مسامير وأزاهير ( 47 ) … ( تاهت ولقيها ) السيد عباس!!!.
( سكت دهراً ونطق كفرا ) … ذاك والله خير ما يستحقه السيد رئيس السلطة الفلسطينية من وصف على ما جاء برده على سؤال لأحد رجال الإعلام في المؤتمر الصحفي في القاهرة بتاريخ 10/1/2009 إثر مباحثاته مع الرئيس المصري على ضوء المبادرة المصرية الفرنسية وقرار مجلس الأمن 1860 حيث أجاب عن جملة تساؤلات أثارها عدد من رجال الإعلام في ذاك المؤتمر قائلاً : ” إذا لم توافق إسرائيل على قرار مجلس الأمن فإنها ستكون مسؤولة عن شلال الدم في غزة” ، ثم رد أيضاً عن تساؤل بخصوص مقاومة وصمود أبناء غزة ” إذا كانت المقاومة ستفني شعبنا فلا حاجة لنا بالمقاومة “!!!.
سبحان الله أولاً … فها قد مر أسبوعان على ملحمة شعبنا العربي في غزة ، أسبوعان من القصف العشوائي الهمجي الشرس طال كل شيء في غزة … البشر والحجر والثمر ، كان قد سبق القصف والهجوم حصار امتد لأشهر طويلة منع فيها كل ما يحتاجه البشر من غذاء ودواء ومستلزمات حياة إنسانية … ورغم ذاك كله فإننا نرى مشهدين متناقضين ، أولهما يمتلئ بالعز والفخار ويتمثل بصمود وبطولة وصبر وتشبث الفلسطيني الغزاوي بأرضه ، فيما يأتينا الثاني بالإحباط واليأس حين ظهر لنا السيد أبو مازن في اليوم الخامس عشر لملحمة البطولة في غزة ليقول ما قاله آنفاً عن المقاومة وجدواها وعن مسؤولية إسرائيل عن شلال الدم إن لم توافق على قرار مجلس الأمنً!!!.
وسبحان الله ثانياً … فطيلة أيام من المجزرة الوحشية والقتل والتدمير والصمود في غزة كان السيد عباس خلالها ( والحق يقال ) يدلي بتصريحات متعاقبة ( يندد !!) فيها بالعدوان تارة وتارة أخرى يدعو لتوحيد الصف والكلمة ، في وقت كان من الأجدر به أن يتسامى على كل الخلافات ويرتقي لحجم وهول المصاب الجلل فيتخذ قراراً ( تاريخياً ) بزيارة غزة الصمود والنصر ( باعتباره رئيساً لكل أبناء فلسطين ) ليكون مع أبناء شعبه المحاصر والمجوع والمنكوب في غزة فيشاطرهم مآسيهم أولاً ، وليمدهم بالعزم والثبات ثانياً ، وكي يلتقي بقادة حماس والفصائل الحليفة لها في غزة لتكون رسالة منه لا لبس فيها عن وحدة المصير وبالتالي كي تساهم بتصفية الأجواء بينه وبين ( رفاق الأمس ) ثالثاً ، ولتكون في آخر المطاف وسيلة ضغط لإجبار الكيان الصهيوني على إيقاف التدمير هناك لاسيما إذا ما تذكرنا أنه ( صديق صدوق ) لأولمرت حيث كان وإلى وقت قريب جداً يتبادل وإياه الأحضان والقبل الترحيبية فيأمر الأخير بالتالي بالتخفيف من الضربات حتى يكمل السيد عباس زيارته التفقدية ( التاريخية ) لمسرح العمليات الدموية في غزة ويحقن دماء أبناء شعبه رابعاً!!!.
سؤالان خطرا على بالي ( وعلى ضوء عبارتيه اللتين رددهما في مؤتمره الصحفي المنوه عنه في مقدمة مقالنا ) أوجههما إلى السيد أبي مازن ومستشاريه الذين شاركوه المؤتمر الصحفي ذاك :
1. هل ستكون إسرائيل برأيك غير مسؤولة عن شلال الدم ونزيفه فيما لو وافقت على قرار مجلس الأمن!!؟.
2. وهل بربك قد سمعت يوماً أن هناك حقاً مغتصباً قد استرجع دون مقاومة ودون تضحيات أو دماء!!؟.
ربما … سيدي الرئيس أبا مازن … كنت رومانسياً شفافا حين أسقطت ( خيار المقاومة ) وانتهجت ( طريق المفاوضات ) اعتقاداً منك أنك بخيارك هذا ( والمستند على وعود كانت قد بذلت لك ) ستحقق أهداف شعبك في قيام دولة مستقلة ذات سيادة ( ناجزة ) ، فهلا أجبتني بالله عليك :
- في أي مريع تقف أنت عليه الآن من رقعة شطرنج المفاوضات !؟.
- وهلا حدثتنا قليلاً عن آخر تطورات ما توصلت إليه بمفاوضاتك تلك!؟.
- وإذا كانت مفاوضاتك تسير بالمنحى الصحيح والسليم وأن أهدافك قد باتت على مرمى حجر فلم إذن كان مفاوضك يخرج بين الحين والآخر ليعلن عن تذمره وسخطه ويأسه وإحباطه من تدليس المفاوض الصهيوني ومكره وعبثه وإضاعة وقت المفاوضات!!؟.
- ما موقفك الآن مما طرحه جون بولتون عن ضم غزة إلى مصر وما تبقى من أراض للضفة إلى الأردن!؟.
لقد كان من تداعيات تلك ( الرومانسية الشديدة ) التي انتهجها السيد أبو مازن ما يلي : مشهد فلسطيني ممزق … فوضى عارمة في الشارع الفلسطيني … تناحر وتطاحن وتنابز وفتنة … فرقة ونزاع … مفاوضات عبثية وأضغاث أحلام دولة فلسطينية … يقابلها مراهنة واستثمار صهيوني لعامل الزمن في توسع استيطاني وقضم للأراضي الفلسطينية وتهويد للقدس … يساندهم في تحقيق مخططاتهم تلك مكر وتدليس وتآمر أمريكي … يؤازره خداع ونفاق وغض طرف دولي … وتجاهل عربي وإسلامي لما يجري من حصار لأبناء غزة … ذاك ما آلت إليه أحوال قضيتنا الفلسطينية قبل ملحمة غزة هاشم !!!.
قيل في الأمثال أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين ، فإذا كان من ثمار الانتفاضة السابقة تحريك القضية الفلسطينية من حالة الجمود التي أدخلتها إسرائيل فيها مما دفع بها وبحلفاءها للإسراع بامتصاص إنجازات ثورة أبناء فلسطين وإجهاض تلك الانتفاضة فأعلن عن بدء البحث والتشاور وصولاً لإقامة الدولة الفلسطينية من خلال انطلاق قطار أوسلو مروراً بمحطة أنابوليس التي أدخلتنا في متاهة تسوية مخادعة ومفاوضات عبثية سرعان ما اتضحت أبعادها المتمثلة بكسب عامل الزمن لصالح العدو الصهيوني من أجل تكريس واقع الاحتلال وتوسيع المستوطنات واستكمال خطة تهويد مدينة القدس … فلا تذهب الظنون برجال الانبطاح والعهر السياسي أنه قد يتكرر مشهد إجهاض حالة الصمود ووأد وليد النصر الجديد الذي تحقق بفعل صبر وجلد أبناء غزة عموماً و وتضحيات شهدائها خاصة!!!.
لقد حققت المقاومة الفلسطينية انتصاراً باهراً سيسجله التاريخ بأحرف من نور :
1- من خلال صمود أبناء غزة على حصار طال لأشهر فما فرطت بالمقاومة رغم الجوع والعطش ونقص الدواء ومستلزمات الحياة.
2- حين تحدت بأسلحتها المتواضعة ترسانة العدو المتغطرس ذات التقنية العالية.
3- رغم حجم المؤامرة الصهيونية – الأمريكية عليها والمدعومة بتواطؤ أنظمة ما يسمى بالدول العربية المعتدلة.
4- بعدما حققت استنهاضاً عارماً للمشاعر العربية والاسلامية بعد طول رقاد وسبات ويأس من مستقبل أمتينا العربية والاسلامية واستسلامها المريع لإرادة أنظمتها السياسية.
5- بعدما تعرت أنظمة عربية وانكشفت تماماً أمام جماهيرها.
لقد باتت الأمة بعد ملحمة غزة تمتلك من أسباب القوة المعنوية ما يكفيها للنهوض من سباتها, وآن لها أن تنفض العار عنها وتنفض الغبار عن كاهلها فتحزم أمرها وترفع راية انطلاقتها نحو تحقيق أهدافها.
تحية إكبار وإجلال …
لشهداء غزة الذين رووا بدمائهم الزكية تراب غزة الفلسطيني العربي.
لمقاومة وصمود وتضحيات أبناء غزة الذين كانوا طليعة هذه الأمة بالنهوض والتصدي.
لصمود فصائلنا الوطنية المقاومة في غزة بمختلف مشاربهم وتوجهاته.
الخزي والعار لكل المنبطحين المستسلمين ممن ساهموا بالعهر السياسي العربي والاسلامي.
سماك العبوشي