الذي تعود على إرتياد السوق الشعبي الذي ينتظم كل صباح يوم أحد في مخيم ” المغازي ” للاجئين، وسط قطاع غزة، لا شك أنه فوجئ أول امس من انكباب مئات الناس على مجموعة من بسطات الخضار في السوق، في الوقت الذي ظلت بقية البسطات بدون زبائن تقريباً. لكن لم يكن هناك في الواقع سبب اللدهشة، فقد قام أحد الموسرين بشراء شاحنة من الخضار وتوزيعها على الذين يرتادون السوق من الأهالي في المعسكر، حيث انكب الناس على تعبئة البطاطا والطماطم والخيار والكوسا والفلفل وغيرها من الخضار. أحد الذين استفادوا مما جاد به هذا الموسر، هو محمد شحدة ( 24 عاماً “، الذي كانت أسارير وجه منبسطة وهو يغادر السوق وهو يكاد ينوء بما يحمل من خضار في طريقه للبيت. وقال محمد العاطل عن العمل لـ ” الشرق الأوسط ” أن ما عاد به من خضار يكفي اسرته اسبوعان، حيث أن أسرته خلال الأسبوعين الماضيين كانت تعيش فقط على الخبز وبعض الطماطم التي كان والده يحضرها لعائلته بين الحين والآخر. وفي ظل المحنة التي يحيونها، فأن هناك الكثير من صور التضامن والتكافل التي برزت بين الفلسطينيين في غزة. ولعل أوضح هذه الصور هو قيام الكثير من الأسر الموسرة بتوزيع المواد الغذائية على الأسر الفقيرة. ياسر عليان، أحد التجار في منطقة ” دير البلح “، استغل مؤخراً سماح إسرائيل بإدخال الدقيق وقام بشراء عدد كير من اكياس الطحين وقام بتوزيع كيس طحين على الكثير من الأسر المعوزة الي تقطن في منطقته. عليان قالـ ” الشرق الأوسط ” أنه يعرف بعض الأسر لم تذق طعم الخبز منذ عدة أيام، مشدداً على أن ما قام به هو أقل ما يمكن أن يقام به في ظل الواقع الصعب الذي تحياه الكثير من الأسر. ومن صور التضامن التي يمكن لكل من يتجول في مدن ومخيمات وبلدات قطاع غزة أن يلمسها بسهولة هو أن الناس باتوا لا يتورعون عن طلب المواد التي تنقصهم من جيرانهم في حال توفرت لديهم. جيران أسامة سلمان سلمان الذي يقطن ” المغازي “، وجدوا ضالتهم عندما عرفوا أنه قام بتخزين كمية كبيرة نسبياً من الكيروسين الأبيض الذي يستخدم في اشعال المصابيح والمواقد البدائية التي تعمل بهذا النوع من الوقود، فتوجهوا اليه، حيث قام بمنح كل واحد منهم لترين من الكيروسين عن طيب خاطر. الناس هنا في ظل الواقع الصعب الذي يحيونه عادوا لأيام خلت، حيث باتوا الكثير منهم يتناولون وجبات الطعام معاً. حوالي خمسة عشر من الشباب الذين يقطنون منطقة ” أبو حمام “، شرق دير البلح، وسط القطاع، يتجمعون يومياً حول وجبة الغداء، حيث أن كل واحد منهم يتبرع بإعداد هذه الوجبة، وهي تتراوح بين فتة العدس وطبيخ البقوليا الجافة. ومن صور التكافل التي تلمس بشكل واضح هو قيام العائلات التي تقطن في مناطق بعيدة عن مناطق المواجهات والتوغل بفتح أبوابها أمام العائلات التي تقطن في مناطق المواجهات والتوغل عندما تفر اليها، حتى عندما لا تجمع هذه العائلات صلة قرابة. بعض العائلات خصصت دواوينها لاستقبال العائلات الفارة. ولا يتردد الجيران في مد يد العون للعائلات التي تؤوي الأسر الفارة من مناطق القصف. الليلة قبل الماضية قام عامر بريك الذي يقطن ” بركة الوز “، بتوفير طعام العشاء لعدد من الاشخاص الذين حلوا على جاره مراون عبد ربه، والذين قدموا من منطقة ” أم الجمال “، التي تتاخم تماماً الخط الفاصل بين اسرائيل والقطاع. بريك قال لـ ” الشرق الاوسط ” أنه يعي الوضع المادي الصعب لجاره مروان وحقيقة أنه منذ أسبوع وهو يوفر الطعام والمأوى للذين لاذوا ببيته.