برغم “حركة التصعيد” للعقل الجمعي الإيراني ضد الهجمات الإسرائيلية في غزة، مال المرشد الإيراني الى تعطيل قرار (أحمدي نجاد) عملية إرسال انتحاريين –سرّاً- الى فلسطين. ويرى خبير سياسي أميركي، أن طهران تعمل على مراوغة إسرائيل، لتجنّب “خططها المستمرة” بتوجيه ضربة عسكرية كبيرة لإيران، لا لأنها تخشى من “حريق حقيقي” في المنطقة وحسب، إنما لأنها لا تريد أن تخسر “احتمالية” إقامة علاقات جيدة مع الولايات المتحدة في عهد (باراك أوباما).
ويتساءل الخبير السياسي (جوان كول) رئيس المعهد الأميركي العالمي في تقرير نشرته شبكة “إنفورد كومينت”، قائلاً: إذا ما ضربت إسرائيل إيران، فهل “تضيع” القوات الأميركية الموجودة في العراق؟!. وفي تفصيل إجابته عن هذا التساؤل “الخطير”، يقول (كول): تزعم إيران أن بنايتها في غزة أشعلتها نيران القصف الإسرائيلي، مما أدى الى جرح اثنين من موظفيها، لكن ناطقاً إسرائيلياً أنكر أن البناية كانت مستهدفة!.
وأضاف الخبير السياسي قائلاً: إن الوعّاظ الإيرانيين قد أثاروا الحشود وحرّضوها على هامش أحداث غزة، ومثل هذه “التحريضات” تتضمن احتمالية إثارة الكثير من التوترات الحادة التي يمكن أنْ تشعل حرباً إقليمية كبيرة في الشرق الأوسط، تقود الى نزاعات هامشية أو إلى “أزمات اقتصادية” قد تتسبّب في شل الاقتصاد العالمي، ويمكن أن تقود أيضا الى المزيد من تدخل القوات الأميركية والغربية في المنطقة.
ومن جانب آخر، تدخّل المرشد الأعلى في إيران (علي خامنئي) ليوقف عملية مغادرة انتحاريين إيرانيين لبلدهم والتوجه الى “فلسطين/إسرائيل” طبقاً لما جاء في تقرير الخبير السياسي الأميركي. ودعا الرئيس الإيراني المتشدّد (محمود أحمدي نجاد) الى مثل هذه الممارسة العملية ضد إسرائيل، لكن المرشد الأعلى خمّن أن خطوة كهذه سوف تكون مغامرة لتوسيع الحرب، ولهذا أوقفها. ولهذا انتشرت شائعات “خلافاً” قد دبّ بين (خامنئي) و(أحمدي نجاد) لبعض الوقت، لكنْ هذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها بوضوح وللعلن “مبادرة سياسية كبرى”.
وفي الحقيقة –يقول جوان كول- يبدو أنّ إيران هي التي تقيّد حزب الله في لبنان، وتمنعه من القيام بمبادرة شبيهة بمهمة الانتحاريين الإيرانيين. ويرى الخبير السياسي أن هذه الموقف “الحذر والمتحسّب” يؤكد أن الإيرانيين لا يريدون لقاطرتهم الخروج عن سكة “احتمالية” أنْ تُبنى علاقات أحسن مع الولايات المتحدة في ظل الإدارة الجديدة التي سيقودها (باراك أوباما).
إن حالة الركون الى “ضبط النفس” في إيران، تعتمد –كما يقول كول- على رؤية أن إسرائيل لن تقدم على مهاجمة إيران مباشرة. ويستشهد برأي الخبير الأميركي في الشؤون العسكرية (وليام لند) الذي يؤكد أن (بنيامين نتنياهو) وحزبه الليكود الذي سيُنتخب في العاشر من شباط المقبل، سوف يقصف إيران. وفي تلك الحالة –يقول الخبير العسكري- فإنّ إيران ربما تكون لديها الأدوات لقطع الجيش الأميركي عن مناطق إمدادته التي تأتيه من الخليج العربي عبر الجنوب الشيعي للعراق، وتسمح في الوقت نفسه بقتل الجنود الأميركان، مما يؤدي الى ما يمكن تسميته “مذبحة عسكرية”!.
وقد يؤدي ذلك –يقول جوان كول- الى تصعيد الهجمات ضد القوات الأميركية في العراق، كما دعا إلى ذلك رجل الدين الشاب (مقتدى الصدر) للمرة الثانية، يوم الجمعة الماضي، فيما كان نحو 2000 من أتباعه يتظاهرون في بغداد. وفي الوقت نفسه أكد الجنرال (ديفيد بيتريوس) قائد القوات المركزية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى (ممكنات مهمة) لتنسيق إيراني-أميركي بشأن الحربين في العراق وفي أفغانستان.
وبدا (بيتريوس) كما لو أنه وبشكل اعتيادي جزء من إدارة (أوباما). ولما سئل عما إذا كان يتصوّر أن تقول واشنطن شيئاً معقولاً جداً؟، كانت إجابات الجنرال (بيتريوس) تقدم وبطريقة حكيمة “مبادرة حوافز” للإيرانيين، خاصة أن الكثيرين منهم راغبون بتطوير العلاقة مع الولايات المتحدة.
ويؤكد الخبير السياسي الأميركي (جوان كول) أن الحالة “خطرة” طالما أن إسرائيل مستمرة بهجمتها على غزة. وقال إن مقاتلي حزب الله “المتعصّبين” بمستوى أدنى يمكن أن يبدؤوا بإشعال “الحريق”. أما “المنتظرون” من القائمين بالعمليات الانتحارية، فيمكن أن يعصوا ويراوغوا (خامنئي) ويجدوا طريقة لخلق استفزازات تقود الى قيام إسرائيل بأعمال انتقامية. ولحد الآن، يظهر الإيرانيون و”زملاؤهم العرب” –باستثناء حماس- الكثير من الحذر!.