ويبقى الذل والهوان العربي سيد الموقف
اسم الكاتب : راسم عبيدات
……..هوان ما بعده هوان،وانهيار وانحدار،وذل لم يعرفه العبيد في عصور العبودية والإقطاع،حتى العبيد تمردوا وثاروا على الأسياد وعلى الظلم والاضطهاد،والجميع يذكر ثورة سبارتاكوس في سنة 94 ق.م كمحرر وقائد لثورة العبيد،ولكن حال النظام الرسمي العربي ومؤسسته العسكرية وصل كحال الخصيان الذين كانوا يضعون في قصر الإمبراطور الصيني مع الجواري في نفس الغرف زمن الإقطاع،فأهل غزة والشعب الفلسطيني لا يريدون من النظام الرسمي العربي لا ان يحارب عنهم أو أن يدعمهم ويمدهم بالسلاح،بل ما يريدونه من هذا النظام أن لا يتآمر عليهم وأن لا يشارك العدو عدوانه،لأن ظلم ذوي القربى أشد فضاضة.
تأخرتم في عقد مؤتمر وزراء خارجيتكم والهدف معروف،قلنا لا بأس،عجزتم عن اتخاذ أي قرار يوقف العدوان ويدعم صمود الشعب الفلسطيني،قلنا أيضاً لا بأس رحلتم عجزكم الى مجلس الأمن وأنتم تعرفون جيداً من يسيطر عليه وعلى قراراته ،فالذين يتجهون لاستصدار قرار من مجلس شيوخهم الأمريكي لدعم لا محدود ولا متناهي لإسرائيل في ضرب المقاومة،والذين لا يريدون إدانة أو تحميل إسرائيل مسؤولية قصف مدرسة الأنيروا وقتل الأطفال والنساء في غزة،والذين رفضوا إدانة كل المذابح التي ارتكبتها إسرائيل في عدوانها على لبنان في تموز/2006،هم من يتحكمون في مجلس الأمن ويعطلون ويمنعون أي قرار له ليس بإدانة العدوان بل وقفه،ولكن هول المجازر والمذابح وبشاعتها بحق الأطفال والنساء في غزة ضيق الخناق على الأمريكان وأي تصويت على وقف المجازر والعدوان على شعبنا الفلسطيني في القطاع وترفضه أمريكا وتتخذ حق النقض ‘الفيتو’ ضده،ربما يسبب لها الحرج،ويأتي إنقاذ أمريكا من هذا المأزق من خلال النظام الرسمي العربي المخصي، بطرح مبادرة لا تنصف الضحية،بل تناصر الجلاد على الضحية،وبهدف تعطيل قرار وقف العدوان في مجلس الأمن الدولي لصالح هذه المبادرة ،هذه المبادرة المدقق فيها يلمس أنها ربح صافي للعدوان ومكافأة للقائمين عليه،وهي تأتي من جانب آخر لتسويف ومنع انعقاد القمة العربية والتي شدد على عقدها بعض أطراف النظام الرسمي العربي من أجل اتخاذ موقف عربي جدي من هذا العدوان.
والطامة الكبرى هنا ليس في كل ما ذكرت،ولكن في أن الآنسة ‘رايس’ والتي بيدها الحل والربط في كل ما يتعلق بشؤون بعض أطراف النظام الرسمي العربي وخصوصاً المعتدل منه، تكافئ من تشاء وتمتدح من تشاء وتعاقب وتذل من تشاء،وهي الوحيدة التي كانت قادرة في زمن وسرعة قياسية على جمع القيادات العربية للنظام الرسمي العربي زعماء ووزراء،من أجل دعم أهداف ومصالح ووجود ودور أمريكا في كل ما له علاقة في دعم وتسهيل ومساندة ومشاركتها في عدوان لها على هذا البلد العربي والإسلامي أو ذاك،وبالطبع لا يجرؤ أي من الحضور أن يخالف أوامر وتعليمات العزيزة ‘رايس’ والتي هداياها الشخصية من دولة واحدة من دول هذا النظام الرسمي العربي من ذهب وجواهر وياقوت والماس وغيرها،مكافأة لها على دورها ‘المشرف’ ووقوفها الى جانب’الحق’ العربي’ بلغت ما قيمته نصف مليون دولار،حتى وهي على أبواب الرحيل أبت إلا أن تضيف’مأثرة’ جديدة إلى ‘مآثرها’ تلك،بل مخازيها ومخازي هذا النظام الرسمي العربي والذي وصل مرحلة ما بعد ألخصي،وعلى علماء النفس والاجتماع العرب والدوليين إيجاد تسمية لهذه المرحلة فهم ذوي الاختصاص،وباختصار شديد كما يقول المأثور الشعبي’الضرب في الميت حرام’.
فالعزيزة ‘رايس’ فعدا أن تصرفها مع وفد خصيان النظام الرسمي العربي والمعسكر في واشنطن وكما يقول المأثور الشعبي أيضاً حتى’يجيب الذيب من ذيله’،أي استجداء والتوسل لمجلس الأمن لاستصدار قرار بوقف العدوان على شعبنا الفلسطيني، يفتقر إلى أدنى طرق اللياقة والكياسة،بل ويعبر عن مدى ازدرائها واحتقارها للعرب،والذين بوصولهم الى مرحلة ما بعد الخصي،لم يحركوا ساكناً أو يحتجوا على مثل هذا التصرف،حيث أنها رفضت أن تستقبل رئيس الوفد وأمين عام الجامعة العربية السيد عمرو موسى،عقاباً له على تصريحاته ومواقفه في اجتماع وزراء الخارجية العرب،بضرورة أخذ مواقف حازمة ضد العدوان الإسرائيل
ي،وكذلك وزير خارجية قطر،عقاباً لقطر على طلبها بعقد قمة عربية،من أجل اتخاذ موقف عربي مشترك من العدوان،وكذلك للدور الذي تلعبه محطة الجزيرة القطرية في كشف وفضح وتعرية ما ترتكبه إسرائيل من مذابح ومجازر بحق أطفالنا ونساءنا وشيوخنا وشعبنا الفلسطيني الأعزل في القطاع،فهذه الإهانة لم تحرك أي شيء عند هذا الوفد العربي،وبوصوله إلى مرحلة ما بعد الخصي لم يحتج أو يرفض أو يعلن حتى انسحاب العرب الجماعي من مجلس الأمن،فالحيوانات عندما يحاول البشر الاعتداء على صغارها أو حشرها في مكان مغلق تدافع عن نفسها،ولكن ما أن أمرت العزيزة’رايس’ حتى أطاع الجميع ولبوا أوامرها وتعليماتها،وأنا جازم أنها تعاملت معهم بلغة الأستاذ ليس مع طلبة الصفوف الثانوية بل الابتدائية،وكيف أن عليهم أن يكونوا مؤدبين،وأن لا يدينوا فقط المقاومة،بل عليهم محاربة واقتلاع دعاتها وأصحابها من جذورهم،وما تقوم به إسرائيل من قتل ومجازر وضرب لحماس وفصائل المقاومة هو خدمة ومساعدة لهم ودفاعاً عن عروشهم ومصالحهم ومراكزهم وامتيازاتهم.
العدوان على شعبنا الفلسطيني متواصل ،وهو يتعرض لخطر التصفية والإبادة الجماعية والجماهير العربية والإسلامية،رغم التطور والارتقاء في منسوب وسقف فعاليتها التضامنية مع شعبنا الفلسطيني،فنحن نرى أنها تبقى دون مستوى الحدث وما يرتكب من مجازر بحق شعبنا الفلسطيني،ولا بد من تصعيد في وتائرها أشكالها وديمومتها،حتى تشكل عوامل ضاغطة وجدية على الأنظمة الرسمية ومؤسساتها العسكرية والأمنية،حتى تحدث اختراق وتغير في مواقفها من العدوان.
ونحن اذ نرى أن الحالة التضامنية الدولية في الكثير من الدول سقفها وحجمها ونوعها متقدم على ما هو عليه في العديد من البلدان العربية،فها هي تركيا بمواقفها الشجاعة والجريئة رغم ما يكبلها من قيود وتحالفات وعلاقات ومصالح مع أمريكا وإسرائيل وأوروبا الغربية،تدين العدوان الإسرائيلي وتحمل إسرائيل المسؤولية عن كل ما حصل وما آلت إليه الأمور،وكذلك هاهو الرئيس الثوري القائد الفنزويلي’هوغو تشافيز’ يطرد سفير إسرائيل من بلاده احتجاجاً وإدانة للعدوان الإسرائيلي على شعبنا في القطاع،بينما العديد من دولنا تبقى على سفراء وبعثات إسرائيل الدبلوماسية والتجارية في دولها تحت حجج وذرائع أن في ذلك مصلحة للشعب الفلسطيني والأمة العربية،والجميع يدرك أن هذا ليس صحيحاً بالمطلق وله علاقة بالقيود والاتفاقيات التي تكبل العديد من الأنظمة نفسها بها،وبحالة الذل والهوان التي تعيشها الأمة ووصوله إلى مرحلة ما بعد الخصي.
القدس- فلسطين
9/1/2009