د. محمد احمد النابلسي
رئيس المركز العربي للدراسات المستقبلية
خرج علينا الأميركيون أيام جبروتهم بنظرية النهايات التي بدأها فرانسيس فوكوياما بنظرية “نهاية التاريخ” ومنطلقها النظري أن التاريخ تكتبه الحروب التي لم تعد واردة في ظل الهيمنة العالمية الاميركية الوحيدة على العالم. وبقي فوكوياما يدافع عن نظريته فأدخل عليها تعديلات منتقلاً بها الى “نهاية الإنسان” ودفاعات أخرى قارع فيها فوكوياما مفكرون كبار. ولم يغلبه ويطرحه أرضاً سوى الرئيس الراحل بوش الذي شن حروبه العمياء ليعلن ان التاريخ لا يموت. وان القوة الوحيدة في العالم تستطيع ان تخرب العالم وتزرعه بالدماء والحروب اذا ما قيض لها قيادة عبقرية مثل قيادة بوش. ولما لم يجد بوش دولاً منافسة ومستعدة لمحاربته فهو انتقى اعداءً أفراد فخاض حروبه ضد هيغو تشافيز واسامة بن لادن وصدام حسين وغيرهم من الأشخاص. وكانت النتيجة نهاية بوش ونهاية الدولار ونهاية القوة العسكرية الاميركية ونهاية تحويل الأصدقاء الى عبيد. ومع ذلك فان بوش لا يزال يجد من يدافع عنه ويعجب به ولكن خارج أميركا. ونحن في حل من تعداد معجبي بوش العرب كون التعداد جالب للإساءة وان كانوا لم يدركوها بعد.
ولكن هل يحق لي التذكير بالأصوات الصادحة في لبنــان يوم غابت عنه السياسة والعقل وحكمته عقد الثأر ورغبات قابيل بقتل أخيه هابيل. يومها سمعنا أصوات تقول: “لاتخونوننا فنحن لسنا أميركيين او متأمركين أو عملاء لأميركا فكل ما في الأمر أن مصالحنا تتقاطع مع المصالح الأميركية وتلتقي معها”. وهؤلاء لا يزالون يزعقون “لا تخوننا”. فهم لم يدركوا بعد ان احداً لم يخونهم وانما كان الحديث عن منعهم في توريط لبنان في غبائهم وأمية سياسة يدعون انهم من لاعبيها ونحن أعلم بمصدرهم ومنابتهم.
اليوم جاء وقت مناقشة نهايات من نوع آخر. نهايات أكثر علمية وواقعية ومنها دراسة تدخل في إطار المستقبليات توقع البروفيسور إيغور بانارين ،وهو أحد أهم المحللين في الاستخبارات الروسية، الإنهيار الاميركي في العام 2010 وهو ما قد يؤدي إلي ظهور خريطة جديدة للولايات المتحدة الأمريكية. ويرى محللو الدراسة انها ليست هواماً إسقاطياً يرى تفككاً اميركياً على غرار تفكك الاتحاد السوفياتي. إذ تستند دراسة بانارين برأي هؤلاء الى رؤية علمية موثقة. فقد درس بانارين تطورات الاقتصاد الأميركي الأخيرة واستنتج أن هذا الأخير سينهار في وقت لا يتجاوز يونيو أو يوليو من العام 2010, على أن يلي ذلك انهيار الدولار وحرب أهلية اميركية طاحنة تتوج بتحلل الولايات المتحدة إلى ست دول هي: ألاسكا وتكون تابعة لروسيا. هاواي وتذهب إلى اليابان أو الصين. جمهورية كاليفورنيا التي ستمتد في الغرب من أوتاوا إلى أريزونا على حوض المحيط الهادئ وستدور في فلك الصين. جمهورية تكساس في الجنوب من نيومكسيكو إلى فلوريدا وهي ستتبع المكسيك. جمهورية أميركا الأطلسية في الشمال من تينيسي إلى كارولينا الجنوبية وستنضم إلى الاتحاد الأوروبي, وجمهورية شمال أميركا الوسطى من أوهايو إلى مونتانا وهي ستتبع كندا. ويعتبر بانارين أن انفجار أميركا على هذا النحو ليس السيناريو الأفضل بالنسبة إلى روسيا, على الرغم من أنها ستصبح دولة قوية بعد زوال أميركا على الساحة الدولية, وذلك بسبب اعتمادها الكثيف على الدولار وعلى التجارة مع الولايات المتحدة. لكن المسألة لا تتعلق بالرغبات الشخصية بل بالوقائع. فالولايات المتحدة في حالة انحدار اقتصادي, وتحلل أخلاقي, وهجرات جماعية, وهذه كلها عوامل ستقود حتماً إلى حرب أهلية طاحنة وإلى تفكك الولايات المتحدة في فترة يونيو –يوليو 2010. ورد كبار المعلقين والمحللين الأميركيين في كبريات الصحف والمجلات ردوا على بانارين بغضب. فـ«التايم» اتهمته بأنه يورد توقعات مشينة. وول ستريت جورنال قالت أنه ينظر في المرآة الروسية لا الأميركية, وواشنطن بوست قالت أنه لا يفقه شيئاً حيال التركيبة القومية الأميركية, على الرغم من أنه اختصاصي بالشوؤن الأميركية. في الخلاصة فان نبوءة بانارين كشفت عن وجود قلق حقيقي في أوساط النخبة الأميركية من مخاطر حقيقية تهدد وجود الكيان السياسي الاتحادي الأميركي وامكان استمراره على قيد الحياة.
اليوم وبمناسبة حرب غـزة فان دماءنا تسفك هناك ولنا ان نطلب من المتحذلقين ان ينتبهوا من اقامة تحالفات مع دولة آيلة للسقوط بعد سنة وبضعة أشهر.