عبد اللطيف المنيّر
حرص نخبة من السياسيين والمفكرين والأدباء السعوديين والعرب، وبعض السفراء والخبراء الأجانب، على حضور مجلس الطبيب رشاد فرعون الذي كان يعقد صباح كل يوم في الرياض، لسماع آرائه والنهل من خبرته السياسية كمستشار سياسي لملوك العربية السعودية على مدى عقود خلال القرن الماضي، والتزوّد من تجاربه كمحارب ضد الجيش الفرنسي في سوريا، وكوزير، ودبلوماسي عتيد تحت علم المملكة.
وأثناء احدى زياراتي لمجلس الدكتور فرعون في الثمانينات سأله سائل عن رأيه بالرئيس الفرنسي الجديد (وقتها)، فرنسوا ميتران، هل سيكون موالي لقضايا العرب أم سيدعم اسرائيل؟ اجاب: ” علينا أن ننتظر أولى سفراته خارج فرنسا، فإن توجه إلى دولة عربية، سيكون مناصرا لقضايا العرب، أما إذا ذهب إلى اسرائيل أولاً فسيكون العكس”.
اوباما حاول جاهدا أن يُطمئن المشككين بالتزامه تأييد اسرائيل. اجتمع بالقادة اليهود أثناء حملته الإنتخابية، وأكد لهم ذلك، ليبرهن أنه صادق. ذهب الى النصب التذكاري لضحايا الهولوكوست مرتديا القلنسوة. أثنى على معجزة اسمها اسرائيل. وقال للرئيس الاسرائيلي شمعون بيريس: “أنا هنا لكي أؤكد على العلاقات المميزة بين اسرائيل والولايات المتحدة، وعلى التزامي الثابت للحفاظ على أمن اسرائيل”. كما زار بلدة سيدروت التي تتعرض دائما لصواريخ حماس !
أوباما، الذي اصر في حملته الإنتخابية، أن القدس هي عاصمة اسرائيل، وأنه سيستمر في محاربة الإرهاب. كلف الجنرال البحري جيمس جونز James Jones في منصب رئيس الأمن القومي، الذي شغل سابقا القائد الأعلى لقوات حلف الناتو، وعين هيلاري كلينتون وزيرة للخارجية، الذي قال فيها الحاخام تورك، وهو من اليهود الاورثوذوكس في ميامي/ فلوريدا، “إن هيلاري كلينتون كانت أكثر وضوحا في دعمها لاسرائيل، وسجّلها في التصويت لاسرائيل كاملا”. كما ابقى روبرت غيت وزيرا للدفاع، كما اختار رهام ايمانويل Rahm Emanuel، الذي يحمل الجنسية الاسرئيلية، رئيسا لفريق العمل في البيت الأبيض، والذي بدأت صحيفة هاآرتس الاسرائيليه فرحة عنوان افتتاحيتها العريضة بإسمه. كما يأتي استمرار صمت اوباما السلبي عن حرب الإبادة جماعية التي تدور رحاها في قطاع غزة – فلسطين، مما يؤكد ما ذهب إليه النقاد بقولهم: أميركا مستمرة وستبقى كما كانت على سياساتها !
أكد ذلك المؤرخ الأميركي الشهير هيوارد زين Howard Zinnعندما القى محاضرته في جامعة بينغهامنتون – نيويورك Binghamton University، تحت عنوان الحرب والعدالة الإجتماعية، بُعيد ايام من فوز المرشح اوباما بمقعد الرئاسة الأميركية، إذ علق على شعار الحملة الإنتخابية ساخراً، يجب أن نقول “بإستمراية ما يتعين علينا ان نؤمن به، بدلا من التغيير الذي يتعين علينا ان نؤمن به !
يقول *هيوارد زين: ان الأعذار التي يجتّرها البنتاغون والعسكريون الاسرائيليون، على مسامعنا عند إلقاء قنابل وصواريخ على أحياء سكنية بحجة أن الإرهابيين يختبئون بين المدنيين، عرضيا وبطريق الصدفة، هي ذرائع زائفة ويمكن دحضها بسهولة. فإذا تم القاء قنبلة عمدا على بيت او حافلة ركاب لمجرد الشك أن في داخلها إرهابيا، مع ملاحظة أن كلمة الشك هنا تعني بكل وضوح أن الهدف غير مؤكد! فإن مصرع نساء واطفال يمكن ان يكون غير مقصود، ولكنه بكل تأكيد ليس عرضيا او بطريق الصدفة، والوصف الصحيح لهذه الحالة انه (حتمي). ولهذا فإن اي عمل عسكري يؤدي حتما الى قتل مدنيين ابرياء هو غير اخلاقي، مثل اي هجوم ارهابي على مدنيين عمداً.
ويضيف هيوارد: ….يكشف تاريخ الحروب التي نشبت بعد الحرب العالمية الثانية عدم فائدة العنف بشكل عام، فقد عجزت الولايات المتحدة والإتحاد السوفييتي، رغم تسليحهما الهائل، عن هزيمة حركات المقاومة في بلدان صغيرة وضعيفة وفقيرة، مثلما جرى في فيتنام – أميركا، وفي أفغانستان – الاتحاد السوفيتي، ولم يجدا مناصاً من الانسحاب، يجران اذيال الخيبة وراءهما.
إن ردود الفعل على الهجمات الإرهابية بإعلان الحرب هنا وهناك، وبدك الآلة العسكرية الاسرائيلية وتوجيها إلى صدور الأطفال والنساء في غزة، هو عمل غير اخلاقي بكل تأكيد، ولهذا فإنه من الواجب البحث عن وسائل اخرى لمكافحة الإرهاب، بما في ذلك ارهاب الحرب، لإن الهجمات العسكرية الانتقامية ليست غير اخلاقية فحسب، بل انها إرهاب بكل ما تعنيه كلمة الإرهاب من معنى، شاء س
اسة البيت الأبيض والكنيست في اسرائيل أم لا. وعليهم ان يعيدوا حساباتهم من جديد.
اسة البيت الأبيض والكنيست في اسرائيل أم لا. وعليهم ان يعيدوا حساباتهم من جديد.
بيد أن أكثر من مليون مدني قتلوا في فيتنام جراء القنابل الاميركية العرضية، ومثلهم في العراق، أضف عليهم ضحايا المدنيين في أفغنستان والصومال، وشهداء فلسطين، بما فيهم شهداء المدنيين في قطاع غزه الآن. ولو جمعنا عدد ضحايا الهجمات الإرهابية التي تمت طوال القرن الماضي، فإنها لن تبلغ نصف هذا العدد. !
فهل نحن بحاجة ملحة اليوم، إلى تجديد الدعوة التي اطلقها زعيم دولة عربية راحل عندما طالب العالم إلى عقد مؤتمر دولي لتعريف معنى الإرهاب؟
كاتب سوري مقيم في أميركا - عضو المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سوريا
*هيوارد زين، من مواليد 1922 مؤرخ، وكاتب مسرحي أميركي، وأستاذ جامعي في قسم العلوم السياسية في جامعة بوسطن الأميركية. له أكثر من عشرين مؤلف، لكن الأكثر شهرة، كتابه تاريخ الشعب الأميريكي A People’s History of the United States الذي كان متميزا في قائمة النشر والمبيعات، إذ كانت أول طبعة منه في عام 1980، ويباع منه أكثر من مليون نسخة في كل عام. هذا بالإضافة أن المؤلف ناشط حقوقي، وداعم للحريات المدنية، بل أنه مناهض شرس ضد الحرب بكافة أشكالها.
—
Abdol Mounaier
(206) 306-5419