بالتزامن مع تسارع وتيرة الأحداث والتصاعد اللافت لدموية المجزرة التي تقترفها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، سُجّل تسارع مُوازٍ في وتيرة التحركات الديبلوماسية عربيا ودوليا. ولفتت القاهرة أنظار المراقبين بكثافة الحراك الموجّه صوبها، حيث كانت في ظرف لم يتجاوز الثلاثة أيام قبلة لأكثر من مسؤول عربي وأجنبي انطلاقا من ممثلين عن حركة حماس ومرورا برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وانتهاء بمبعوث اللّجنة الرباعية للسّلام في الشرق الأوسط توني بلير الذي كان له الاثنين لقاء مع الرئيس المصري حسني مبارك صرح على إثره بأن اتفاق وقف اطلاق النار ينبغي ان “يتمتع بالمصداقية من ناحيتين، الأولى وقف دخول الأسلحة الى غزة، والثانية فتح المعابر للسماح لأبناء غزة بالحصول على احتياجاتهم من خارج القطاع”.
واعتبر مراقبون أن تصريح بلير هذا يعبر عن جوهر ما عرف بالمبادرة المصرية، المختلف في شأنها بين من يقولون إن هدفها إنساني بالأساس يرمي إلى وقف عاجل للمجزرة بحق الفلسطينيين، وبين من يرون فيها “احتيالا على الصياغات” لتمرير مبادرة غربية تحقق لإسرائيل سلما ما عجزت عن الفوز به حربا وهو تحييد المقاومة الفلسطينية وإلغاء البعد السياسي للقضية وحصر المشكلة في صواريخ المقاومة الفلسطينية وتلخيص مجمل مطالب الشعب الفلسطيني في مجرد مطالب إنسانية حياتية يومية، أي بلغة أخرى إعادة المسألة بعد مئات القتلى وآلاف الجرحى الفلسطينيين وكم هائل من الدمار إلى المربع الأول؛ مربع غزة المحاصرة الباحثة عن فك الطوق عن أبنائها.
ويستدل أصحاب هذا الرأي بأن كثافة الحراك الديبلوماسي، المصري على وجه الخصوص، جاءت بعد أن وصلت العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة إلى طريق مسدود يجعل أي انتصار ميداني على الأرض هزيمة سياسية مدوية إذ بدا اقتلاع المقاومة هدفا طوباويا يستلزم تحقيقه القضاء على أغلب سكان القطاع، في وقت لاح فيه أن صحوة عالمية بدأت تتخلق في الغرب تحديدا وتلفت الانتباه إلى الطبيعة الحقيقية لإسرائيل المسوّقة إعلاميا قبل مجزرة غزة على أنها واحة شرق أوسطية للديمقراطية وحقوق الإنسان.
ويستقرئ مراقبون في الاضطراب السياسي في تل أبيب وتضارب التصريحات بشأن ما وصلت إليه العملية العسكرية الجارية بوادر هزيمة إسرائيلية حقيقية. وقد وصل الأمر حد توجيه اتهامات من قبل أوساط سياسية وصحفية إسرائيلية إلى وزيرة الخارجية تسيبي ليفني بالفشل في التعاطي سياسيا مع الحرب على غزة.
وفيما يقول منتقدون للموقف المصري إن هدف تكثيف التحركات الديبلوماسية في مصر في هذه اللحظة بالذات يغدو في ظل هذه المعطيات محاولة لإنقاذ إسرائيل من هزيمة مدوية على وشك الحدوث، يرى مراقبون أن مصر تحاول أن تدفع عن نفسها هزيمة من نوع آخر وهي الهزيمة أمام الإسلاميين الذين تمثلهم في نظرها حركة حماس.
ويقول مراقبون إن القاهرة تعاملت مع ما يجري بغزة كامتداد للصراع مع إسلامييها.
ويرى هؤلاء أن مجمل ما جرى بالقطاع من مآس ومجازر وأحداث مدمرة أفضى إلى نتيجة مؤكدة وهي تعزيز صورة وموقع الحركات الاسلامية في الشارع العربي الذي أصبح يعتبرها الصنو الوحيد للممانعة والمقاومة في العالم العربي، ومن ثم فإن “المعارضة في المنطقة العربية” -على حد تعبير أحد هؤلاء- “أصبحت تقودها حركات اسلامية” وأن “الرأي العام يزداد قبولا لهذه الحركات” على حساب التيارات القومية العربية واللييرالية التي تخسر الكثير على الأرض.
ويتجاوز مراقبون كل ذلك معتبرين أن معسكر الممانعة والمقاومة العربية -وبغض النظر عن لونه السياسي وانتمائه الإيديولوجي- بصدد توجيه ضربة قاضية من غزة إلى ما يعرف بـ”محور الاعتدال” العربي.