رأى أطباء نفسيون فلسطينيون إن الحرب على قطاع غزة تؤسس لجيل جديد من الفلسطينيين المقاومين المتشددين ضد إسرائيل، لن يجدوا طريقة لشعورهم بالأمان سوى باللجوء إلى القوة والعنف ضد الدولة العبرية التي يرون فيها “الشر الأكبر”. وقال مدير مركز الصحة النفسية في قطاع غزة إياد السراج “أطفالنا يعانون من سلسلة صدمات نفسية لحقت بهم في السابق والحاضر نتيجة القصف الإسرائيلي والعدوان على قطاع غزة، وبسبب تعرضهم لهذا الكم من الصدمات طوروا وسائل دفاعية”.
وتابع السراج “الأطفال الذين ولدوا تحت الاحتلال استخدموا ضرب الحجارة والمولوتوف “الزجاجات الحارقة” خلال الانتفاضة الأولى، أما الجيل الحالي فسيتحول إلى التشدد لأنه يؤمن أن إسرائيل هي الشر الأكبر”.
وتابع الطبيب النفسي الفلسطيني إن الناس يشعرون في قطاع غزة ب”الغضب الشديد بسبب القصف، لأن إسرائيل لا تحارب حماس وحدها بل ثبت إليهم أنها تقتل الشعب الفلسطيني، وهي بالتالي شر لا بد من مقاومته”.
وتطرق السراج إلى آثار الصدمات “مثل عدم القدرة على النوم والتبول اللاإرادي والتعثر بالكلام، والالتصاق بالأم، وفي المرحلة الثانية من الصدمة يصبح الصوت المزعج مرتبطا بالخوف والموت وارتجاع صور الأحداث والاكتئاب”.
وتابع السراج أن الفلسطيني يبدأ بعد ذلك “البحث عن البديل عن عائلته ووالديه لعجزهما عن حمايته وتوفير الأمان له، فيلجأ إلى التنظيم الذي يرى فيه الأكثر قوة وتشددا، وبالتالي قادرا على التفوق على من تسبب بخوفه وفقدانه للأمان”.
وقال السراج أيضا إن المجتمع الفلسطيني بات “بحاجة إلى إعادة تأهيل على جميع الأصعدة النفسية والجسدية” مشيرا إلى آلاف الجرحى من مخلفات هذه الحرب.
وخلف الهجوم على قطاع غزة منذ السابع والعشرين من الشهر الماضي أكثر من 700 شهيد بينهم أكثر من مائتي طفل ونحو مئة سيدة، في حين تجاوز عدد الجرحى الثلاثة آلاف بينهم نحو 700 طفل وأكثر من 450 حالة خطيرة بحسب المصادر الطبية الفلسطينية.
من جهته قال مدير مركز علاج وتأهيل ضحايا العنف الطبيب محمود سحويل في رام الله “إن هذه الحرب ستخلف لنا عملا كبيرا، لأنه سيكون أمامنا جيل سيعاني كما هائلا من الأعراض النفسية، وستدفع إسرائيل الثمن غاليا مستقبلا لأنها تخلق ثقافة الحرب والعنف”.
وتابع الطبيب النفسي سحويل أن “نسبة الأطفال الذين يعانون من أعراض الصدمة في قطاع غزة كانوا قبلا نحو 68 بالمائة، أما الآن فإن المجتمع الفلسطيني بات بمجمله يعاني من هذه الأعراض التي شملت الأطفال والبالغين وهي نسبة لم تسجل في العالم سوى في رواندا إثر المذابح”.
وشدد سحويل على أن “البيت والمدرسة والجامع والشجر في محيط سكنه هي ملجأ الطفل ومصدر أمانه، وعندما تقوم إسرائيل بتدميرها تدمر كل ما يمثل له الأمان، وستظهر الآثار النفسية لذلك قريبا لتحصد إسرائيل ما زرعته من ثقافة الحرب”.
وأوضح الطبيب سحويل أنه أجرى جلسات مع نحو 30 فتى وفتاة تتراوح أعمارهم بين ال12 وال14 عاما، “فجاءت جميع توجهاتهم انتقامية ويريدون أن يكونوا استشهاديين أو مقاتلين”.
وتابع “تصلنا يوميا اتصالات إلى المركز يفيد فيها الأهل بتغير سلوك أطفالهم نحو العنف أكثر فأكثر، وهم يقضون ساعات طويلة يلعبون لعبة الحرب خصوصا أمام الكمبيوتر لقتل العدو”.