ثلاث رسائل بعنوان واحد هو عهد الله.
الرسالة الأولى دينية موجهة إلى الأنظمة الرسمية العربية ومواطنيها ومقيميها من مسلمين ومسيحيين كافة وإلى البراغماتيين والمعتدلين الذين إما يقفون موقفاً محايداً من مذبحة غزة غير مبالين بما يحدث من مذابح في القطاع أو محرضين على المقاومة الفلسطينية، أقول: هل لديكم عهداً من الله بأنه لن يحاسبكم على موقفكم اليوم؟ هل قرأتم في القرآن أو الإنجيل عهداً من الله بأنه لن يمسكم أي عقاب أو سوء على مواقفكم؟ بالله عليكم، إن كان لديكم عهد مكتوب أو وحي منزّل أو رؤيا راودتكم بأن الله عز وجل لن يحسابكم على موقفكم من مذبحة غزة، فأستحلفكم بالله أن تمدونا بهذا العهد لنستطيع رفع رؤوسنا مرة أخرى والنظر إلى السماء.
لقد اشتقت إلى أن أنظر إلى السماء، فكيف لكم أن تنظروا إليها وأنتم غير واثقين إن كان خالقها ينظر إليكم بعين الرضا؟ أم أن توَهمكم بوجود عهد مع الله جعلكم تظنون بأنكم لن تموتوا أبدا؟
الرسالة الثانية سياسية موجهة إلى الأنظمة العربية الرسمية وبالتحديد تلك التي تدّعي الاعتدال وحب السلام وإلى القوى المتواطئة الناشطة منها والخاملة، ومضمونها هو: إن كنتم تعتقدون بأن ما يحدث في غزة سيحقق السلام في المنطقة عن طريق سحق المقاومة، فأنتم لستم فقط بواهمين بل حمقى وخرقاء. لقد ولدّ الرهان الظاهر للبعض والمبطّن للكثير على سحق المقاومة وإحلال الشعور بالهزيمة وانتظاركم الخائب للنتائج العسكرية لتحقيق مصالح سياسية، أقول قد ولّد آلاف المقاومين ومنهم أولئك الذين لم يقفوا مع حركات المقاومة من قبل وأولئك الذين كانوا منصرفين إلى حياتهم اليومية الرتيبة منتظرين معجزة ما أن تحدث لترد إليهم كراماتهم المسلوبة.
لا أتحدث بالعاطفة، راجعوا صور وأخبار وهتافات المظاهرات التي خرجت والتي ما زالت تخرج من قبل مختلف التوجهات السياسية والاجتماعية في العالم. فهذه المظاهرات ليست عاطفية كما كانت المظاهرات في السابق بل باتت هذه المظاهرات بذرة الأساس في إطلاق العديد من حركات المقاومة في الوطن العربي التي سنراها بإمكانيات متواضعة في البداية تجتاح هذا الوطن ابتداء من العام الحالي. فأبشروا لأنكم أول من سيحتفى بهم فبئس ما تعملون وأنتم لا تعلمون.
أحمقى أنتم؟ كم مضى من الوقت وأنتم تعتقدون بأن صوت السياسة سيعلو فوق صوت أطفال ونساء ورجال غزة؟ هل عميت بصيرتكم إلى درجة أنكم تظنون بأن الشعوب العربية والعالمية سوف تنسى؟ هل عاهدناكم أمام الله كشعوب محبطة بأننا وأطفالنا لن نحاسبكم؟
أما الرسالة الثالثة فهي لأهلنا، فسلام الله عليكم يا أهل غزة الكرام ورحمته وبركاته. سلام على أرواحكم الطيبة وسلام على سواعد المقاومين والمجاهدين والمرابطين وأهل غزة أجمعين، لقد حمّلتمونا أمانة ثقيلة جداً برباطكم وثباتكم وها أنتم تزيدون من حمولة هذه الأمانة كل لحظة كل يوم.
ينعتونكم بالمجانين، لأنكم تقتلون أنفسكم وبإحضاركم الموت إلى دياركم. ألا نعجب بشخص يتبرع بدمه لإنقاذ حياة ما، فما لنا لا نقبّل الأرض تحت أقدامكم وأنتم تهبون حياتكم لإنقاذ شعب كامل وأجيال لم ولن يتسنى لكم أن تعرفوها؟ وهل يتحكم المرء منا بموته؟
لقد غسلت دماؤكم الطاهرة وجوهنا الباهتة، وأزال رحيقها رائحتنا البائسة، وبكينا كثيراً وما زلنا ولكن حاش الله أن يكون عليكم، فدماؤكم هي التي أنزلت دموعنا لنبكي أنفسنا ونزيل بها ما غصت به أفواهنا من أشلائكم.
وها نحن اليوم نحاول قدر المستطاع أن نرد إليكم جميلكم.
أقسم بالله العظيم، وهذا عهد مع الله أمامكم، وعهد لكم أمام الله عز وجل، بأن نهب أنا وزوجتي وذريتي حياتنا لترسيخ روح المقاومة وإبقائها مشتعلة وإسعاد قلوب فلسطينية طالما بقي لنا نفس في أجسادنا الفانية على هذه الأرض، وهذا عهدنا معكم وإليكم، عسى أن يرحمنا الله وأن ترحمنا أرواحكم المشتعلة.
وائل محمد البرغوثي