عبد العزيز كحيل
عارنا نحن العرب يصنعنه حكامنا الذين عقدتهم كراسٍ يتشبثون بها وقد احتلوها جميعا بطرق غير شرعية ولا يستمرون عليها إلا بالدعم الأمريكي والرضا الصهيوني، وقد نفضت الجماهير أيديها منهم وكالت لهم اللّعنات المباشرة في أكثر من مناسبة وعلى أكثر من صعيد لكن بعض علماء الدين زادوا من محنتنا خاصة في هذه الأيام العصيبة لغيابهم عن الساحة تماماً أو لخذلانهم لغزة المحترقة والشعوب العربية والإسلامية التي كانت تنتظر منهم المواقف الصلبة والصدع بكلمة الحق في وجوه الحكام المستبدين البائعين لشرف أمّتهم فإذا ببعضهم ينحاز إلى الباطل ويختار أن يتميز بالصمت أو بفتاوي غير موفقة أو بمواقف هي بمثابة الخيانة لغزّة وفلسطين والمسلمين ودينهم.
ولا بد من الاعتراف قبل ذلك بالمواقف المشرفة لعلماء آخرين معروفين بثباتهم على الحق وانحيازهم الدائم للشعوب المغلوبة وقضاياها المصيرية وعلى رأسهم العالم الرباني الشيخ يوسف القرضاوي، فقد خطب وناشد وشحذ الهمم وقاد وفداً من علماء الدين إلى عدة عواصم عربية طلباً لنجدة غزة، كما سجل الداعية الدكتور عوض القرني موقفاً رجولياً عندما أفتى باستهداف الصهاينة أينما وجدوا (وليس من السهل الإفتاء بمثل هذا لمن يقيم بالجزيرة العربية)، واتخذ الدكتور محسن العواجي موقفا مشرفا، ومثله الدكتور العمير الذي نظم مظاهرة ا وحده فاقتيد إلى السجن، وفي مصر تحرّك علماء ودعاة وقالوا كلمة الحق وناصروا إخوتنا في غزّة وبيّنوا وجه الحق في الموقف الحكومي، منهم محمد عمارة ونصر فريد واصل
لكن الأسف ينتابنا عندما نلتفت إلى علماء آخرين… فأين مفتي الديار المصرية الذي كان قبل أن يتقلد هذا المنصب من أصحاب المواقف المشهودة ؟وأين شيخ الأزهر الذي يمثل من الناحية النظرية مرجعية أهل السنّة؟ هل مازال _كما عهدناه_ لا يدري شيئا عن أحداث غزة؟ هل مازالت في يده حرارة مصافحة المجرم شيمون بيريز؟ أين اختفى الشيخ طنطاوي في هذه الأيام الحاسمة؟ أم أنه طلب الإذن من شرم الشيخ - عاصمة مصر في العهد الفرعوني الجديد – ومازال في انتظار الضوء الأخضر ليتكلّم؟ وإذا كان “الإمام الأكبر”قد سكت في القاهرة وتوارى عن الأنظار في أوقات محنة طاحنة تعتصر قلوب المسلمين في العالم كله فإن المؤسّسة الدينية الرسمية قد تكلمت في الرياض… ويا ليتها التزمت الصمت، فقد خرج المفتي بموقف صلب جداً فأجاز لأئمة المساجد أن يدعوا للفلسطينيين في أعقاب الصلوات !!! أي نعم… جاء الإذن بالدعاء… لأن الدعاء لأهل غزّة عمل سياسي خطير لا يجوز لأحد أن يقدم عليه إلا بفتوى رسمية تؤكّد أن “من يخدمون الحرمين الشريفين” سمعوا نداءات المعذّبين هناك فأدوا الواجب وأجازوا الدعاء !!
وأما لجنة الفتوى التابعة لهيئة كبار العلماء (وهي المؤسسة الدينية الرسمية التي لا اجتهاد مع أحكامها) فقد أصدرت بياناً تدعو فيه إلى تقديم الإغاثة الإنسانية لأهل غزّة… نعم… أصدرت بياناً بهذه القوة وهذا الوضوح… واستراحت.
لكن الداهية تكمن في كلام الشيخ صالح اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى الذي اعتبر المسيرات والمظاهرات والاعتصامات فساداً في الأرض يصد عن ذكر الله !!! وعوضاً عنها نصح المسلمين بأن يلوذوا بالدعاء، وبطبيعة الحال لم يشر إلى خزائن الأمراء المليئة بالثروات وحساباتهم البنكية التي تنعش الاقتصاد الأمريكي وتزدهر بها فضائيات الطرب والأفلام الخليعة، والتي لو خصّصوا زكاتها لغزّة لما وصلت إلى هذه الحال النكدة.
ولنا أن نتساءل كذلك عن غياب “الدعاة الجدد” الذين كانوا ملء السمع والبصر لا يكادون يغيبون عن القنوات الفضائية تفهم من كلامهم أن بيدهم خلاص الأمة وكأنّهم يريدون أن يجدّدوا كل شيء.. الدين واللغة والشمس والقمر ! ما بالهم غابوا في الليل الظلماء وقد كنا نظنّ كل واحد منهم هو البدر؟ أين عمرو خالد وخالد الجندي وعلي الجفري ومحمد هداية؟
هذا جزء من مأساتنا… نحن نعلم أن لعلماء الدين مكانة لا تضاهى عند المسلمين خاصة في الأزمات، فهم الذين يرشدون ويتقدّمون الصفوف ويعبئون الجماهير ويحفزون الحكام ويذكرون الناس بأيام الله ويرفعون المعنويات ويفتحون أبواب الأمل بل ويقودون المعارك الحاسمة… هكذا كان ابن تيمية والعز بن عبد السلام أيام التتار والأمير عبد القادر الجزائري أيام الاحتلال، هكذا كان الشيخ عز الدين القسام والحاج أمين الحسيني والشيخ أحمد ياسين في فلسطين، وتلك كانت سير
ة أحمد الشهيد في الهند وعمر المختار في ليبيا وعبد الكريم الخطابي في المغرب وعبد الحميد بن باديس في الجزائر… فأحبهم المسلمون ومنحوهم ثقتهم كاملة فأيدهم الله بنصره، ولكن دارت الأيام دورتها وابتليت الساحة العربية بعلماء السلطة وعملاء الشرطة الذين يلبسون جبة الخدم الذي لا يتحرك إلا بإشارة من سيده ولا يفعل إلا ما يرضيه ولا يفتي إلا بما يروقه فسقطت قيمة العلم والعلماء من أعين الرأي العام. كيف لا وهؤلاء “العلماء” ليسوا سوى موظّفين لدى الحكام يتميزون بالانضباط التام يملؤون الدنيا احتجاجاً على بدع القبور ويسكتون عن شرك القصور، تجد بعضهم يضلل المسلمين ويبدعهم ويكفرهم بسبب اللحية أو السبحة أو الأناشيد الإسلامية ولا يحركه عبث الحكومات بمصير الأمة وثرواتها وحقوقها وحرياتها، يتشددون في منع المرأة من قيادة السيارة ويتساهلون أيما تساهل في التطبيع السياسي والثقافي مع اليهود ويفتون بجواز الصلح معهم لأن الله تعالى قال “وإن جنحوا للسلم فاجنح لها” ! مع علمهم اليقيني أن الصهاينة لم يجنحوا للسلم قليلاً ولا كثيراً.
ة أحمد الشهيد في الهند وعمر المختار في ليبيا وعبد الكريم الخطابي في المغرب وعبد الحميد بن باديس في الجزائر… فأحبهم المسلمون ومنحوهم ثقتهم كاملة فأيدهم الله بنصره، ولكن دارت الأيام دورتها وابتليت الساحة العربية بعلماء السلطة وعملاء الشرطة الذين يلبسون جبة الخدم الذي لا يتحرك إلا بإشارة من سيده ولا يفعل إلا ما يرضيه ولا يفتي إلا بما يروقه فسقطت قيمة العلم والعلماء من أعين الرأي العام. كيف لا وهؤلاء “العلماء” ليسوا سوى موظّفين لدى الحكام يتميزون بالانضباط التام يملؤون الدنيا احتجاجاً على بدع القبور ويسكتون عن شرك القصور، تجد بعضهم يضلل المسلمين ويبدعهم ويكفرهم بسبب اللحية أو السبحة أو الأناشيد الإسلامية ولا يحركه عبث الحكومات بمصير الأمة وثرواتها وحقوقها وحرياتها، يتشددون في منع المرأة من قيادة السيارة ويتساهلون أيما تساهل في التطبيع السياسي والثقافي مع اليهود ويفتون بجواز الصلح معهم لأن الله تعالى قال “وإن جنحوا للسلم فاجنح لها” ! مع علمهم اليقيني أن الصهاينة لم يجنحوا للسلم قليلاً ولا كثيراً.
هذا النوع من العلماء يصنع قسما كبيرا من مصائبنا وتخلّفنا، وقد كنا نشكو عجز العلماء فأصبحنا نشكو تواطؤهم المكشوف مع من يسومون الأمة الخسف والهوان، لذلك يجب أن يدرج تكوين العلماء المخلصين الراسخين الثقات ضمن مخطط بعث الأمة من جديد، فإنه لا يصلح الحكام عندنا إلا إذا صلح علماء الدين، ولنا أن نتصور حالنا لو كان عندنا عدد كبير من أمثال القرضاوي وعوض القرني وأحمد الراوي وسلمان العودة ونزار ريان رحمه الله، فهذا الصنف الذي ننشده ينصح ويصحّح ولا يبتغي إلاّ وجه الله وخدمة الأمة، ولا عجب فإن كثيرا من هؤلاء الذين أشدنا بهم اكتسبوا مصداقيتهم من سجون الحكام لا من قصورهم ومن مواقفهم في نصرة الحق لا من لباسهم المتميز ولا من تلميع السلطة لهم ،فكما نحتاج إلى حكام اختارهم الشعب حقا نحتاج إلى علماء عاملين يحدثون التوازن بين السلطة والأمة
عبد العزيز كحيل