, وأن تحدد إسرائيل توقيتها, وأن تكون علي أرض العدو, وألا يمتد خطرها إلى الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
في هذه المرة يخوض الإسرائيليون الحرب مع قطاع غزة, أي على أرض العدو, وفي التوقيت الذي أرادوه وخططوا له وهم على يقين بأن حركة حماس لن تستطيع أن تصل إلى العمق السكاني الإسرائيلي نظرا لأن المسافة الشاسعة التي تفصل بين القطاع وذلك العمق تستوعب كل القدرات العسكرية البسيطة لدي ح
ركة حماس, فصواريخ حماس لن تصل إلى العمق الإسرائيلي, لكن كانت المفاجأة أن صواريخ جراد تجاوزت مسافة الـ40 كيلو مترا وبدأت تصل إلى أهم مدن جنوب إسرائيل.
ركة حماس, فصواريخ حماس لن تصل إلى العمق الإسرائيلي, لكن كانت المفاجأة أن صواريخ جراد تجاوزت مسافة الـ40 كيلو مترا وبدأت تصل إلى أهم مدن جنوب إسرائيل.
أما ثالث الدروس فكان إعطاء أولوية قصوى لدور الإعلام في الحفاظ أولا على تماسك الجبهة الداخلية حول قرار الحرب وتأمين القبول الدولي للأهداف التي قامت من أجلها دون إهمال لضرورة اختراق المجتمعات العربية ودفعها للانقسام حول الحرب إن لم يكن القبول بها.
ومن جهة ثانية وعلى العكس من حرب إسرائيل على لبنان صيف2006 حرص كبار المسؤولين على عدم الحديث عن الأهداف الحقيقية واكتفوا بهدف غامض هو حماية جنوب إسرائيل من صواريخ حماس, لكن على الجانب الآخر هناك تأكيدات وعلى لسان مسؤولين ومحللين كشفت أن إسقاط حكم حماس في غزة, وفرض معادلة توازن قوى جديدة تسمح بسيطرة التيار الفلسطيني المعتدل على كل مقاليد القرار السياسي دون عرقلة من المتطرفين, بحيث تستطيع إسرائيل فرض السلام الذي تريده, هي أهم الأهداف حسب ما أعلن حاييم رامون نائب رئيس الوزراء.
ربما هي دروس كثيرة وعديدة استفادت منها إسرائيل من خلال حروبها مع العرب، وليس حرب تموز فقط، ولكن السؤال المرير هو هل العرب استفادوا من حروبهم مع إسرائيل أي درس من دروس التاريخ والحرب والمواجهة؟!!
ربما الإجابة على هذا السؤال تكمن في أن السفير الإسرائيلي في عدة دول عربية مازال قابعاً داخل مكتبه يشاهد الجماهير الغربية الغاضبة والمستنكرة لوجوده، في حين أن هناك الكثير من قوات الأمن العربية تحمي وجوده وترعى مصالحه، ولا تسمح للـ(طير) بأن يحوم قريباً من مكتبه!!