ما يجري مؤامرة على القضية الفلسطينية .. كيف ولماذا؟
بقلم : زياد ابوشاويش
في تصريحات ملفتة أشار ملك الأردن عبد الله قبل أيام قليلة إلى وجود مؤامرة على القضية الفلسطينية في كل ما يجري من تحركات واتصالات سياسية مرافقة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، منبهاً لخطورة الأمر وجديته وضرورة التصدي له.
ولأن النظام الأردني يقيم سلاماً دا فئاً مع العدو الإسرائيلي وبينهما تنسيق أمني دائم كما ويحظى بعلاقات ورعاية متميزة من الدول الغربية خاصة بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية فقد بدت هذه التصريحات غريبة ولافته. إن خطورة ما قاله الملك الأردني ترتبط بشكل مباشر بدور الأردن التاريخي في مسار القضية الفلسطينية وهو دور سلبي في أفضل توصيف له أولاً. كما يرتبط بموقع الأردن الجغرافي ونشأته التاريخية على حساب الأرض الفلسطينية ثانياً. وبالدور الذي تريده أمريكا لهذا البلد صاحب الحدود الأطول مع إسرائيل ثالثاً.
إن صدور هذه الكلمات من رأس النظام الأردني وبهذه الكيفية يشير إلى أن وراء الأكمة ما وراءها وأن الملك عبد الله يملك المعلومات التي تجعله قلقاً إلى هذه الدرجة من تطورات محتملة في الإقليم ربما تؤثر سلباً إن لم نقل تزعزع مكانة الأردن ونظامه لحساب ترتيبات تتعلق بتسوية الأوضاع الفلسطينية والعربية لفرض الاستقرار في المنطقة، وتأمين المصالح الأمريكية فيها، مع ضمان أمن اسرائيل لمدة طويلة من الزمن.
وفي تفاصيل القلق الأردني المبرر من وجود مؤامرة تستهدف القضية الفلسطينية كما تستهدف النيل من النفوذ الأردني حسب توقعات الملك الأردني فإن ما يتوفر من معلومات يشير إلى خطة أمريكية ربما تكون مدعومة عربياً لتسوية بين اسرائيل والفلسطينيين تفرض بالحديد والنار على الطرف الضعيف وهو هنا الشعب الفلسطيني أو هكذا يتصورون لعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل عام 1967 مع تغييرات لصالح الكيان الصهيوني تبقي على المستوطنات الكبيرة والقدس الغربية بأغلبيتها في يد اسرائيل، كما تعيد السيادة على غزة للمصريين والضفة للأردن، لكن الضفة الغربية سكاناً وليس على الموارد والأرض، وبمعنى أوضح أن تنتهي القضية الفلسطينية إلى ما كانت عليه الحالة السابقة على بداية الثورة عام 65 مع تغيير في الأردن يطال البنية السياسية باتجاه اعتباره الوطن الفلسطيني البديل تحت يافطة الكونفدرالية مع السكان في الضفة، وبهذا يغلق الطريق على الدولة المستقلة للشعب الفلسطيني وقصة العودة، تماماً كحذف قصة الاحتلال من الأجندة السياسية للتسويات المقترحة بما فيها قرار مجلس الأمن الصادر فجر يوم السبت 9 / 1 / 2009 ، والذي يساوي في جوهره بين الضحية والجلاد.
إن ممارسة العدوان الهمجي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وقمع أي تحرك شعبي جدي أو مقاومة مسلحة في الضفة الغربية يستهدف ترويع الناس وإيصالهم للحد الذي يصبح فيه أي واقع مختلف مكسب في نظر هؤلاء الناس، ومن هنا أتت اقتراحات جون بولتون السفير الأمريكي السابق للولايات المتحدة الأمريكية في منظمة الأمم المتحدة التي يشير فيها لإعادة ما يتبقى من الضفة الغربية للأردن، وإعادة غزة لمصر في إطار تسوية شاملة تنهي الصراع إلى الأبد في المنطقة. إذن فقد انطلق الملك الأردني من خشية حقيقية على مملكته وعلى مستقبل أسرته المالكة فيما يخص إشاراته الصحيحة والمنطقية إلى وجود مؤامرة تستهدف القضية الفلسطينية، وربما في هذا بالذات يكمن الهدف أو المصلحة المشتركة بين بقاء المشروع الوطني الفلسطيني صامداً في وجه المؤامرة وبين تصريحات الملك الأردني وخوفه على نظامه، وهو ما دفع باتجاه تخفيف التوتر الحاد بين الأردن وحركة حماس وفتح أبواب المملكة مرة أخرى لقادة حماس من جهة كما المرونة التي تبديها السلطات الأردنية تجاه مظاهر ونشاطات دعم صمود غزة في مواجهة العدوان الإسرائيلي الهمجي عليها من جهة أخرى.
إن ما أعلنه ملك الأردن حول وجود مؤامرة على القضية الفلسطينية هو قول صحيح للغاية ، ولكن المؤامرة كما نراها لا تستهدف الأردن ونظامه الملكي في الدرجة الأولى وإن كانت بعض الشظايا ستطولها، وإنما تتجسد المؤامرة في عدة مظاهر وتجليات ومشاريع أخرى تطرح اليوم للحل التصفوي نحاول إيجازها في الآتي :
أولاً : العدوان الوحشي غير المبرر على قطاع غزة واستخدام اسرائيل أقصى قدراتها العسكرية في ضرب بنيته التحتية وليس فقط رأس المقاومة أو قاعدتها المادية، واستهداف المدنيين بطريقة مبرمجه وقصدية، وما قصة الصواريخ سوى الذريعة التسويقية لهذا العدوان.
ثانياً : منع المساعدات الإنسانية والضرورية للحياة عن القطاع بإغلاق كل المعابر بما فيها معبر رفح مع مصر رغم كل المناشدات والضغوط الشعبية على الحكومة المصرية وهو ما يوحي بوجود استهداف يتعلق بكسر صمود الناس وقدرتهم على التمسك بهدف الدولة.
ثالثاً : التبرير غير المنطقي والدعم الظالم من الأوروبيين والأمريكيين لعدوان اسرائيل باعتباره دفاعاً عن النفس في الوقت الذي تقوم فيه اسرائيل بتنفيذ مجزرة بشرية في غزة مع تدمير ممنهج لكل مظاهر الحياة فيها وهذا يعني اتساع نطاق المؤامرة ويمكن وصفها بالدولية.
رابعاً : الضغط الكبير على أهلنا في الضفة لمنع أي مظاهر للمشاركة في معركة الدفاع عن غزة خارج إطار النظرة الرسمية لحكومة سلام فياض والتي تعكف منذ فترة على تنفيذ مشروع دايتون للجم المقاومة المسلحة هناك تحت وهم مفاوضات السلام مع العدو الصهيوني وللحفاظ على علاقاتها الدولية وحماية مداخيلها المالية حسب زعمها، ومن هنا فإن الغريب أن نطالب الآخرين بالقتال لتخفيف الضغط عن شعبنا في غزة بينما لا نطلق طلقة واحدة من الضفة.
خامساً : الجهود الحثيثة والمحمومة من جانب الإدارة الأمريكية وحلفاؤها في المنطقة لمنع أي اتفاق بين حماس والسلطة في رام الله يوحد الشعب الفلسطيني وقواه في مواجهة العدوان، والعمل بكل السبل بما فيها المالية من أجل بقاء حماس والجهاد خارج إطار منظمة التحرير الفلسطينية التي تتحرك اليوم خلاف وخارج برنامجها المقر والموحد لفصائلها بالذات، والعمل من أجل دفع حماس للقبول بالمشاركة على أرضية الاعتراف بإسرائيل ونبذ العمل المسلح.
سادساً : استمرار منهج التدجين لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية وفي مقدمتها حركة فتح عبر وسائل متعددة نجد أبرز مظاهرها في تجفيف موارد الحركة المالية من أجل إلحاقها بركب التسوية المشار إليها، وحتى تتحول المنظمة في النهاية لمجرد أداة طيعة لسلطة مرتبطة بالمعونات الغربية، وليست الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج والمدافعة عن حقه في العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة كما هو وارد في البرنامج الوطني المقر منذ سنوات طويلة، هذا المنهج الذي اشتد إيقاعه في الفترة الأخيرة السابقة للعدوان الإسرائيلي الحالي. مما سبق نجد أن المؤامرة ليست محصورة في مجرد إيجاد وطن بديل للفلسطينيين في الأردن بل هناك أهداف أبعد مدى تتعلق بإغلاق الملف بالكامل وقطع الطريق على أي جهد لاحق أو جيل لاحق ربما يفكر في المواجهة وتحرير الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية ناهيك عن النضال من أجل العودة والقدس وغيرها من الثوابت التي تستهدفها المؤامرة، وإن وقف مفاعيل هذه المؤامرة يرتبط بالوحدة الوطنية الفلسطينية والقرار الوطني المستقل، كما وبالتضامن العربي بعيداً عن التبعية والارتهان.
زياد ابوشاويش