لا داعي لرسم صورة غزة الدامية بالكلمات … فالصورة بكل تفاصيلها منتشرة بالفضاءات، متغلغلة بالهواء الذي تتنفسه البشرية، وعنوانها باختصار هو .. الموت .. ولا شيء غير الموت.
نحو 700 شهيد و3000 جريح نصفهم من الاطفال والنساء، دمار شامل للبنية التحتية، معاناة انسانية تعيد الى الاذهان بعض مشاهد الحرب العالمية الثانية، والقطاع يتمزق الى ثلاثة اجزاء، وعزل الحدود الفلسطينية عن المصرية، والسيطرة الاسرائيلية الكاملة على المعابر، والقادة مختبئون بالملاجيء يطلون على الجمهور كانهم خارجون من زنازين الاعتقال.
القوة والعنف كانا دوما من اهم عوامل صناعة التاريخ هذا ما يقوله كل فلاسفة ومفكروا السياسة والعلوم العسكرية مثل هيغل، و نيتشه، و كلاوزفيتز، وماركس، و لينين، وماوتسي تونغ وغيرهم، ومن المؤكد ان الاخلاقيات التي ترى بالقوة وسيلة لصناعة التاريخ لا تقتصر على الفاشيين والنازيين والمستبدين عبر التاريخ، بل يؤمن بها ايضا من يستندوا الى مباديء الحرية والديمقراطية المعاصرة، وهذه الاخلاقيات هي التي تحدد مفاهيم العدل والمساواة، والحق، هذا ما تخطه سيرة البشرية منذ الازل.
وايا اتسمت بعض الدعوات بالانسانية وروح اللاعنف، فانها تظل دعوات رومانسية حالمة واهمة، وكذلك هي الدعوات القائمة على الفكرة المسيحية القائلة “اذا ضربك احد على خدك الايمن فدر له الايسر”.
ووفق هذه الرؤية الفكرية الفلسفية السياسية والعسكرية فان نتائج الحرب وشروط السلام وعلاقات الدول تحددها القوة، بعناصرها وقواها وابعادها المختلفة، والتي تشمل (القدرات العسكرية والعلمية والاقتصادية والثقافية وكافة القيم التي تحدد سلوكيات الشعوب).
وتستطيع أي جهة ان تستخدم ما لديها من قوة لفرض ارادتها على الخصم، او الخصوم، سواء لانتزاع ما تعتبره حقا لها، او لاسترداد ما تعتبره حقا لها. او لأخذ حق ليس لها.
ولهذا حرصت الجماعات البشرية منذ سالف الازمان على امتلاك عناصر القوة اما للدفاع عن حقوقها او للاعتداء على حقوق الغير.
واذا كانت الحروب في الماضي تعتمد على القدرات البشرية وبالتالي كان هناك وزنا مركزيا للارادات الفردية، والعقيدة القتالية، والقناعات الشخصية، والروح المعنوية للجيوش، فانه في الحروب الحديثة تراجعت مكانة هذه الامور لتحل محلها التكنولوجيا المعقدة، والعلوم العسكرية الحديثة، والقوة النارية الموجهه عن بعد الاف الكيلو مترات، بالاضافة الى الاقمار الصناعية والطائرات بدون طيار وعالم الاتصالات الذكية وغير الذكية.، الى اخره.
وبالرغم من كل ما تكشف عنه اسرار الحروب الحديثة الا ان هناك بعض المضللين من مدرسة عبد الباري عطوان، وبارونات لندن مثل شخص يدعى ابراهيم حمامي، واخر يدعى عزام التميمي، وبعض من يحملون شهادات دكتوراه تجد اسمائهم في جريدة القدس العربي، وغيرها من صحف القنابل الصوتية، ومعهم شيوخ وزعماء وقادة الاخوان والتيارات الدينية من عاكف الى القرضاوي واسماء ما انزل الله بها من سلطان، تقول ان اهل غزة “سوف ينتصروا” ويعددوا اسبابا وهمية غيبية، في خطابات حماسية امام انصارهم وتابعيهم من الغوغاء المساكين.
ويقول هؤلاء في عشرات المقالات والخطب الرنانة والتصريحات المدوية ان حماس انتصرت في الميدان، ولقنت العدو درسا بالصمود، وان العدو فقد توازنه، وانه بات يبحث عن مخرج من الورطة التي وضع نفسه فيها، الى اخر الاضاليل والاباطيل التي يدغدغوا من خلالها عواطف انصارهم من السذج الغارقين بالوهم والاوهام . هذا في الوقت الذي تتلقى فيه صدور المواطنين العارية في قطاع غزة قذائف العدو وصواريخه، ويسقطون بالعشرات يوميا فيما قادة “المقاومة الصوتية” مختبئون بالملاجيء والمساجد والمستشفيات ووسط الناس الابرياء.
فيا سادة … ان الحرب ليست نزهة ، او مباراة كرة قدم..، او مناظرة تلفزيونية..، ان الحرب كما يعرفها الفيلسوف العسكري الالماني “كارل كلاوزفيتز” في كتابه الشهير “فن الحرب” هي : “استئنافاً للسياسة ولكن بوسائل عنيفة، وهي صراع بين المصالح الكبرى التي يمكن ان تقرر نتائجها بسفك الدماء، وهي قبل كل شيء من الاعمال التي يقصد بها ارغام العدو على الخضوع لارادتنا، وبناء على ذلك فان الحرب المطلقة وهي التي يصل العنف فيها الى الاندفاع الى اقصى ما يمكن، حتى يتم انتزاع اسلحة العدو او تدمير قوته.
وتشتمل المباديء الرئيسية للحرب كما يراها كلاوزفيتز على : الهدف، والعمل الهجومي، وخفة الحركة، والحشد، والمفاجأة، والاقتصاد في القوى، والمطاردة، واكتساب الراي العام، والتعاون، والروح المعنوية، والعمل الدفاعي، وتأثير العوامل السياسية والاجتماعية، وتأثير
الارض، والعامل الجغرافي والطوبوغرافي.
الارض، والعامل الجغرافي والطوبوغرافي.
كما تشتمل على مباديء عامة هي : الأمن، والاتجاه، والتدريب، والمبادأة، وسرعة الحسم، وتحقيق الاهداف، والاعداد والتخطيط الشامل المسبق، والتوزيع، والاستطلاع، والمخابرات، وفرض الارادة على العدو، وتأمين قاعدة دفاعية للهجوم، ومراعاة نقطة أقصى تطور.
كما تتطلب الحرب عناصرمهمة هي : المناورة، الشؤون الادارية، الانضباط، كفاءة القيادة والسيطرة، والبساطة، والعمل على تحقيق التفوق العددي العام، مع تحقيق التفوق في النقطة الحاسمة.
ويجمل كلاوزفيتز مباديء الحرب على النحو التالي : الهدف، والعمل الهجومي، وخفة الحركة، والتوزيع، والاقتصاد في القوى، والحشد، والمفاجأة، والامن، والتعاون، والمناورة، والاتجاه، والمرونة، والتدريب، والمبادأة، وكفاءة القيادة، والسيطرة، وسرعة تحقيق الاهداف، والحرب الخاطفة، والاعداد الشامل، والاعمال الدفاعية والهجومية، والاستطلاع، والمخابرات، وفرض الارادة على العدو، وانهاكه، وشل ارادته، والخداع، والاستدراج، وتنوع وتفوق نظريات اساليب القتال، وتفوق نظم التعبئة، وتجهيز مسرح العمليات، وتفادي نقاط القوة، واستغلال نقاط الضعف، والبساطة، واستناد الهجوم على قاعدة دفاعية مؤمنة، والشؤون الادارية.
هذه هي فنون الحرب .. فهل مجاهديكم من فرع الاخوان المسلمين في فلسطين (حركة المقاومة الاسلامية حماس) تتعامل مع الغزوة الصهيونية لقطاع غزة وفق هذا المفهوم للحرب ..؟
وهل تمتلك من كل ما ذكر شيئا يمكنها كما تدعون من الانتصار وارباك العدو وتمريغ انفه بالتراب..؟
بالطبع سيقف البعض ليقول أي هرطقة هذه التي اهذر بها ..؟ ان حماس لا تقاتل وفق قواعد الحرب الكلاسيكية.
واقول لهؤلاء نعم نعم ايها السادة ان حماس لا يمكنها ان تقاتل وفق قواعد الحرب الحديثة ..
طيب وفق أي منطق عسكري تحارب .. ؟؟
لنقل انها تحارب وفق مفهوم حرب الشعب الطويلة الامد والتي يسمونها المقاومة.. فهل هي فعلا اعدت حماس العدة لتقاتل العدو وفق حرب العصابات – حرب الشعب طويلة الامد ..؟؟
لننظر كيف يعرف ماوتسي تونغ احد اشهر قادة حروب التحرير الشعبية في العصر الحديث مفهوم الحرب الشعبية فيقول :
أولا– مهاجمةالأعداءالمبعثرينوالمنعزلينوتأجيلمهاجمةالوحداتالقوية
ثانيا– البدءباحتلالالمدنالصغرىوتأجيلاحتلالالمدنالكبرى.
ثالثا– ليسمنالمهمالبقاءفيالمدنوالدفاععنهاانماالمهمهوتدميرالعدو.
رابعا– تحشيدالقوىفيالمعركة لتحقيقالتفوق.
خامسا– عدمالتورطفيمعركةغيرمعدلهامسبقا .
سادسا– عدمالخوفمنالتضحياتوالإرهاق .
سابعا –يجبتدميرالعدو.
ثامنا– الاستيلاءعلىسلاحالعدولتسليحرجالالعصابات .
تاسعا– احتلالالمدنالضعيفةالمشغولةبقواتمتوسطةالقوة،وانتظارالتفوقلاحتلالالمدنالحصينة .
عاشرا– الاستفادةمنفتراتالراحةفيالتدريبواعادةالتنظيم .
فهل حماس أعدت سكان قطاع غزة لخوض مثل هذه الحرب الشعبية .. وهل تقوم قوات الحرب الشعبية الحمساوية بتنفيذ أي بند من البنود العشرالتي ذكرها ماوتسي تونغ .؟ (اسف يا انصار حماس على الاستشهاد بماوتسي تونغ فهو شيوعي كافر ملحد لا يجب الاستشهاد به ).
فبأي منطق يتبجح هؤلاء عن المقاومة وحرب الشعب طويلة الامد، والصمود ، وتمكنهم من الانتصار على العدو بالميدان ومن خلال الصمود..
انكم يا سادة لا تضحكوا الا على انفسكم .. فالعدو تمكن من تجزئة غزة الى ثلاثة اجزاء ، وحاصر المدن، واقام مرتكزات ونقاط عسكرية دفاعية ، وحدد حركة مقاتليكم، ويتحكم بطعامكم وشرابكم وهوائكم وفي ساعات نومكم وصحوكم .. فأين هو الانتصار ..؟
كما ان العدو هو الذي يتحكم بسير المعركة فيعلن التهدئة وقت ما يريد ويقرر القصف متى يريد، ويطلب من جزء من سكان رفح باخلاء منازلهم، وقد يطلب ذلك من سكان غزة او خانيونس او غيرها، وانتم مختبئون.
فاياكم .. ثم اياكم .. ان تنهضوا من جحوركم وتقولوا انتصرنا ..!! وهزمنا العدو ..!! عليكم ان تعترفوا انكم هزمتم شعبنا ودمرتم مدننا .. وقتلتكم ابنائنا وبناتنا ونسائنا وشيوخنا، بالتآمر مع العدو الصهيوني الهمجي البربري.
حذار ان تصدقهم يا شعبنا .. انهم يقيمون حساباتهم على اساس صلاة الاستخارة، والضرب بالمندل .. ويضعون انفسهم مكان الرسول عليه الصلاة والسلام فيتخيلوا انه كما نصر الله رسوله فانه سوف ينصرهم، دون ان يعدوا للنصر أي عدة، ودون ان يجهزوا للحرب أي تجهيز.
ان ثقتنا بالنصر على العدو الصهيوني لا تتزعزع ولكن ليس بطريقة واسلوب الدراويش واصحاب الأدعية في ملاعب كرة القدم، بل بالعلم والتخطيط والحنكة السياسية والدهاء السياسي ومن خلال الثوار الحقيقيين، الذين يؤمنون بالكفاح الشامل وليس فقط بالسلاح المتواضع البسيط الذي يؤجج عدونا المتغطرس ويدفعه لضرب شعبنا بقسوة وعنف دون القدرة على الرد او الدفاع عن النفس.
وثقتنا بشعبنا وقدرتنا وطاقتنا لا تتزعزع باقامة دولتنا الوطنية الفلسطينية الديمقراطية المستقلة.
ابراهيم علاء الدين