وهي تنتحب صارخة ظلت تقلب الجثث الثلاثين التي تكدست في احدى الغرف في مستشفى ” شهداء الأقصى “، في المنطقة الوسطى من القطاع، لكنها ما لبثت إن انهارت بعد أن لم تنجح في التعرف على نجلها رامي حسين ( 24 عاماً )، الضابط في الشرطة الفلسطينية مع أن زملاء رامي أبلغوها أنه على الأرجح قد نقل الى هذه المستشفى. لم تنجح الأم الولهى بالتعرف عليه، حيث أن جميع وجوه ورؤوس هذه الجثث قد قد تغيرت معالمها، في حين ان بعض هذه الجثث كان بدون رؤوس، لكن أحدى بناتها اشارت اليها أن تفحص الجثث من جديد وتركز على اصابع الرجل اليسرى، حيث أن إحد اصابع رامي قد بتر قبل عامين جراء حادث، وبالفعل أعادت الوالدة المنتحبة الكرة لتتأكد أن جثة رامي كانت الجثة السادسة من حيث الترتيب، حيث تعرفت على نجلها بأصبعه المبتور. لقد فشلت أم رامي في التعرف عليه بعد احترق وجهه وجه للتشويه وتحول الجزء العلوي من جسمه الى ما يشبه الفحم. وبعد وقت طويل من الصراخ والعويل قام أحد الممرضين بوضع جثة رامي في بطانية ونقلها الى سيارة الأجرة التي وصلت بها أمه وأخواته الثلاثة للمستشفى لكي يعود لبيت العائلة وليدفن بعد ذلك. هذا المشهد تكرر اول امس وأمس كثيراً في جميع مستشفيات قطاع غزة، استخدام إسرائيل في معظم عمليات القصف قنابل تزن الواحدة منها طن أدى الى تشويه الجثث بشكل كبير لدرجة يصعب معها التعرف القتلى. وبسبب العدد الكبير من القتلى، فأن معظم القتلى تم وضعهم في غرف وليس في ثلاجات الموتى كما هو الحال في الأوضاع الطبيعية. في ذات الغرفة في مستشفى ” شهداء الأقصى ” هناك جثة لطفل يتراوح عمره بين الثامنة والعاشرة بدون رأس، الأشخاص الذين أحضروا جثته للمستشفى يقولون أن الطفل كان يمر بالقرب من مركز شرطة المنطقة الوسطى الرئيسي عندما تم تدميره اول امس. في غرفة صغيرة بالقرب من الغرفة التي وضعت الجثث على أرضيتها، هناك بعض الرؤوس وأجزاء من رؤوس وأطراف وأشلاء لأجزاء مختلفة من الجسم، بعض الرؤوس تم وضعها الى جانب الجثث التي تعود لها، وبعضها من الصعب الموائمة بينها وبين بقية الجثث. ونظراً لأن معظم جثث القتلى الذين لم يتم التعرف عليهم ملقاه على أرضيات غرف وليست في ثلاجة الموت، فأن هناك خوف لدى إدارات المستشفى من أن تشرع هذه الجثث بالتحلل قبل أن يقوم اصحابها بالتعرف عليها ودفنها.
المثير للمرارة، وكما لاحظت ” الشرق الأوسط ” في كثير من المواقع التي تعرضت للقصف المدمر، أن الناس الذين قاموا بعمليات اخلاء الجثث قد تركوا خلفهم الكثير من الأشلاء، حيث حرص الناس على اخلاء الجثث الكاملة ولم يهتموا كثيراً بالأشلاء، وحاولوا الانسحاب من المكان بأقصى سرعة خشية أن تتعرض هذه المواقع للقصف مجدداً، كما حدث أكثر من مرة.